تحقيقات وتقارير

ليبيا: خريطة طريق جديدة لكسر الجمود السياسي وسط تحديات ومخاوف أمنية

ليبيا: خريطة طريق جديدة لكسر الجمود السياسي وسط تحديات ومخاوف أمنية

نسرين سليمان

أعربت المبعوثة الأممية تيتيه عن قلقها إزاء التوترات المتواصلة في العاصمة طرابلس بين حكومة الوحدة المؤقتة وجهاز الردع، داعية الطرفين إلى الحوار وتجنب الاستفزازات.

طرابلس ـ : في محاولة جديدة لكسر الجمود السياسي الذي يُخيّم على البلاد منذ سنوات، وبعد ترقب طويل على الصعيد المحلي في ليبيا، أعلنت المبعوثة الأممية هانا تيتيه أخيرا عن خريطة طريق جديدة تمهد للانتخابات التي لم تستطع الوصول لها منذ سنوات وذلك من خلال حكومة جديدة تهدف إلى إنهاء المراحل الانتقالية المتكررة، وتوحيد المؤسسات، وتهيئة البلاد لإجراء انتخابات رئاسية وتشريعية شاملة خلال فترة تتراوح بين 12 و18 شهراً.
وعرضت تيتيه ملامح الخريطة والتي تقوم على ثلاث مراحل أساسية: أولاً، إعادة تشكيل مجلس إدارة المفوضية العليا للانتخابات لضمان استقلالها المالي والإداري، وإدخال تعديلات محدودة على القوانين الانتخابية بما يعالج العقبات التي أعاقت انتخابات 2021، ثانياً، تشكيل حكومة موحدة تتولى إدارة البلاد وتهيئة الظروف الملائمة للانتخابات، ثالثاً، إطلاق حوار مهيكل واسع يشمل مختلف القوى السياسية والاجتماعية والأمنية، إضافة إلى النساء والشباب وذوي الاحتياجات الخاصة، لمناقشة قضايا الحكم والإصلاح الاقتصادي والأمني والمصالحة الوطنية.
ونوهت بأن هذه المراحل ستسير بشكل متسلسل بحيث تمهد كل خطوة للتي تليها، على أن يتم إنجاز المرحلة التمهيدية خلال شهرين إذا توفرت الإرادة السياسية.
وشددت على أن أي محاولة لتعطيل هذه المسارات ستواجه بتدابير صارمة، مضيفة أن البعثة ستلجأ إلى مجلس الأمن لاتخاذ إجراءات رادعة بحق المعرقلين. وقالت تيته، إن استمرار الوضع الحالي يخدم فقط «أطراف الوضع القائم» الساعية للإبقاء على الانقسام، مؤكدة أن التوافق الدولي على خريطة الطريق يمثل ضمانة أساسية لنجاحها.
وفيما يتعلق بالوضع الأمني، أعربت المبعوثة عن قلقها إزاء التوترات المتواصلة في العاصمة طرابلس بين حكومة الوحدة المؤقتة وجهاز الردع، داعية الطرفين إلى الحوار وتجنب الاستفزازات. وأشادت بجهود لجان الترتيبات الأمنية في الحفاظ على الهدنة، لكنها حذرت من أن استمرار الانقسام الأمني يهدد مسار العملية السياسية برمتها.
وفي ردود الفعل المحلية على الخريطة رحب رئيس مجلس النواب عقيلة صالح بإحاطة تيتيه ودعا إلى تشكيل حكومة موحدة خلال شهرين، مؤكدا على شرعية حكومة حماد باعتبارها الحكومة الشرعية في البلاد.
من جانبه، اعتبر رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة أن القوانين الانتخابية هي العائق الرئيسي الذي أوقف الانتخابات منذ 2021.
ورحب الدبيبة بجعل تعديل القوانين الانتخابية أولوية أساسية في خريطة الطريق، مؤكدا موقف حكومته بالذهاب مباشرة للانتخابات على أساس قوانين قابلة للتنفيذ.
في السياق ذاته، رحبت الحكومة المكلفة من البرلمان بخريطة الطريق الأممية، واعتبرت تشكيل سلطة تنفيذية موحدة أمرًا ضروريًا لتوحيد مؤسسات الدولة وتحقيق الاستقرار.
ورحب المجلس الأعلى للدولة في ليبيا، في بيان رسمي، بالإحاطة التي قدمتها المبعوثة الأممية أمام مجلس الأمن، معلنا عن استعداده الكامل للتعاون البنّاء مع بعثة الأمم المتحدة وكافة الأطراف الوطنية، لتهيئة المناخ المناسب لانتخابات حرة ونزيهة، ومعالجة التحديات الأمنية والاقتصادية التي تواجه المواطنين.
وعلى نقيض بيانات الترحيب وجهت تنسيقية الأحزاب الليبية انتقادات إلى الكلمة التي ألقتها المبعوثة الأممية هانا تيتيه أمام مجلس الأمن الخميس، معتبرة أنها تكرار لسياسات المماطلة وإضاعة الوقت على حساب الليبيين ومعاناتهم.
وأضاف البيان أن الإحاطة ضمت خريطة طريق لا تختلف عن سابقاتها، خريطة تُطيل الأزمة بدل أن تُنهيها، وتُرضي سلطات الأمر الواقع التي تحولت إلى أجسام عاجزة على حساب الشعب الصابر عليها لأكثر من عقد، بدلا من أن تستجيب لصوت الشعب وتطلعاته.
