رئيسيالافتتاحيه

الحراك الإسرائيلي وأهميته لوقف الحرب وإطلاق سراح الأسرى

الحراك الإسرائيلي وأهميته لوقف الحرب وإطلاق سراح الأسرى

بقلم رئيس التحرير

لم يعد المشهد الإسرائيلي الداخلي قادراً على التعايش مع حرب الاستنزاف المفتوحة على قطاع غزة. ففي 17 آب/أغسطس 2025، دخلت إسرائيل مرحلة نوعية جديدة من الاحتجاج، بعد أن نفذت القوى الشعبية والقطاعات النقابية إضراباً شاملاً، هو الأوسع منذ اندلاع المواجهة مع غزة قبل نحو عامين.

هذا الإضراب، الذي انطلق من معاناة عائلات الأسرى، تجاوز حدوده الاجتماعية والإنسانية ليصبح أداة ضغط سياسية واستراتيجية على الحكومة، بعد أن شلّ المواصلات والقطارات وعطّل عمل المؤسسات والمصانع والجامعات في مختلف المدن، وأعاد إنتاج مشهد انقسام داخلي يتجاوز مجرد الخلاف حول إدارة الحرب، ليصل إلى جوهر الأزمة البنيوية التي تعصف بـ”الدولة العبرية”.

رغم محاولات نتنياهو وحكومته تصوير الإضراب باعتباره “خدمة للأعداء”، فإن الواقع يكشف العكس: فالتظاهرات والإضرابات المتكررة لم تعد تعبيراً عن موقف معارض فحسب، بل هي مؤشر على تحولات عميقة في الرأي العام الإسرائيلي الذي بدأ يرى في استمرار الحرب تهديداً وجودياً داخلياً لا يقل خطورة عن التحدي العسكري الخارجي.

أبعاد الحراك وأهميته

  1. شرخ داخلي متفاقم: الحراك يعمّق الهوة بين الشارع والائتلاف الحاكم، ويعري فشل الحكومة في إدارة ملفات الأمن والسياسة والاقتصاد.
  2. انعكاس اقتصادي ضاغط: الخسائر بمليارات الشواكل نتيجة الشلل في المواصلات والإنتاج تزيد من هشاشة الاقتصاد، وتضعف قدرة الحكومة على الاستمرار في حرب طويلة الأمد.
  3. تحدٍ للشرعية السياسية: مشاركة عشرات الآلاف من مختلف القطاعات، بما فيها شخصيات أمنية وسياسية ودينية، تجعل من الاحتجاجات معركة حول مستقبل القيادة نفسها، لا مجرد جدل حول صفقة تبادل.
  4. ضغط خارجي متنامٍ: الحراك يواكب ضغوطاً أمريكية ودولية متزايدة لإنهاء الحرب، إذ بات استمرارها عبئاً على أجندة واشنطن العالمية في ظل أولويات أوكرانيا والصين.

البعد الاستراتيجي

تكمن خطورة ما يجري داخل إسرائيل في أنه يؤشر إلى انتقال أزمة الأسرى والحرب على غزة من كونها قضية تفاوضية مع حركة حماس، إلى معضلة وجودية داخل إسرائيل ذاتها. فالمجتمع الإسرائيلي المنقسم لم يعد قادراً على التوحد خلف حكومة نتنياهو، التي فشلت في تحقيق أهداف الحرب المعلنة، ودفعت الدولة إلى عزلة دولية وأزمة داخلية خانقة.

إن إدخال “الخيام” إلى رفح ومحاولات إعادة تهجير الفلسطينيين إلى الجنوب، لم تعد مجرد سياسات عسكرية، بل تكشف عن مأزق سياسي يفاقم الضغط الداخلي والخارجي على الحكومة الإسرائيلية. وهذا ما يفسر لجوء نتنياهو إلى خطاب المماطلة والتسويف بالحديث عن “صفقة شاملة”، في حين يدرك الشارع أن الاستمرار في الحرب لم يعد يجلب سوى الفشل والكلفة الباهظة.

نحو معادلة جديدة

نجاح الإضراب الأخير والمظاهرة الكبرى في “ميدان الرهائن” بمشاركة أكثر من 150 ألف متظاهر، يؤكد أن الداخل الإسرائيلي بات لاعباً مركزياً في معادلة الحرب، وأن الحراك الشعبي أصبح ركناً ضاغطاً لا يقل أهمية عن المقاومة في غزة أو المواقف الدولية.

إن مستقبل إسرائيل، في ضوء هذا الحراك، يقترب من مفترق طرق حاسم: فإما أن تنصاع الحكومة لمطلب إنهاء الحرب والتوصل إلى صفقة تبادل، أو أن تواجه خطر تفكك داخلي وانهيار شرعيتها، بما قد يفتح الباب أمام سقوط الائتلاف الحاكم، ويعيد رسم الخريطة السياسية في إسرائيل.

ويمكن القول إن الحراك الإسرائيلي لم يعد مجرد تضامن مع عائلات الأسرى، بل أصبح تعبيراً عن أزمة عميقة تهدد بقاء الدولة العبرية بشكلها الحالي. إن معادلة القوة اليوم لم تعد تحكمها الدبابات وحدها، بل الشارع الإسرائيلي الغاضب، والاقتصاد المنهك، والعزلة الدولية المتنامية. وهذه العناصر مجتمعة تفتح نافذة حقيقية لوقف الحرب، وإنهاء الإبادة، والتأسيس لمرحلة سياسية جديدة في المنطقة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب