السودان: وباء الكوليرا يتفشى في دارفور ويهدد حياة الآلاف وسط انهيار النظام الصحي

السودان: وباء الكوليرا يتفشى في دارفور ويهدد حياة الآلاف وسط انهيار النظام الصحي
ميعاد مبارك
أصدرت منظمة أطباء بلا حدود تحذيرًا بشأن تزايد معدلات انتشار الكوليرا على وجه الخصوص محلية طويلة، متوقعة زيادة أعداد الوافدين إلى تلك المناطق نتيجة استمرار القتال في مدينة الفاشر.
الخرطوم ـ :في ظل استمرار المعارك المحتدمة وانهيار البنية التحتية، تشهد ولايات إقليم دارفور، غرب السودان، تفشيًا خطيرًا لوباء الكوليرا، حيث أعلنت المنسقية العامة للنازحين واللاجئين عن تسجيل أكثر من 7.538 حالة إصابة مؤكدة، من بينها 322 حالة وفاة، منذ بدء تفشي المرض في الأشهر الماضية. ويواصل الوباء انتشاره في المخيمات والمناطق السكنية المكتظة، ما دفع المنظمات الإنسانية إلى التحذير من «كارثة إنسانية منسية» تتطلب تدخلًا عاجلًا على المستويين المحلي والدولي.
وحسب تقرير المنسقية، تركزت معظم حالات الإصابة في مناطق طويلة، جبل مرة، زالنجي، نيالا، وخزان جديد بمحلية شعيرية، إلى جانب معسكرات النزوح الرئيسية مثل كلمة، عطاش، دريج، وسورتوني. ويشير التقرير إلى أن المرض لم يعد محصورًا في نطاق جغرافي ضيق، بل امتد إلى مناطق جديدة، منها قولو وجلدو بجبل مرة.
في منطقة قولو وحدها، بلغ العدد التراكمي للحالات اليومية 1.172 إصابة، منها 51 حالة وفاة، بينما سجلت جلدو أكثر من 80 حالة إصابة، توفي منها تسعة أشخاص، في ظل غياب مراكز العزل وضعف كبير في توفر المستلزمات الطبية الضرورية للتعامل مع الوباء.
ووصفت المنسقية الوضع الصحي في هذه المناطق بأنه بالغ التعقيد، مشيرة إلى نقص فادح في الأدوية، وغياب شبه كامل لمراكز العزل الصحي، إضافة إلى التحديات اللوجستية التي تعوق وصول الدعم الإنساني. كما أكدت استمرار الجهود من قبل منظمات إنسانية ومتطوعين محليين لمكافحة انتشار الكوليرا، إلا أن هذه الجهود تواجه صعوبات كبيرة في ظل تصاعد وتيرة القتال والانهيار الكامل للمنظومة الصحية.
وجددت المنسقية دعوتها لمنظمة الصحة العالمية، والأمم المتحدة، والمؤسسات الدولية ذات الصلة، للتدخل العاجل عبر إرسال مساعدات طبية، ودعم حملات التوعية، وإنشاء مراكز للعزل الصحي، مشددة على أن الأوضاع الحالية تنذر بوقوع مجزرة صحية في حال لم يتم احتواء انتشار المرض.
في السياق ذاته، أطلقت حركة جيش تحرير السودان بقيادة عبد الواحد محمد نور تحذيرًا من التدهور الحاد في الأوضاع الإنسانية داخل معسكرات النازحين في محليتي طويلة وقولو بولاية شمال دارفور. وقالت مكارم محمد عثمان، مسؤولة الشؤون القانونية والمنظمات في الحركة، إن المناطق الواقعة تحت سيطرة الحركة تشهد انهيارًا كاملًا في الخدمات الصحية، وسط تفشي الكوليرا وغياب مقومات الحياة الأساسية، كالمياه النظيفة والغذاء والرعاية الطبية.
وأكدت أن الوضع الراهن يشكل تهديدًا مباشرًا لحياة أكثر من 7 ملايين شخص، من نازحين وسكان محليين، محاصرين بين أهوال الحرب، والفقر المدقع، وانتشار الأمراض، في ظل غياب الدعم الدولي الكافي رغم تكرار النداءات الإنسانية.
