سوريا: قلق أممي من استئناف العنف في السويداء

سوريا: قلق أممي من استئناف العنف في السويداء
منهل باريش
الاشتباكات في السويداء وما سبقها في الساحل تشير إلى حجم الانقسامات والتحديات التي يعاني منها المجتمع السوري وإلى هشاشة عملية الانتقال السياسي.
قال مبعوث الأمم المتحدة إلى سوريا، غير بيدرسون، الخميس الماضي، إن اتفاق وقف إطلاق النار في السويداء في 19 تموز (يوليو) من الشهر الفائت «صمد إلى حد كبير». ولفت خلال إحاطة عبر الفيديو قدمها لمجلس الأمن، إلى أن «انتقال سوريا لا يزال على حافة الهاوية، وأن العنف قد يستأنف في أي لحظة في مدينة السويداء التي شهدت اشتباكات دموية الشهر الماضي»، مضيفاً «ما زلنا نرى أعمالاً عدائية ومناوشات خطيرة على هوامش السويداء، وقد يستأنف العنف في أي لحظة».
ودعا المبعوث الأممي إلى إصلاحات كبيرة في قطاع الأمن، بالإضافة إلى نزع سلاح كافة القوات غير الحكومية وإعادة دمجها في المؤسسات العسكرية والأمنية الرسمية. وفي هذا السياق، قال بيدرسون: «هناك حاجة ملحة لقوات الأمن التابعة للحكومة الانتقالية، بقيادة أحمد الشرع الرئيس المؤقت، لإثبات أنها تعمل على حماية كافة السوريين»، محذراً من أخطار إهدار الدعم الدولي إلى سوريا، أو «توجيهه بشكل خاطئ» من دون تحقيق انتقال سياسي حقيقي يمهد الطريق للاستقرار على المدى الطويل.
بدوره، قال توم فيلتشر، مسؤول الشؤون الإنسانية في الأمم المتحدة، إن الوضع في سوريا «مأساوي»، مؤكداً الحاجة إلى المال لتوفير الغذاء والخدمات والمساعدات الأخرى.
ولفت فيلتشر إلى أن نداء الأمم المتحدة للمساعدات الإنسانية للعام الجاري، وقيمته 3.19 مليار دولار أمريكي، لم يمول سوى بنسبة 14 في المئة، محذراً من أن نحو 16 مليون شخص في جميع أنحاء سوريا بحاجة إلى الدعم الإنساني.
بموازاة ذلك، دق خبراء الأمم المتحدة، الخميس ناقوس الخطر إزاء موجة العنف والهجمات المسلحة على المجتمعات الدرزية في السويداء، والتي بدأت في 13 تموز (يوليو)، والتي شملت تقارير عن «عمليات قتل واختفاء قسري ونهب وخطف وتدمير ممتلكات»، بالإضافة إلى ما وصفه الخبراء بـ«عنف جنسي وجندري ضد النساء والفتيات».
وأعربوا عن بالغ قلقهم إزاء الهجمات المبلغ عنها التي تستهدف الأقلية الدرزية على أساس ديانتهم، بما في ذلك «حلق شوارب المتدينين الرجال قسراً، والخطاب التحريضي على وسائل التواصل الاجتماعي الذي يصور الدروز ككفار وخونة يجب قتلهم، والدعوات لخطف النساء الدرزيات واستعبادهن».
وأشار خبراء الأمم المتحدة إلى تقارير تفيد باختطاف ما لا يقل عن 105 فتاة وامرأة من طائفة الموحدين الدروز على يد جماعات مسلحة تابعة للسلطة السورية المؤقتة، وأن 80 منهن لا يزلن في عداد المفقودات. وتابع الخبراء أن بعض النساء ممن أطلق سراحهن لا يستطعن العودة إلى منازلهن بسبب «مخاوف أمنية».وحصلت «القدس العربي» على معلومات خاصة تفيد بإطلاق سراح خمس سيدات ورجل وطفلين، جميعهم من عائلة نصر، الجمعة. وقال مصدر محلي من درعا إن أحد أفراد العائلة أخذ رهينة من قبل إحدى العشائر حتى إطلاق سراح أحد أبنائها من قبل الفصائل المحلية في السويداء.
خبراء الأمم المتحدة قالوا إن الانتهاكات المبلغ عنها تكشف عن «فشل منهجي في حماية الأقليات، والتصدي للعنف القائم على النوع الاجتماعي في ظل غياب تحقيقات شاملة ومستقلة ومحايدة بشأن الإعدامات خارج نطاق القضاء»، كما أشاروا إلى أن القوات التابعة للسلطة السورية المؤقتة «ساعدت في تنفيذ الهجمات، وعززت مناخ الإفلات من العقاب، وأسكتت عائلات الضحايا وأعاقت الجهود الرامية إلى معرفة مصير المختفين».
الجدير بالذكر أن الاشتباكات في السويداء وما تضمنته من عنف وانتهاكات مرتكبة من كافة أطراف النزاع، وما سبقها أيضاً في نفس السياق من هجمات واشتباكات في الساحل السوري في آذار (مارس) الماضي، تشير إلى حجم الانقسامات والتحديات التي يعاني منها المجتمع السوري عقب سقوط نظام الأسد نهاية العام الماضي، كما تشير إلى هشاشة الانتقال السياسي الحقيقي الممهد للاستقرار والأمن المستدامين على المدى الطويل.
