تحقيقات وتقارير

لبنان: لماذا الانقلاب على وصايا الإمام شمس الدين وتحويل «المقاومة» إلى مشروع للغلبة والتخوين؟

لبنان: لماذا الانقلاب على وصايا الإمام شمس الدين وتحويل «المقاومة» إلى مشروع للغلبة والتخوين؟

سعد الياس

يبدو أن «حزب الله» بات يدرك أن ورقة القوة التي يمتلكها والمتمثلة بسلاحه ستفقده «فائض القوة» في حال نزعها من يده، لذلك لم يتورّع أمينه العام عن التهديد بحرب أهلية.

بيروت ـ : أخطر ما شهده الأسبوع المنصرم في لبنان هو إمعان جمهور «حزب الله» في تخوين رموز لبنانية نادت بحصرية السلاح بيد الدولة اللبنانية في ضرب لكل القيم الوطنية. غير أن اللافت هو دخول مرجعيات شيعية على خط التخوين الذي لم يوفّر لا رئيس الحكومة نواف سلام ولا البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي في استباحة لمقام رئاسة الحكومة ولمكانة البطريركية المارونية ودورها التاريخي في إنشاء لبنان الكبير، ما يشكل نذيراً بقطع الجسور بين مكونات لبنانية أساسية من جهة وبين فريق اختار لنفسه العزلة الوطنية.
وقد لقي هذا السلوك الذي انخرط فيه المفتي الجعفري الممتاز الشيخ أحمد قبلان سيلاً من الردود الواسعة التي استنكرت التهديد بالعودة إلى الحرب الأهلية أو القيام بـ 7 أيار/مايو جديد واستسهال إطلاق النعوت بالصهينة، ولاحظت أن مثل هذه الحملات كانت تسبق موجة اغتيالات استهدفت قيادات لبنانية على رأسها الرئيس رفيق الحريري وشخصيات من فريق 14 آذار.
وبدا أن «حزب الله» الذي يقف وراء تلك الحملات بات يدرك أن ورقة القوة التي يمتلكها والمتمثلة بسلاحه ستفقده «فائض القوة» في حال نزعها من يده، لذلك لم يتورّع أمينه العام الشيخ نعيم قاسم عن التهديد بحرب أهلية وعن القول للحكومة صراحة «لا حياة في لبنان إذا كنتم ستحاولون مواجهتنا». وهذا ما شجّع من يدورون في فلك الحزب على التجرؤ على كل من رئيس الحكومة والبطريرك الماروني، وعلى رفع لافتة في إحدى بلدات الهرمل تتهم الرئيس نواف سلام بالعمالة، بالتزامن مع وصف البطريرك بـ «الحاخام».
وهكذا فإن القاضي نواف سلام الذي لدى ترؤسه المحكمة الجنائية الدولية لم يخف من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ولا من غيره، وأصدر مذكرتي اعتقال بحقه وبحق وزير الأمن يوآف غالانت بتهم جرائم حرب ضد الإنسانية، جاء من يتهمه حالياً بأنه «صهيوني». وأفيد أن الرئيس سلام عبّر أمام زواره عن ألمه من هذه الاتهامات التي تطاله، مستغرباً كيف أن رئاسة الحكومة في لبنان كانت دائماً مستباحة بالتخوين أو بالقتل.
أما البطريرك الراعي الذي عبّر عن رأيه بهدوء حول سقوط فكرة المقاومة بعد قرار الحكومة بحصرية السلاح وعدم ممانعته إقامة سلام مع إسرائيل مستقبلاً، فتلقّى سيلاً من حملات الافتراء والتجني، إلا أن ما أثار الدهشة والاستغراب هو مسارعة الشيخ أحمد قبلان إلى الرد على البطريرك ببيان دفاعاً عن الشيعية السياسية وما سمّاه «سلاح الله»، وهو ما رأى فيه كثيرون منعطفاً خطيراً لم يشهده لبنان حتى في أيام الوصاية السورية حيث كان النظام السوري يتفادى الاصطدام ببكركي.
وقرأت أوساط في موقف الشيخ قبلان ما هو أبعد من مسألة رفض حصرية السلاح بيد الدولة إلى التمسك بقرار البلد السياسي بيد الثنائي الشيعي، واعتبار احتكار الدولة للسلاح على أراضيها سقوطاً للبلد بيد الصهاينة. واستغربت الأوساط كيف لقيادة دينية يُفترض أن تتصف بالحكمة والرصانة أن تنجر إلى خطاب مشحون بعيد عن الرزانة والتروي، متجاهلة موقع البطريركية المارونية كأحد أعمدة الكيان اللبناني، فالبطريرك يُعد مرجعية وطنية وليس موظفاً يتقاضى راتباً من الدولة، ولطالما شكّلت بكركي سداً منيعاً في وجه الاحتلالات، ورمزاً لا يلين في الدفاع عن الحرية والاستقلال، وليس نداء مجلس المطارنة الموارنة الذي صدر في 20 أيلول/سبتمبر عام 2000 برئاسة البطريرك مار نصرالله بطرس صفير وطالب بجلاء الجيش السوري سوى فصل من فصول الدفاع عن لبنان وسيادته واستقلاله ورفض الخضوع والاذعان، وبالتالي من واجه أعتى الحملات والاحتلالات لا يمكن تطويعه ببيان أو تلقينه دروساً في الوطنية.
ونصح البعض المفتي قبلان بالحفاظ على إرث المرجعيات الروحية الشيعية وفي طليعتها الإمام موسى الصدر إضافة إلى مراجعة وصايا الإمام محمد مهدي شمس الدين، حيث لم يتضمن خطاب أي من المرجعيتين أي تهديد أو تخوين بل دعوة دائمة إلى الحوار والاحتكام إلى منطق الدولة. وأبرز وصايا الإمام شمس الدين دعوته إلى انخراط الشيعة في مشروع الدولة، ونبذ منطق الغلبة، ورفض التبعية للخارج، وتشديده على أن الشيعة هم لبنانيون أولًا، وأن خلاصهم لا يكون إلا في ظل دولة عادلة، سيدة، مستقلة، موصياً الشيعة بعدم تشكيل كيان خاص بهم، وعدم الارتهان لمحاور إقليمية، قائلاً: «لا يجوز للشيعة أن يكونوا دولة داخل الدولة». كما رأى أنه «لا يجوز أن تتحول المقاومة مشروعاً سياسياً داخلياً للغلبة أو الاستئثار أو التخويف أو التخوين».
ولم يقتصر الرد على قبلان على قوى مسيحية بل أن شخصيات شيعية وازنة انتقدت كلام المفتي الجعفري الذي في رأيها «يسيء للطائفة الشيعية أكثر مما يحميها»، واستهجنت دفاعه عن سلاح «حزب الله» حتى ولو لم يبق شيعي في لبنان على قيد الحياة، مستندة إلى قوله «إذا كان في هذا البلد طائفة تتلهف لبذل دمائها وزهرة شبابها وعظيم إمكاناتها بسبيل هذا الوطن العزيز، فهي الطائفة الشيعية، بل طائفة المقاومة بكل أطيافها ووجوهها».
وأسفت هذه الشخصيات الشيعية لتجاهل التاريخ وتصوير الشيعة كأنهم دخلوا خاسرين في لبنان الكبير والعودة لإنتاج نغمة «الحرمان»، فيما الشيعة بفضل الكيان اللبناني، صعدوا من تحت الصفر إلى أن أصبح بينهم أغنى المغتربين وأفضل المثقفين والفنانين والإعلاميين.

«القدس العربي»

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب