ثقافة وفنون

المغرب: رغم أزمة المكتبات ودور النشر… الكتاب الورقي لم ولن يندثر

المغرب: رغم أزمة المكتبات ودور النشر… الكتاب الورقي لم ولن يندثر

عبد العزيز بنعبو

الرباط ـ   واقع المكتبات اليوم لا يسرُّ مطلقا، مقارنة مع فترات سابقة، حين كان الإقبال والطوابير الطويلة، مشهدا مألوفا لاقتناء مؤلَّف جديد، أو حتى للبحث عن كنوز الإصدارات القديمة التي كان لها جمهورها الخاص.
اليوم يرتبط شريان الحياة لدى عدد كبير من المكتبات بذروة الموسم الدراسي، وتحديدا في بداياته، حيث يكون الإقبال كثيفا على المقررات الدراسية بصنفيها العمومي والخصوصي. لكن، بخلاف هذه الفترة، تمضي بقية السنة عادية في حياة الكتبي، الذي ينشغل بإزالة غبار النسيان عن كتبه.
شركاء صناعة الكتاب، يتوزعون بين الكاتب والمطبعة والناشر، وأخيرا المكتبة. أما القارئ المفترض فهو جزء من سلسلة مفقود بعض حلقاتها. ويرى بعض النقاد أن «بلية القراءة» لم تكن يوما عادة مغربية أو عربية، وبالتالي فإن القول بتراجع نسبة القراءة ليس إلا ادعاء بلا أساس. بينما يسترجع عشاق الزمن الجميل لحظاتهم الحميمية مع الكتاب، ويتذكرون ظاهرة «تأميم» الكتب، أي استعارتها دون علم صاحب المكتبة، وقد تُعاد أو لا تُعاد، معتبرين ذلك دليلا على شغف الجميع بالقراءة. لكن الحقيقة أن من يعيش في عرس لا يتجاوز عدد ضيوفه المئة، قد يظن أن العالم بأسره يحتفل معه.
من أبرز الأسئلة المطروحة: متى كانت وزارة الثقافة تدعم الكتاب وقطاع النشر؟ الجواب الذي يتبادر إلى أذهان كثيرين هو أن الدعم بدأ حين ضاقت السوق على الكتاب، وأصبحت طباعته ونشره وترويجه محنة أمام خصم عنيد ومنافس قوي اسمه «الإنترنت». ومع اشتداد الأزمة على قطاع الطبع والنشر، انخرط الفاعلون في تبادل الاتهامات؛ فالناشر يتهم المكتبات بطلب نسب كبيرة، وصاحب المكتبة يشتكي من قلة تزويده بالإصدارات، التي تلبي حاجة القارئ، فيما يظل الكاتب في برجه يعاني العزلة ويُراقب الغبار يتراكم على مؤلفاته. أما القارئ، فيرى أن المكتبات ودور النشر والمطابع تهتم بالربح أكثر من اهتمامها بالقيمة الأدبية والفكرية، لذا فهي تتهافت على صفقات المقررات الدراسية، وتتحول إلى أسواق لبيع الكتب واللوازم المدرسية، بل حتى «الطابلية» (سترة الطالب الإلزامية لدخول المدرسة).
وفي رده على هذه الانتقادات، قال الحسن معتصم رئيس «رابطة الكتبيين في المغرب»، لـ»القدس العربي»، إن «الجانب التجاري جزء أساسي من استمرارية أي مكتبة، وعندما نتحدث عن مكتبة تجارية فهذا أمر طبيعي، لكنه لا يعني غياب الهمّ الثقافي. فكم من مكتبة نجحت في تحقيق توازن بين متطلبات السوق وواجبها الثقافي». وأكد أن استمرار هذا الدور يتطلب دعما حقيقيا من الجهات الوصية، وعلى رأسها وزارة الثقافة، التي يُفترض أن تولي اهتماما خاصا بالمكتبات الثقافية المهددة بالاندثار في ظل غياب التحفيز. ويرى معتصم أن الخلاف بين الناشرين والمكتبات سببه اختلال الثقة، أو توجه بعض دور النشر نحو البيع المباشر للقارئ والمؤسسات، وهو أمر «غير مقبول»، داعيا إلى «احترام سلسلة توزيع الكتاب من الناشر إلى الموزع ثم الكتبي»، محذرا من أن تجاوز هذه السلسلة يُضعف القطاع ويُشجع القرصنة. ويؤكد معتصم ضرورة إعادة ترتيب العلاقة بين الفاعلين على أساس الشفافية والتعاون، وتشجيع المكتبات النظامية باعتبارها شريكا أساسيا، عوض ترك المجال مفتوحا أمام الباعة العشوائيين، المنتشرين حتى أمام أبواب المدارس وفي قلب المدن.
أما عن مصير الكتاب الورقي، فقد شدد معتصم على أنه «لم ولن يندثر»، موضحا أن «فئات واسعة من القراء ما زالت تجد فيه متعة لا توفرها الشاشات»، مستشهدا بالإقبال الذي شهده المعرض الدولي للكتاب. لكنه أقر بأن استمرار حضور الكتاب الورقي مسؤولية مشتركة، تتطلب تطوير آليات التوزيع، وتحفيز القراءة، وخلق فضاءات تحتضن هذا النوع من الكتب كرافد أساسي للبناء الثقافي. وفي رده عن سؤال حول موقع الكتاب الورقي في ظل هيمنة الإنترنت، قال: «نلمس عودة متجددة للكتاب الورقي بين فئات شابة تبحث عن العمق وسط ضجيج الرقمنة». لكنه أضاف أن هذه العودة تحتاج إلى «احتضان ودعم حقيقيين»، مشيرا إلى أن دور النشر مطالَبة بتسهيل الوصول إلى الكتاب، ووزارة الثقافة معنية بوضع سياسات واضحة لدعم المكتبات وتنظيم معارض جهوية وإقليمية بمستوى يليق بتشجيع المطالعة، مع إشراك جميع الفاعلين في معركة لا تخص الورقي ضد الرقمي، بل بقاء القراءة في صلب الحياة اليومية للمجتمع.

«القدس العربي» :

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب