تحقيقات وتقارير

هل يُنذر الانسحاب الأمريكي من العراق بحرب شاملة على «الحشد» والفصائل؟

هل يُنذر الانسحاب الأمريكي من العراق بحرب شاملة على «الحشد» والفصائل؟

مشرق ريسان

يشكّل السياسيون الشيعة قوة ضاغطة لإنهاء الوجود الأجنبي في العراق، في موقفٍ لا يتوافق مع رأي نظرائهم الأكراد والسنّة، المتخوفون من خطر عودة تنظيم الدولة وتوسّع النفوذ الإيراني في العراق.

بغداد ـ:ينشغل العراقيون بمصير بلادهم عقب الانسحاب المرتقب لقوات التحالف الدولي المناهض لتنظيم «الدولة الإسلامية»، على المستويين السياسي والأمني بشكل خاص، في ظل مخاوف من ارتدادات سلبية قد تنعكس على الوضع الأمني المستقر نسبياً في هذا البلد المليء بالأزمات، أبرزها استهداف مقار تابعة «للحشد الشعبي» والفصائل الشيعية المسلحة.
وأفضت سلسلة من الحوارات بين لجان فنّية عراقية وأمريكية تضم ممثلين عن الدول الأعضاء في التحالف، إلى اتفاق يقضي بسحب القوات الأجنبية من القواعد «الاتحادية» بحلول أيلول/سبتمبر 2025، وتبقي على قواتها ومستشاريها في إقليم كردستان العراق، لعامٍ إضافي قبل الانسحاب «الكُلي» في الشهر ذاته من العام المقبل 2026.
في الأسبوع الماضي، تحدثت مصادر متطابقة (صحافية وأمنية) عن بدء أولى مراحل انسحاب القوات الأجنبية- الأمريكية على وجه الخصوص- من قاعدة «عين الأسد» في محافظة أربيل العراقية، وتوجهها صوب الأراضي السورية، فيما تحدثت معلومات أخرى عن تمركز الأرتال في مدينة أربيل، عاصمة إقليم كردستان العراق.
ووسط تلك الأنباء، لم يصدر عن المسؤولين العراقيين أيّ تعليق بشأنها، إذ دعا النائب مختار الموسوي الحكومة العراقية إلى «إصدار بيان رسمي يوضح حقيقة الانسحاب المعلن للقوات الأمريكية، خاصة بعد رصد انتقالها من قاعدة عين الأسد في الأنبار إلى قواعد أخرى في أربيل»، لافتاً إلى أن «هذه التحركات تثير الكثير من الشكوك حول نوايا واشنطن المستقبلية في العراق»، حسب مواقع إخبارية مقربة من الفصائل المسلحة.
ويشكّل قادة الأحزاب والسياسيون الشيعة قوة ضاغطة لإنهاء الوجود الأجنبي على الأراضي العراقية، في موقفٍ لا يتوافق إلى حدٍّ بعيد من رأي نظرائهم الأكراد والسنّة، المتخوفون من خطر عودة التنظيم أو توسّع النفوذ الإيراني في العراق، في حال انسحاب قوات التحالف من البلاد نهائياً.
السياسي العراقي، محافظ نينوى الأسبق، أثيل النجيفي، يقول في «تدوينة» له، إن «الانسحاب الأمريكي من العراق سيبدأ في شهر أيلول/سبتمبر القادم لتستقر القوات الأمريكية في إقليم كردستان وبعض دول الجوار»، مشيراً إلى إن الانسحاب «سيتضمن وقف التعاون الأمني مع التحالف الدولي لمكافحة الإرهاب».
ووفق النجيفي، وهو قيادي في حزب «متحدون» بزعامة شقيقه أسامة، فإن «من المؤكد أن هذا الانسحاب سيكون له تداعيات سياسية وأمنية»، مستدركاً بالقول: «هنا سيظهر دور الجهات السياسية القادرة على إدارة الأزمات في مناطقها، ففي كل منطقة في العراق سيكون هناك تحدٍ مختلف وحاجة مختلفة». التحركات العسكرية الأمريكية الأخيرة، لا تأخذها فصائل «المقاومة الإسلامية» الشيعية في العراق، على «محملٍ سلّمي»، بل تعتقد بأنها بداية لمهاجمة مقارها ومعسكراتها في العراق، متوعدة في الوقت عينه بأن «أصابعها لا تزال على الزناد».
وفي بيان صحافي أصدرته «تنسيقية المقاومة العراقية»، دعت الحكومة ومجلس النواب إلى بمتابعة تموضع القوات الأمريكية.
وجاء في البيان أن «أمريكا الشر لن تغير سياساتها الخبيثة ضد الشعوب، ولا يمكن التعويل على عهودها أو الاطمئنان لإجراءاتها المريبة، ففي الوقت الذي أعادت فيه تموضع قواتها في أماكن تظنّها أكثر أمانًا، وقلّصت من عديدها في معسكراتها وقواعدها، كثّفت في المقابل من طلعاتها الجوية بطائراتها المسيّرة والحربية في الأجواء العراقية، إمعانًا في انتهاك سيادة بلادنا، وتجاهلًا لإرادة شعبنا».