بدوره أكد عبد السلام نصية، عضو مجلس النواب، أن خريطة الطريق التي قدمتها المبعوثة الخاصة للأمم المتحدة حنّا تيته أمام مجلس الأمن، تمثل خطوات مهمة نظريًا لكنها تبقى «رهينة الإرادة السياسية المحلية».
وقال نصية إن جوهر الأزمة الليبية ليس قانونيًا فقط، بل هو أمني وسياسي، مشيرًا إلى أن انتشار السلاح خارج سلطة الدولة، والانقسام المؤسساتي، وتراجع الثقة بين الأطراف تجعل أي ترتيبات قانونية أو انتخابية «مجرد نصوص معطلة» إذا لم تواكبها خطوات عملية على الأرض.
من جهتها أصدرت كتلة التوافق الوطني بالمجلس الأعلى للدولة بيانا شددت فيه دعمها الكامل لخريطة الطريق الأممية، واصفة إياها بالمسار الواقعي والضروري لاستكمال الاستحقاقات الدستورية والانتخابية وإنهاء المراحل الانتقالية المتكررة التي عانى منها الشعب الليبي لسنوات.
ودعت الكتلة مجلسي النواب والدولة إلى تحمّل مسؤولياتهما الوطنية والتاريخية، عبر الإسراع في تشكيل حكومة موحدة جديدة تكون قادرة على تهيئة المناخين السياسي والأمني المناسبين لإجراء انتخابات نزيهة وشاملة، تعيد الشرعية للمؤسسات.
ويرى مراقبون أن الحل المستدام يتطلب حكومة انتقالية بولاية محددة وصلاحيات واضحة، تعمل على توحيد المؤسسات وضبط الترتيبات الأمنية، مع التوصل إلى توافق وطني حول القضايا الكبرى مثل منصب رئيس الدولة، السلاح، إدارة الثروات، والحكم المحلي، مشيرين إلى أن الانتخابات ستظل مؤجلة بدون هذا التوافق.
ويحذر مراقبون من استمرار الوضع الراهن كونه يحمل مخاطر جسيمة، من بينها اتساع الانقسام المؤسسي وتصاعد التدخلات الخارجية واستنزاف الموارد الوطنية، مؤكدين أن خريطة الطريق الأممية تحتاج إلى مقاربة أكثر شمولية توازن بين البعد القانوني والسياسي والأمني على الأرض.
وفي السياق شدد الحزب الديمقراطي الحزب على أهمية الحوار المهيكل الذي تضمنته خريطة الطريق باعتباره مدخلاً للتوافق حول الملفات الوطنية الكبرى بمشاركة أوسع وأشمل، معتبراً الإعلان عنها خطوة ملحّة لتجاوز الانقسام وتعطيل المسار السياسي واستشراء الفساد.
ودعا الحزب الديمقراطي الأطراف السياسية، وفي مقدمتها مجلسا النواب والأعلى للدولة، إلى تحمل مسؤولياتهم الوطنية والعمل بجدية لإنجاح المبادرة الأممية، كما حثّ المجتمع الدولي والدول المعنية بالملف الليبي على دعم البعثة الأممية وتمكينها من تيسير وساطتها وفق خريطة الطريق المعلنة.
وبعد وقت قليل من وقت تقديم الممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة، هانا تيتيه، إحاطتها هذه أمام مجلس الأمن أعلنت وزارة الداخلية بحكومة الوحدة الوطنية إحباط محاولة استهداف مقر بعثة الأمم المتحدة في ليبيا بواسطة صاروخ من نوع SPG، بعد أن أُطلق الصاروخ وأصاب منزلاً في مدينة جنزور بدون وقوع أضرار بشرية أو مادية في مقر البعثة. وقالت الوزارة في بيان لها، إن العملية جرت بفضل يقظة عناصر الشرطة والأمن، حيث تم ضبط مركبة نوع «تويوتا كامري» موديل 2003 تحتوي على صاروخين إضافيين وقاعدة إطلاق، وفق قولها.
وأشارت الوزارة إلى أن التحقيقات مستمرة لتحديد هوية المتهمين وضبطهم وتقديمهم للعدالة، مشددة على التزامها بحماية مقار البعثات والسفارات وتأمين الأمن والاستقرار في البلاد.
من جانبها، دانت حكومة الوحدة الوطنية بأشد العبارات «المحاولة الفاشلة» لاستهداف مقر البعثة، مؤكدة أن المحاولة تهدف إلى تقويض الأمن والاستقرار في ليبيا والإضرار بعلاقاتها مع المجتمع الدولي.
وأشادت الحكومة بتنسيق وزارة الداخلية وجهودها في التصدي للهجوم، مؤكدة استمرار ملاحقة الجناة ومن يقف خلفهم وتقديمهم للعدالة.
بدورها، نفت بعثة الأمم المتحدة في ليبيا تأثر مقرها بالحادث، معربة عن تقديرها ليقظة السلطات الأمنية في طرابلس وسرعة استجابتها، وداعية إلى إجراء تحقيق شامل لضمان أمن مقار الأمم المتحدة واستمرارية عملها.

«القدس العربي»

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب