إسرائيل تفقد توازنها وتحاصر نفسها: عزلة في الخارج وتطرف في الداخل -بقلم الكاتب : مروان سلطان-فلسطين
بقلم الكاتب : مروان سلطان-فلسطين

إسرائيل تفقد توازنها وتحاصر نفسها: عزلة في الخارج وتطرف في الداخل
بقلم الكاتب : مروان سلطان-فلسطين
20.8.2025
———————————————
قد أصبح واضحًا أن نتنياهو وحكومته اليمينية المتشددة ينقلون إسرائيل بسياساتهم العدوانية إلى مزيد من العزلة الدولية والمواجهة مع العالم، بسبب أحلام التوسع وإشعال الحروب في المنطقة. فهي تشعر بالقوة والغطرسة بفعل الدعم الأميركي اللامتناهي، وقد وصلت في عربدتها إلى أقصى الشرق على بعد ألفي كيلومتر أو يزيد لتشعل حربا مع إيران. كما أخذت تجاهر بحلمها في دولة إسرائيل الكبرى التي تمتد بين النيل والفرات، وتعمل على فرض هيمنتها.
وعندما وقفت الأمم المتحدة وأمينها العام في وجهها، بعد قرار الأمين العام أنطونيو غوتيريش إدراجها على “قائمة العار” الأممية المتعلقة بعدم احترام حقوق الأطفال في النزاعات، رد سفيرها في الأمم المتحدة جلعاد أردان قائلاً إن* “الشخص الذي يجب ان يدرج على القائمة السوداء هو الأمين العام، الذي يشجع الإرهاب وقراراته مدفوعة بالكراهية لإسرائيل. يجب أن يخجل”.
ثم شنّت الحكومة الإسرائيلية، مدعومة بشدة من البيت الأبيض، هجومًا على المحكمة الجنائية الدولية بسبب قرارات الاعتقال بحق رئيس الوزراء نتنياهو ووزير الدفاع السابق يوآف غالنت. كما هاجمت بشدة توجه عدد من الدول الأوروبية المتنفذة للاعتراف بالدولة الفلسطينية، متهمة إياها بمكافأة الإرهاب، أو بمعاداة السامية، أو بخيانة اليهود. لكن ردود الفعل الأوروبية هذه المرة جاءت قوية وعلى غير المعتاد، إذ لم تعد تهمة “معاداة السامية” تخيف القادة الأوروبيين كما في السابق.
وفي رد أستراليا على اتهامات نتنياهو، قال وزير داخليتها إنّ “القوة لا تُقاس بعدد الأشخاص الذين يمكنكم تفجيرهم أو بعدد الأطفال الذين تتركونهم يتضوّرون جوعًا”. أما الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون فقد أكد أن فرنسا لا تحتاج إلى دروس في محاربة معاداة السامية.
اليوم، لا يقود نتنياهو إسرائيل نحو عزلة دولية فحسب، بل أيضًا نحو تطرف بنيوي يجعل أي مخرج سياسي مستقبلي أكثر صعوبة. وهذه المعادلة خطيرة، لأنها تضع إسرائيل في مواجهة مفتوحة مع الرأي العام العالمي، ومع جيل جديد من القيادات الدولية لم يعد يخشى انتقادها. فقد نشر مؤخرًا الدكتور تومر برسيكو، وهو بروفيسور في علوم اليهودية وإسرائيل ويعرّف نفسه بأنه* “صهيوني ليبرالي”، منشورًا صادم للاسرائليين على فيسبوك وصف فيه إسرائيل بأنها دولة “مجنونة” في نظر العالم، يقودها “متعصبون بلا حدود أو منطق”. وهذا الخطاب بدأ يتعاظم ويتسع في أوساط الجمهور الإسرائيلي.
لقد بات واضحًا أن نتنياهو وحكومته يقودون إسرائيل نحو مسار مزدوج من العزلة والتطرف. فبدل أن تبحث تل أبيب عن نافذة للحل السياسي، فإنها تغلق الأبواب أمام المجتمع الدولي بخطاب مليء بالاتهامات والإنكار. ومع كل اعتراف جديد بدولة فلسطين، يزداد الشرخ بين إسرائيل وحلفائها التقليديين، فيما يزداد نفوذ التيارات الدينية المتشددة داخل مؤسساتها. إنها عزلة لا تعكس فقط مأزقًا دبلوماسيًا، بل تكشف هشاشة مشروع الاحتلال نفسه، وتضع إسرائيل أمام لحظة تاريخية قد تتحول فيها من “الدولة المدللة” في الغرب، إلى كيان يواجه غضب الرأي العام العالمي وإصرار الشعوب على إنهاء الاحتلال.
