مؤسسات وخبراء حقوقيون يدعون إلى المحاسبة في أحداث الساحل السوري

مؤسسات وخبراء حقوقيون يدعون إلى المحاسبة في أحداث الساحل السوري
منهل باريش
يشكل اتهام فصائل منضوية سابقًا تحت هيئة «تحرير الشام»، إحراجًا كبيرًا لوزارة الدفاع. وتورط فرقتي «السلطان سليمان شاه» و«الحمزة»، المقربتين من أنقرة، يضع تركيا في موقف محرج.
أصدرت لجنة التحقيق التابعة للأمم المتحدة بشأن سوريا، الخميس الماضي، تقريرها حول أعمال العنف التي شهدتها مناطق عدة في الساحل السوري في أذار (مارس) من العام الجاري.
وخلص تقرير اللجنة إلى أن أعمال العنف التي شهدها الساحل السوري في تلك الفترة، كانت منهجية وواسعة النطاق، كما أشار التقرير إلى أن الانتهاكات التي تضمنتها أعمال العنف قد «ترقى إلى جرائم حرب»، كما لفت إلى أن اللجنة لم تجد أي دليل على وجود سياسة، أو خطة حكومية لتنفيذ مثل «هذه الهجمات»، وفي ذات الوقت أكد التقرير على مشاركة مسلحين موالين لحكم النظام السابق في ارتكاب الانتهاكات.
وجاء في تقرير لجنة التحقيق التابعة للأمم المتحدة، أن «أعضاء قوات الحكومة الانتقالية، والأفراد العاملين معها أو بجانبها، اتبعت نمطا منهجيا في مواقع متعددة وواسعة الانتشار»، كما ذكر أن أعمال العنف التي شهدها الساحل السوري في آذار (مارس)، شملت القتل والتعذيب والأفعال اللا إنسانية المتعلقة بمعاملة الموتى، والنهب واسع النطاق وحرق المنازل».
وذكر التقرير، أنه على النحو المفصل في ملخصات القضايا التي تضمنها «هناك أسباب معقولة للاعتقاد بأن أفرادا من فصائل معينة من قوات الأمن التابعة للحكومة الانتقالية، ارتكبت أفعالا ترقى إلى انتهاكات للقانون الإنساني الدولي، بما في ذلك أفعال ترقى إلى جرائم حرب، فضلاً عن انتهاكات جسيمة للقانون الدولي لحقوق الإنسان»، كما أشارت اللجنة في تقريرها إلى أنه من ضمن القوات المشاركة في الانتهاكات، قوات الأمن العام والفرقة 62 التي كانت تعرف سابقا باسم «لواء السلطان سليمان شاه»، والفرقة 76 والمعروفة سابقا باسم «فرقة الحمزة»، و«الفرقة 400» التي تضم مجموعة من الألوية التي كانت منضوية سابقا ضمن هيئة تحرير الشام.
الجدير بالذكر، أن الاتحاد الأوروبي كان قد فرض عقوبات في أيار (مايو) الماضي على كل من محمد الجاسم «أبو عمشة» قائد فرقة السلطان سليمان شاه، وسيف بولاد «أبو بكر» قائد فرقة الحمزة» على خلفية موجة العنف التي شهدها الساحل السوري في آذار (مارس)، واتخذ حينها مجلس الاتحاد ما وصفها بـ «تدابير تقييدية جديدة» بموجب نظام العقوبات العالمي لحقوق الإنسان التابع للاتحاد الأوروبي
رئيس اللجنة، باولو سيرجيو بينهيرو، قال إن «حجم ووحشية العنف الموثق في تقريرنا أمر مقلق للغاية»، ودعا بينهيرو السلطات الانتقالية إلى «ملاحقة جميع الجناة بغض النظر عن انتماءاتهم أو رتبهم».
بدوره قال المتحدث باسم الأمم المتحدة، ستيفان جوداريك، الخميس الماضي، إن نتائج لجنة التحقيق التابعة للأمم المتحدة بشأن سوريا، وتقريرها، «مقلقة للغاية»، وأكد على مسؤولية من هم في السلطة في دمشق في ضمان شعور كل السوريين بالأمان والحماية، لافتا إلى أنه «لا ينبغي لأحد أن يواجه خطر القتل أو المضايقة أو الاختطاف، لمجرد عرقه أو دينه».
وفي ذات السياق، استندت اللجنة في تحقيقها على مقابلة أكثر من 200 شخص من «ضحايا وشهود»، وزيارة ثلاثة مواقع لمقابر جماعية، بالإضافة إلى لقاءات مع مجموعة من المسؤولين، كما خلصت اللجنة إلى أن أكثر من 40 ألف شخص فروا إلى لبنان في تلك الفترة.
واعتمدت اللجنة في التقرير على منهجية تضمنت، تقارير عن أكثر من 42 حادثة، وتحقيقات معمقة في 15 «حادثة رمزية» في كل من اللاذقية وطرطوس وحماة، كما سعت خلال تحقيقها إلى الحصول على المعلومات عن الحوادث والتطورات من الحكومة الانتقالية، كما أرسلت بعثة وصلت للمناطق الساحلية في حزيران (يونيو) الماضي، التقت بمسؤولين حكوميين محليين، وقادة أمن وشهود وعائلات ضحايا، وأشاد التقرير بتسهيلات السلطة الانتقالية للبعثة من خلال إمكانية وصولها بدون أي قيود للمناطق الساحلية، وبجهود الحكومة المبذولة في استعادة الهدوء وتهدئة مخاوف المجتمع المحلي، بالإضافة للجهود الحالية في تدريب القوات الخاضعة لقيادة الحكومة الانتقالية بشكل ملائم.
وذكر تقرير اللجنة التابعة للأمم المتحدة، أن فريقها في سوريا التقى في نهاية آذار (مارس)، وفي حزيران (يونيو)، بلجنة تقصي الحقائق الوطنية في أحداث الساحل، والتي شكلت بقرار من الرئيس الانتقالي أحمد الشرع للتحقيق في الانتهاكات المرتكبة في الساحل السوري في آذار (مارس)، والتي أصدرت نتائج تحقيقاتها في 22 تموز (يوليو) الفائت.
ردود فعل رسمية وحقوقية
من جانبه، وجه وزير الخارجية والمغتربين في الحكومة السورية، أسعد الشيباني، رسالة شكر إلى رئيس لجنة التحقيق الدولية المعنية في سوريا باولو سيرجيو بينهيور على تقرير اللجنة، مرحبا بما وصلت إليه من نتائج، وقال الشيباني في الرسالة التي نشرتها الوزارة على منصاتها «نرحب باستنتاجكم أنه لا يوجد أي دليل على وجود سياسة أو توجيه حكومي بارتكاب هذه الجرائم. بل على العكس، أشرتم إلى صدور أوامر واضحة لمنع الانتهاكات واستعادة الانضباط»، وأضاف الوزير «نرحّب بإشارة تقريركم إلى الإجراءات التي اتخذناها في سبيل المساءلة، بما يتوافق مع التزاماتنا الدولية كدولة ذات سيادة. وتعكس هذه الجهود عزمنا على بناء مؤسسات قائمة على العدالة وسيادة القانون، بعد أن ورثناها في حالة انهيار وفساد من النظام البائد»، كما لفت الشيباني إلى أن تقرير اللجنة ينسجم مع ما توصلت إليه لجنة تقصي الحقائق الوطنية المستقلة، التي أعلنت عن نتائجها الشهر الماضي.
بموازاة ذلك، أصدر المركز السوري للإعلام وحرية التعبير، بيانا رحب به بتقرير لجنة التحقيق التابعة للأمم المتحدة بشأن سوريا، وجاء في البيان الصادر عن المركز الخميس الماضي «يرى المركز أن توصيات اللجنة تمثل خريطة طريق عملية وواضحة لمعالجة جذور الانتهاكات ووضع حد لدائرة العنف والإفلات من العقاب في سوريا. نرحّب بهذه التوصيات ونتبنّى جوهرها باعتبارها خطوة أساسية لا غنى عنها لضمان محاسبة الجناة بدون أي تمييز أو اعتبارات للرتبة أو الانتماء، والشروع في إصلاحات هيكلية تعيد الاعتبار لسيادة القانون وتُرسِّخ ضمانات عدم التكرار. تنفيذ هذه الخطوات بصورة عاجلة سيشكّل عاملاً حاسماً في حماية المدنيين والمدنيات واستعادة الثقة وفتح الطريق نحو سلام دائم».
ودعا المركز، الحكومة السورية الانتقالية إلى تنفيذ توصيات لجنة التحقيق بالكامل وبدون تأخير وبشفافية تامة، باعتبار ذلك خطوة أساسية لإنهاء الإفلات من العقاب ومنع تكرار الانتهاكات مثل تلك التي ارتكبت مؤخراً في السويداء.
وشدد على ضرورة إيقاف جميع الأفراد المشتبه بتورطهم في انتهاكات جسيمة، بمن فيهم من يشغلون مواقع قيادية في الأمن العام ووزارة الدفاع، عن العمل مؤقتاً بانتظار تحقيقات جنائية سريعة وشاملة ومستقلة وشفافة حول الانتهاكات المزعومة. وتقديم من يثبت تورطه منهم لمحاكمات علنية شفافة تتوفر فيها شروط المحاكمة العادلة.
كما دعا بيان المركز، إلى التعجيل ببدء مسار عدالة انتقالية شفاف وشامل، بما يضمن كشف الحقيقة وتحقيق المساءلة وجبر الضرر ووضع ضمانات عدم التكرار.
وفي الإطار، قال فضل عبد الغني، مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان إن «القيمة الحقيقية تكمن في قراءة التقرير ذاته، لا في خلاصاته الإعلامية».
وأشار في اتصال مع «القدس العربي» إلى أن التقرير الأممي يعيد توصيف الأحداث إلى جذور تركيبة السلطة في عهد عائلة الأسد، مذكرا أن «الغالبية الساحقة من عناصر الجيش والأمن الذين ارتكبوا الانتهاكات خلال العقود الماضية كانوا من الطائفة العلوية، في حين كان الضحايا، وفق التقرير، في معظمهم من السنة».
واعتبر التقرير أن الانتقام، بعد سقوط النظام، جاء نتيجة فشل الإطار العدلي الجديد، وغياب العدالة الانتقالية، ما دفع بعض الأفراد إلى محاولة تطبيق القانون بأيديهم.
أبرز ما يميّز التقرير الأخير، وفق عبد الغني، هو إشارته الإيجابية النادرة تجاه الحكومة السورية الحالية، التي سمحت بدخول اللجنة الدولية، وسهلت مهمتها، بل ودعمت تمديد ولايتها، في تناقض واضح مع تعامل النظام السابق، الذي كان يمنعها من دخول البلاد، ويهاجم عملها باستمرار.
والجدير بالذكر، أن التقرير وثّق بدقة الانتهاكات المرتكبة بحق المدنيين العلويين، من بينها الإعدامات الجماعية، رمي الضحايا من الأسطح، حرق وتشويه الجثث، واستخدام خطابات طائفية عبر قنوات مثل «تلغرام»، إضافة إلى عمليات نهب وسرقة قامت بها جماعات منضوية ضمن قوات الأمن.
ومع ذلك، شدد عبد الغني على أن حصيلة الضحايا الحقيقية بلغت نحو 1400 شخص، وهو رقم مرعب، لكنه أقل بكثير من الأرقام المبالغ فيها التي تداولتها بعض الجهات الإعلامية (2500–7000)، والتي وصفها بـ«الشلف غير الموثق».
في نقطة حساسة أخرى، أوضح عبد الغني أن التقرير «لم يعثر على دليل يثبت وجود قرار مركزي من الحكومة السورية بتنفيذ تلك الانتهاكات، لكن ذلك لا يُعفيها من المسؤولية، لأن الأفراد الذين ارتكبوها كانوا ضمن تشكيلاتها الأمنية». ولفت إلى أن بعض عناصر الأمن «حاولوا حماية المدنيين»، ما اعتبره التقرير «نقطة لصالح الدولة».
كما ربط بين نتائج التقرير الأممي وما وثقته الشبكة السورية لحقوق الإنسان، مؤكدًا أن الأرقام الواردة حول الضحايا وانتهاكات النظام السابق «تتقاطع بشكل كبير مع توثيق الشبكة، ما يعزز من مصداقية الطرفين ويوحّد الرواية الحقوقية المستقلة».
وفي ردود الأفعال، ثمن المحامي أيمن أبو هاشم المتخصص في القانون الدولي تقرير اللجنة الدولية، وأوضح انه على خلاف ما ورد في تقرير «رويترز»، يشير التقرير الأممي إلى أن هذه الانتهاكات «لم تأت بأوامر مركزية من الدولة أو من القيادات العليا، بل كانت أفعالًا منفلتة من قبل هذه المجموعات، من دون وجود تراتبية أوامر واضحة تربطها بالحكومة الجديدة».
رغم ذلك، فإن التقرير لا يُعفي الحكومة من المسؤولية، بل يدعوها إلى محاسبة المنتهكين من صفوفها أو من المجموعات التابعة لها، وإلى إعادة هيكلة الجيش والشرطة والأجهزة الأمنية و اتخاذ خطوات فعالة لضبط الأمن ومنع تكرار الانتهاكات، خصوصًا مع ما جرى في السويداء كمثال واضح على استمرار الفوضى.
وشدد أيمن أبو هاشم في حديث لـ «القدس العربي» أن تقرير اللجنة الأممية جاء بعد شهر من تقرير لجنة التحقيق الوطنية، ولكن عدم نشر التقرير الوطني رسميًا حتى الآن «يُعد نقطة ضعف واضحة، في حين أن تقرير اللجنة الدولية نُشر بشكل شفاف وكامل». وأشار إلى «ضرورة نشر التقرير الوطني لكونه معنيًا بطمأنة المواطنين السوريين، ويمثل نوعًا من الالتزام الرسمي تجاههم».
وحذر من أن عدم المعالجة الجادة والسريعة «قد يؤدي إلى مزيد من الفوضى والانتهاكات، ويُضعف ثقة الناس بالدولة وقدرتها على فرض القانون وحماية المدنيين».
ويشكل اتهام فصائل منضوية سابقًا تحت هيئة «تحرير الشام»، إحراجًا كبيرًا لوزارة الدفاع السورية. كما أن تورط فرقتي «السلطان سليمان شاه» و«الحمزة»، المقربتين تاريخيًا من أنقرة، يضع تركيا في موقف محرج، مما يعزز الدعوات إلى المحاسبة وإصلاح الأجهزة الأمنية.