واندلعت اشتباكات في السويداء في 13 من الشهر الماضي على خلفية خلافات بين المجتمعات البدوية والدرزية في السويداء، ما لبثت أن تدخلت فيها القوات الحكومية بهدف بسط الأمن في المنطقة والسيطرة على المدينة، إلا أن القصف الإسرائيلي على قوات السلطة الانتقالية من جهة، وصمود الميليشيات الدرزية من جهة أخرى، دفعا بانسحاب القوات الحكومية، وتوقيع اتفاق وقف إطلاق النار في 19 من ذات الشهر.
وفي السياق، قالت منصة «الراصد» المحلية التي تغطي أخبار محافظة السويداء، إن سبعة من الناشطين العاملين في مجال الإغاثة أفرج عنهم الأربعاء الماضي، بعد عشرة أيام على اختطافهم من قبل مجموعة مسلحة في محافظة درعا. وحسب مصادر محلية، فقد تم اختطاف النشطاء في الحادي عشر من الشهر الجاري أثناء مرافقتهم لقافلة إغاثية متوجهة إلى السويداء بالقرب من حاجز لـ«الأمن العام» التابع لوزارة الداخلية، على الحدود الإدارية بين محافظتي درعا والسويداء. وظهر المختطفون في مقاطع فيديو مصورة من قبل المجموعة المسلحة التي قالت إن النشطاء في ضيافتهم حتى إطلاق سراح أقاربهم المختطفين على يد ميليشيا درزية في السويداء. وأشارت منصة «الراصد» إلى أن المختطفين المفرج عنهم هم عابد أبو فخر، فداء عزام، سمير بركات، يامن الصحناوي، رضوان الصحناوي، وناشطين آخرين من دمشق، توجهوا إلى مدينة جرمانا بريف دمشق.
وحول دخول المساعدات الإنسانية إلى السويداء، صرح رئيس فرع الأمن الداخلي في محافظة السويداء العميد أحمد الدالاتي بأن تجار السويداء تعرضوا لضغوط لوقف التعامل مع موردي المواد الغذائية من خارج المحافظة، ولفت إلى إدخال أكثر من ألف طن من المواد الغذائية إلى السويداء بتاريخ 17 آب (أغسطس) بالتنسيق مع غرفة التجارة في السويداء، مضيفاً أن تجار السويداء اعتذروا عن متابعة التوريد بعد «تعرضهم لتهديدات من أطراف داخلية».
وأعرب العميد عن جهوزية قوى الأمن الداخلي لتأمين خط تجاري آمن ومستقر لإدخال المواد الغذائية إلى السويداء، ونوه بتوفر الطرق المؤمنة لضمان استمرار وصول المواد الأساسية لجميع المواطنين في السويداء.
في المقابل، ردت غرفة التجارة والصناعة في السويداء، مساء الجمعة، على تصريحات الدالاتي المتعلقة بإدخال المواد الغذائية إلى المحافظة، رافضة ما وصفته بـ«التلفيقات التي تروج لها دمشق».
ونفى المسؤولون في الغرفة أي تنسيق أو تواصل مع حكومة دمشق منذ انطلاق «الحرب البربرية» التي تشنها على أهل السويداء، معتبرين تصريحات الدالاتي محاولة لـ«التغطية على سياسة الحصار». واستنكرت الغرفة «الادعاءات المضللة» لوزارة الداخلية، واصفة إياها «أداة لتلميع صورة الجهات الرسمية على حساب معاناة الأهالي». وأكدت أن السويداء تظل تحت «حصار خانق يمنع تدفق السلع الأساسية»، ودعت إلى إنهائه فوراً وتأمين وصول المستلزمات بدون قيود.
في سياق منفصل، نفى مصدر حكومي سوري، الأربعاء، وجود أي ممر إنساني عبر الحدود، مؤكداً أن المساعدات الإنسانية تقدم حصرياً بالتنسيق مع مؤسسات الدولة في دمشق، لضمان وصولها بأمان وتنظيم إلى جميع المستحقين، بمن فيهم أهالي السويداء. وأوضح المصدر لوكالة «سانا» أن الحكومة منحت المنظمات الأممية التسهيلات اللازمة، فيما تواصل القوافل الإغاثية السورية عملها بانتظام، مؤكدة التزام دمشق بتأمين الاحتياجات الإنسانية مع شركائها الدوليين. جاء ذلك رداً على تقارير تحدثت عن تنسيق مع إسرائيل لفتح ممر إنساني من الجولان المحتل والحدود الأردنية إلى السويداء، خلال لقاء في باريس.
وفي جلسة مجلس الأمن الدولي المنعقدة في 20 آب (أغسطس)، عارضت الصين مشروع قرار أمريكي يقضي بتعديل العقوبات المفروضة على سوريا، يشمل رفع أسماء من القائمة السوداء، أبرزهم الرئيس الانتقالي أحمد الشرع ووزير داخليته أنس خطاب، إلى جانب هيئة «تحرير الشام».
السفير الصيني فو كونغ اعتبر أن الوقت «غير مناسب سياسياً وأمنياً»، محذراً من أن رفع العقوبات الآن قد يفتح ثغرات خطيرة تُستغل من قبل الجماعات الجهادية لإعادة التموضع في شمال البلاد. وأكد أن «السماح لكيانات لها تاريخ من العنف بالتحرك دون قيود يعرض الاستقرار الإقليمي للخطر».
كما دعا فو إلى تحقيقات مستقلة في الانتهاكات الأخيرة، مشدداً على أن أي خطوة لتخفيف العقوبات يجب أن تستند إلى نتائج واضحة وموثوقة، لا إلى حسابات سياسية.
الصين لم تكن وحدها المتحفظة، لكنها كانت الأوضح في خطابها، ما أعاق تمرير المسودة الأمريكية، وفتح الباب مجدداً أمام خلافات داخل المجلس بشأن مستقبل العقوبات وأولويات المرحلة الانتقالية في سوريا.