*”لقد حاول مؤسسو دولة إسرائيل إقناع العالم بأنها تمثل ركيزة تاريخية وأخلاقية، نرى اليوم انهيارها وفقدان هذه النظرية بريقها. ومن هنا، نشر الكاتب السياسي والإعلامي أفرايم غانور مقالًا في صحيفة معاريف قال فيه إن “دولة إسرائيل تفقد طريقها، سواء عقلها أو فكرتها الصهيونية التأسيسية”. وهو من المطالبين بإسقاط نتنياهو وحكومته قبل فوات الأوان، لأنها – على حد وصفه – لا تتورع عن فعل أي شيء من أجل بقائها، حتى عندما يجري انقلاب سلطوي هدام أمام أعينها؛ حيث يصبح رؤساء الأركان “خرقا بالية” في نظر من لم يرتدوا يومًا بزات عسكرية، وتتحول الشرطة إلى مليشيا، فيما يتم التسويغ للتهرب من الخدمة العسكرية، والمس بالقضاء وبالاقتصاد والتعليم والطب والأمن الشخصي، وكل ذلك يُستقبل من قطاعات واسعة من الجمهور الإسرائيلي بلامبالاة.
*
أما سفير إسرائيل في الدنمارك باروخ بينا فأشار في مقالة نشرها في موقع “زمان إسرائيل” إلى أنه “إذا أرادت إسرائيل الترويج لفكرة أن صاحب البيت قد جنّ، فقد نجحت”، محذرًا من أن أصدقاء تاريخيين مثل بريطانيا وألمانيا باتوا يرغبون في وضع إسرائيل في فوضى عارمة. وأضاف أن الاجتماع المقبل للجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر قد يطلق موجة عقوبات دولية ستمتد إلى هيئات عديدة خارج الأمم المتحدة، وقد تؤدي إلى طرد إسرائيل من الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) ومسابقات “يوروفيجن” وغيرها من الهيئات والمؤسسات الدولية، فضلًا عن الثمن الذي يدفعه المجتمع العلمي الإسرائيلي.
كما تحدّث المؤلف والملحن *يعقوب جلعاد عن الظلم الواقع على الفلسطينيين، وشبّهه بـ”هولوكوست”، ليتعرض بعد ذلك لهجوم شرس دفع ثمنه بسبب دفاعه عن الفلسطينيين. في حين ألّف يعقوب شاريت، وهو ابن موشيه شاريت، كتابًا قبل نحو عشرين عامًا نعى فيه* “دولة هرتزل”، وقال إنها انتهت، مؤكّدًا معارضته للهجرة إلى إسرائيل، ومحذرًا من أيام قاتمة تنتظرها. وقد أصبح اليوم واحدًا من أشد أنصار فلسطين في العالم، وألد أعداء الصهيونية.”
إن ما يجري في إسرائيل اليوم ليس مجرد أزمة سياسية أو صراع حكومي، بل تحوّل هيكلي يضع الدولة الاسرائيلية أمام مأزق مزدوج: عزلة دولية متزايدة، وتطرف داخلي يعيق أي سبيل لحل سياسي أو سلام مستقبلي. كل خطوة عدوانية، وكل خطاب متشنج، يزيد التطرف والعنف والشرخ مع المجتمع الدولي ويقوّي النفوذ المتطرف داخليًا، ما يجعل أي مخرج سياسي أكثر صعوبة من أي وقت مضى. إسرائيل، التي كانت تُعدّ الركيزة المدللة في الغرب، تواجه اليوم اختبارًا صارخًا: هل ستستمر في إغلاق الأبواب أمام الحوار والمسؤولية الدولية، أم ستجد طريقًا لإعادة التوازن قبل أن يتحول المأزق إلى أزمة لا رجعة فيها.
* مقتبس