وأضاف البيان أن «أيادي رجال المقاومة العراقية المخلصة ما زالت على الزناد دفاعًا عن العراق وشعبه، فضلًا عن حشده الذي لا تكفّ أمريكا وأدواتها في المنطقة عن معاداته، وهذا ما يوجب على العراقيين أن يحفظوا كرامة رجاله، ويصونوا حرمة معسكراته، لا سيما معسكر صقر (جنوب العاصمة بغداد) للحشد الشعبي الذي طالما أنجب مجاهدين حموا الدولة ونظامها السياسي».
ودعا البيان الأجهزة الحكومية ومجلس النواب العراقي إلى «الاضطلاع بدورهم عبر لجانهم المعنية بمتابعة تموضع القوات الأمريكية المحتلة، وإلزامها بالانسحاب الحقيقي بما يضمن تحقيق السيادة الكاملة للعراق على أرضه وسمائه».
وبين الموقفين (مؤيد ومعارض)، يتفق الحزب الشيوعي العراقي، مع المؤيدين لإنهاء الوجود العسكري على أراضي البلاد، غير أنه يرى أن تحقيق ذلك مرهون بعدّة متطلبات، تتعلق بـ«الإرادة السياسية والإجماع الوطني»، وأيضاً ضمان عدم حجب الدعم الدولي للقوات العراقية، وحصر السلاح بيد الدولة.
ويذكر الحزب في بيان صحافي أنه «قبل أيام أعلن عن بدء انسحاب قوات التحالف الدولي من العراق، على أن يستكمل ذلك في أيلول/سبتمبر 2026، على وفق الاتفاق الذي توصلت إليه الحكومة العراقية مع الولايات المتحدة، إلى جانب كونه استحقاقا وطنيا ودستوريا».
وأضاف: «كان لنا في الحزب الشيوعي العراقي منذ البداية موقف واضح في رفض الاحتلال والغزو والوجود العسكري الدائم ولكل التدخلات الخارجية في الشأن الداخلي العراقي، وكل ما يتعارض مع سيادة العراق واستقلاله وامتلاكه لقرار الوطني المستقل. وأكدنا مرارا على إدانتنا للاعتداءات والانتهاكات لأراضي العراق ومياهه وسمائه، ومن أية جهة أتت، ومعارضتنا تحويل العراق إلى ساحة صراع مصالح وتصفية حسابات بين مختلف القوى الدولية والإقليمية».
وتابع البيان: «كما ميزنا باستمرار وبوضوح بين الحاجة إلى الدعم والتعاون والإسناد والتدريب والمشورة، ولاسيما حينما يتطلب الأمر ذلك كما حصل في المعركة مع داعش، وبين الوجود العسكري الأجنبي الدائم، على أن يتم كل ذلك وفقا لاتفاقات معروفة ومعلنة، شفافة ومتوازنة، ومتخذه في سياقات قانونية ودستورية سليمة».
ورأى الحزب أن الانسحاب الذي اعتبره أقرب إلى أن يكون «إعادة تموضع للقوات»، يأتي «في ظروف محفوفة بمخاطر وتحديات أمنية وسياسية واقتصادية جدية. فتهديد قوى الإرهاب، وإن تراجع كثيرا، ما يزال ماثلا داخل العراق وعبر الحدود وتسود أجواء صراع وتوتر شديدين في عموم المنطقة لها انعكاسات ارتدادية على الأوضاع الداخلية في العراق، كما أن شكل وجود قوات التحالف على أراضينا ما يزال موضع اختلاف وانقسام على المستويات الرسمية والسياسية والشعبية».
وأشار إلى أن «الخطوة التي تحققت ينبغي أن تتوفر متطلبات وشروط استكمالها وصولا لإنهاء وجود القوات الأجنبية على أرض العراق، وفي مقدمة هذه الشروط توفر الإرادة السياسية الفاعلة وتحقيق إجماع وطني عراقي بشأنه».
وأوضح الحزب أن «انسحاب قوات التحالف سيحجب عن القوات العراقية بعض أشكال الدعم التي كانت تقدمها قوات التحالف، ما يشدد من الحاجة إلى تعزيز قدرات قواتنا المسلحة، تسليحا وتدريبا وتأهيلا، وإعادة بنائها على أساس الولاء للوطن والشعب والعقيدة الوطنية وإبعادها عن المحاصصات على اختلاف أنواعها، وإسناد المسؤوليات فيها إلى العناصر المهنية والنزيهة والمخلصة والوطنية».
وشدد على وجوب «الشروع الفعلي بتحقيق شعار حصر السلاح بيد الدولة وتفكيك التجمعات العسكرية غير الدستورية وتحقيق وحدة القرار العسكري ـ الأمني ومركزته بيد القائد العام للقوات المسلحة، والبدء بعملية دمج المتطوعين في الحشد الشعبي كأفراد في القوات المسلحة وصيانة حقوقهم وتوفير الكرامة لعوائلهم».
وخلص بيان الحزب إلى أن «التحديات الكبيرة والمتغيرات الحاصلة عالميا وفي المنطقة، وحاجة بلادنا إلى امتلاك ناصية القرار الوطني المستقل، وصيانة حقوقها الوطنية، تفرض السير على طريق الخلاص من أس البلايا. منهج المحاصصة والتخادم المكوناتي، المتماهي مع الفساد، وإقامة دولة المواطنة والديمقراطية الحقة والعدالة الاجتماعية، فلا سيادة ولا استقلال حقيقيين مع حالة اللادولة واستمرار هشاشة الوضع الداخلي».

«القدس العربي»

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب