نُبُوءَةٌ مُمْكِنَة

نُبُوءَةٌ مُمْكِنَة
(إلى خيرات الزين) كلما اقترب خريفٌ من شرفات العمر، زيّنتْ ألوانُكِ مدينةً تلسعها سياطُ القلق.

(إلى خيرات الزين)
كلما اقترب خريفٌ من شرفات العمر،
زيّنتْ ألوانُكِ مدينةً تلسعها سياطُ القلق.
وحين تنحتين من طين الأيام شمسًا أليفةً
أو تمسحين الغبش عن مرايا الآخرين
يصير المحو عندكِ مولدَ خلقٍ جديد.
ما كانت الوجوه إلا ظلالًا عابرةً
على أرصفةٍ غارقة في الوحشة،
فجئتِ كنبوءةٍ ممكنةٍ
من رحم ترابٍ يخضّرُ تحت أعين السماء
أو كسدرةٍ تولد من صمت الجبال.
تحملين الأزمنة مثل قابضٍ على جمر اللقاء
كي ينبجس الماء من صخر الأعمار ينابيعَ وَحْي في نهر المعنى
وبيدين من خضرةٍ وارفة
تكسرين أغلال الوحدة،
تمحين المسافة بين كل نقيضين
لتولد مجددًا مدينة تدعى:
بيروت اللقاء!
ترسمين الفراغ بلمسةٍ،
وبكفِّكِ اليسرى تحملين محبرة الريح،
تلقّنين الغرباء مغزى الكلام:
كيف تكون القصيدةُ مأوى،
والكلمةُ رغيفًا لعابري السبيل،
واللونُ بساطًا أحمديًا لمن أنهكه السأم؟
كل يومٍ،
تفتحين باب الصباح على حديقةٍ
يرتشف منها الرواد رحيقًا،
ويعلَق عطرُ البنّ بأطرافِ قصيدةٍ
يتلوها شاعرٌ على مائدة الحديث،
ويعبُّ الظمآن من نهرك الجاري
لا ماءً فحسب،
بل زمزم نبعٍ عميق.
تلقّحين الوقت بمصل المودة،
تحرثين تراب الباحثين عن بذرةِ ضوءٍ،
لأنكِ تعلمين أن ضحكات القلب الخافتة
رسائل سرية من عالم الراقدين إلى عالم الأحياء؟
كطائر الفينيق حين ينهض من لهيبه
جاعلاً الحريقَ موقدَ أغنيات،
على يديك القابلتين تولد عاصمة من رحم الرماد،
ومن خيطان الندى تنسجين
ثوباً لمدينةٍ عارية
ثم تلونين المدى بضحكةٍ
ليبقى طعم القهوة في كتب الأصدقاء
شيفرة خلودٍ مؤجل.
ما ضاع عطاء يوماً
فالنخلة التي تنحني لتروي العطاشى
لا تسقط،
بل تُنبِت في السماء جذوراً
تحمل العالم في سَنامها!
اسمكِ ليس لقبًا أو شهادة ميلاد،
بل هو الفعل الذي أبدعتِهِ،
بئر تتفجر في صحراء اليأس،
غيمة تملأ كؤوس الغرباء بنبيذ الكلام
وجنوبٌ يتّسع لكلِّ الجهات.
اسمكِ بذرة عتيقة تعلّمت بين يديك
كيف تزهر في قحط الزمان،
وكيف تصير مطراً
يروي شفاه الحروف الظمأى.
اسمكِ خيرات لا تحصى:
قهوة تكسر زجاج الصمت،
ملاذ يمنح الظلال أجنحة،
عطر يولد من كلمة
لينعش مدينة نائمة في قاع الكأس.
واسمكِ باب لا يُوصد،
صدقةٌ جارية،
ونهر المعنى الذي يحمل اسم بيروت الخالدة.