ودعت مكارم المجتمع الدولي، والمنظمات الإنسانية، ووكالات الأمم المتحدة، إلى تحمل مسؤولياتها الأخلاقية والقانونية تجاه المدنيين المتضررين، قائلة إن «الاستجابة لهذا النداء تمثل واجبًا إنسانيًا لا يقبل التأجيل».
من جهتها، أصدرت منظمة أطباء بلا حدود تحذيرًا بشأن تزايد معدلات انتشار الكوليرا في مناطق غرب السودان، وعلى وجه الخصوص محلية طويلة، متوقعة زيادة أعداد الوافدين إلى تلك المناطق نتيجة استمرار القتال في مدينة الفاشر، ما يزيد الضغط على المعسكرات المثقلة أصلًا بالأعباء.
وأشارت المنظمة إلى أن موسم الأمطار الحالي، بالتزامن مع تردي أوضاع الصرف الصحي، يخلق بيئة ملائمة لتفشي الأوبئة، خاصة الكوليرا، في ظل صعوبة الوصول إلى المياه النظيفة والرعاية الطبية.
صورة قاتمة في ظل الحرب والصراع
تشير تقارير متعددة إلى أن الأزمة الصحية تأتي في سياق كارثة إنسانية أكبر يعاني منها السودان منذ اندلاع الحرب بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في نيسان/أبريل 2025، حيث تسيطر قوات الدعم السريع على أربع من أصل خمس ولايات في دارفور، بينما تفرض حصارًا خانقًا على مدينة الفاشر، عاصمة ولاية شمال دارفور، التي لا يزال الجيش يحتفظ بالسيطرة عليها.
ويحذر مراقبون من أن هذا الحصار يفاقم الوضع الإنساني، ويمنع إيصال المساعدات الغذائية والطبية إلى مئات الآلاف من المحاصرين داخل المدينة.
وفي سياق متصل، أعلن مركز عمليات الطوارئ الاتحادي في السودان عن تسجيل 1.575 حالة إصابة جديدة بالكوليرا خلال أسبوع واحد فقط، شملت 44 محلية، وأسفرت عن 22 حالة وفاة. وبلغ العدد التراكمي للحالات على مستوى البلاد أكثر من 100.000 إصابة، بينها 2.515 وفاة، موزعة على 18 ولاية.
ولم يقتصر الوضع على الكوليرا فحسب، إذ سجلت السلطات الصحية 325 حالة إصابة بحمى الضنك، و35 حالة إصابة بالحصبة، إلى جانب تفشي الملاريا بأكثر من 46.000 حالة. وفي خضم هذا الوضع الصحي المتردي، تشير التقارير إلى وصول مئات الآلاف من العائدين السودانيين طواعية من دول الجوار، خاصة مصر وجنوب السودان، ما يزيد الضغط على الموارد والخدمات المحدودة.
وفي محاولة أخيرة لجذب انتباه المجتمع الدولي، وجه رئيس الوزراء السوداني الدكتور كامل إدريس نداءً عاجلًا إلى الأمم المتحدة، ومجلس الأمن، والجمعية العامة، طالب فيه بالضغط لفك الحصار عن مدينة الفاشر، وفتح الممرات الإنسانية لإيصال الإغاثات.
وقال إدريس في خطابه: «مئات الآلاف من المدنيين محاصرون، والعائلات تتعرض للجوع، والاوبئة بينما يموت الأطفال بسبب العرقلة المتعمدة للمساعدات الإنسانية»، مشددًا على أن استخدام التجويع كسلاح في الحرب يمثل خرقًا جسيمًا للقانون الدولي الإنساني.
وأضاف: «الحق في الحياة، والغذاء، والرعاية الصحية هي حقوق أساسية لا يجوز انتهاكها تحت أي ظرف. وإنّ التاريخ سيسجل مواقف المجتمع الدولي إزاء هذه المأساة، إما بالصمت أو التضامن مع الأبرياء».
«القدس العربي»