مقالات

الولاءات والانتماءات في التنوع الثقافي داخل المجتمع العربي السوري بقلم الاستاذ الدكتور عزالدين الدياب -استاذ جامعي -دمشق-

بقلم الاستاذ الدكتور عزالدين الدياب -استاذ جامعي -دمشق-

الولاءات والانتماءات في التنوع الثقافي داخل المجتمع العربي السوري
بقلم الاستاذ الدكتور عزالدين الدياب -استاذ جامعي -دمشق-
مقدمة:
شاءت اهتماماتي المبكرة في الثقافة الغربية السورية،متأثراً بالمنهج الأنثروبولوجي الثقافي،أن تلفت انتباهي ظاهرة، تشكل ميداناًً للعلم الأنثروبولوجي الثقافي،وهي إقدام فئات اجتماعية على الانتماء للحزب الحاكم في سوريا،غداة الانقلاب الهزة،في الثامن من آذار عام 1963..
فذهبت في بحث ميداني/حقلي أتتبع أسباب وموجبات ظاهرة الانتساب لهذا الحزب،منقاداً بسؤال ماهي الأسباب والدواعي التي تدفع هؤلاء الناس للانتساب إلى هذا الحزب،هل هو الواقع المعيشي،كما قال أحد من أسس اللجنة العسكرية،في رده على هذه الهجمة،كما سماها أحدهم ،أم هي الفرصةالتاريخية التي أوجدها، انقلاب الثامن من آذار ،حاضنة لهذه الفئات الاجتماعية ؟
وشاءت ظروف البحث،أن أذهب إلى دراسة الولاءات والانتماءات في حزب البعث العربي الاشتراكي،معنياً بمعرفة منهجية للانتماءات داخل هذا الحزب*وما سيتأتى منها من انقسامات وصراعات،تؤثر على مصداقيته،وما ستجلبه من صراعات تمس وحدة البناء الاجتماعي السوري،ورهانات القوى المضادة على هذه الصراعات..
كان لابد من العودة إلى التحليل والتفسير الأنثروبولوجي لوضع المعاني والمفاهيم الصحيحة الكفيلة في القول السليم لظاهرة الزحف إياها،والبحث عن مآلاتها ونتائجها في الحياة السورية.
وخلصنا أنّ هذه الدراسة حتى تأتي أُكُلها لابد أن تُسوّغها بمفاهيم قادرة على الإسهام للوصول إلى التتائح المتوخاة،
واخترنا مهجياً المفاهيم الآتية:
1-العائلة2-القربى 3-الولاءات 4-الانتماءات-
قراءة أنثروبولوجية ثقافية للولاءات في البنى القرابية العربية -الموقف الأدبي -العدد 509-إيلول-2013-ص36-46.
وعلى ضوء تتبع الولاءات،كما هي في البنيان الاجتماعي/السياسي للحزب الحاكم،قمنا بدراسة حقلية لصراع الولاءات ووجدنا أنّ البنية الحقيقية لهذه الصراعات،يمكن تفسيرها،على ضوء صراع العصبيات،كما وجدناها في أول حلقة من حلقاتها،منقادة بصراع المعايير،فصراع المعايير يقود إلى صراع الولاءات.ونذهب إلى صراع المعايير ،،لنجد حكماً أنّها وراء صراع الولاءات،داخل البناء الاجتماعي وتنوعه الثقافي في المجتمع
العربي السوري،حيث تذهب وفق قيم المناصرة،التي قالها عمنا ابن خلدون،” حيث يأخذ وازع الالتحام والانقسام،وجهة صراع الولاءات،وانتماءاتها،على النحو الآتي:أنا ابن أسرتي ومن ثم ابن عائلتي ثم ابن فخذي ثم ابن فخذي وابن عشيرتي  ثم ابن قبيلتي ثم ابن وطني وابن وطني ثم ابن امتي  وطائفتي  ثم ابن ديني وابن حارتي ثم ابن قريتي وابن جهتي ثم ابن مدينتي   ثم ابن وطني ثم ابن أمتي.وتتجسد هذه الولاءات ،على سبيل  المثال لا الحصر،في الصراع بين الولاء للأسرة أم للعائلة.حيث ولاء الفرد لأسرته أوّلاً وليس للعائلة،وقل هذا في سائر
الولاءات ومالها من مستويات قربى في الحياة العربية/السورية
ص43″
وعن سؤال يخص الولاءات في بنيان التنوع الثقافي السوري هل ما قلناه عن صراعات الولاءات يتلاقى مع صراع الولاءات الراهنة في المجتمع العربي السوري،في إعقاب التغيير الذي تم منذ حوالي عام؟
لاشك أن صراع الولاءات الراهن في التنوع الثقافي السوري،حصيلة للصراعات التي كانت غداة الثامن من آذار والتي لخصها الشارع السوري آنذاك في مفهوم”عدس”وإن تفككت عراه بعد الانقلاب الذي قام به حافظ الأسد،وتعاظم في زمن ابنه بشار الذي أورثه الحكم والصراعات في بنية التنوع الثقافي السوري..
لكن حصيلة قوى اجتماعية قلبت مشهد هذه الصراعات حيث تغيرت الولاءات في شريحة من شرائح المجتمع العربي السوري،بتغير القوى الجديدة الحاكمة.لكن صراع الولاءات ظلت تحكمه صراع المعايير السائدة في الثقافة الشعبية،وهي المعايير التي تُكَوّن الشخصية العربية
السورية،وهي في بنيتها الثقافية معايير علة،لأنها تجعل الولاء
ينقاد بشخناتها المحسوبة على المجتمع الأهلي”القبلي”وهذه
الشحنات نجد فعاليتها بسلوكنا الاجتماعي،الذي تؤثر فيه
فعاليات الفعل ورد الفعل.”ويلتقي معنى الولاء بوصفه احد المشكلات البنائية الحقيقية مع الفرض السابق الذي احتسب الولاءات على البنى الاجتماعية العربية التقليدية،التي لاتزال محكومة ومستندة في صراعاتها،على عصبية القربى متنوعة المضامين:العائلية،والعشائرية والجهوية،والدينية والمذهبية
…إلخ.-المرجع السابق ص43″
لن ندخل في تقييم ووصف صراع الولاءات داخل بنيان نسق التنوع الثقافي الراهن في الحياة السورية،وإنما نتركه للقارئ
إنطلاقاً من حقيقة تقول:”وحتى يملك الولاء للوطن،استتاد صلبة تنضم إليه،وتحوله من الولاء المشكلة/ إلى الولاء الصحيح والمتمثل في الحياة الديمقراطية الحقّة الخالية من إلحاقات-نفس المصدر-ص43″
تفسد وتُحيّر الولاء للوطن إلى ولاءات جهوية وفصائلية ومذهبية،تحدث
شرخاً بتائياً عميقاً في البناء الاجتماعي العربي،وتحوله بل تشرذمه إلى بناءات متصارعة.- نفس المرجع -ص44″.
ونختم هذا البحث بتسويغ ماكتبناه، بهاجسين”هاجس الولاء للأمة العربية،بوصفه قيمة عليا تشمل المحدد الموضوعي للمواطنة ،وهاجس المنهج الأنثروبولوجي الثقافي الذي يرينا الولاءات،كما هي في النسيج الاجتماعي العربي وتعيّناتها …-نفس المصدر -ص44″
ويظل التنوع الثقافي الذي عرفته الحياة السورية في عقد الخمسينات من الألفية الثانية والذي عرف بقوته ومتانة التأثير الخلاق المتبادل بين مكوناته،يشكل لنا قدوة في بلوغه وتعيناته في الشخصية العربية السورية الاجتماعية ،أي في تحققه داخل البناء الاجتماعي العربي السوري،في مستوياته الجهوية والوطنية والعربية،إنطلاقاً من يقين بالقانون القومي العربي الذي يقول،على لسان أستاذنا؛” حدود القطر العربي الواحد،هي حدود الوطن العربي كله”.
د-عزالدين حسن الدياب

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب