رئيسيالافتتاحيه

مقابلة الرئيس محمود عباس : بين الخطاب الدبلوماسي والمتغيرات على الأرض

مقابلة الرئيس محمود عباس : بين الخطاب الدبلوماسي والمتغيرات على الأرض

تحليل استراتيجي للرسائل والمغيّب في ظل تصاعد التحديات

بقلم: المحامي علي أبو حبلة

جاءت مقابلة الرئيس محمود عباس مع قناتي “العربية” و”الحدث” في مرحلة بالغة التعقيد، تتميز باستمرار الحرب على غزة وتصاعد التوتر في الضفة الغربية والقدس. حيث  قدم الرئيس خلال المقابلة رسائل واضحة، لكنها تركت أسئلة استراتيجية حول القضايا التي لم تُطرح، والتي تشكل جوهر المشروع الوطني الفلسطيني.

أولاً: الرسائل الأساسية في المقابلة

ركز الرئيس عباس في حديثه على أربعة محاور رئيسية:

  1. التمسك بالتمثيل الشرعي: التأكيد على أن منظمة التحرير الفلسطينية كممثل وحيد للشعب الفلسطيني، واستعداد السلطة لإدارة غزة بشراكة عربية أو دولية، في إطار استباق السيناريوهات المحتملة لما بعد الحرب أو ما بات يعرف باليوم التالي للحرب
  2. المنهجية السياسية: التمسك بالمقاومة الشعبية السلمية ورفض خيار الحرب الشاملة، وهو موقف يتسق مع الاستراتيجية الدبلوماسية التي تتبناها القيادة الفلسطينية.
  3. الدعم الإقليمي: الإشادة بمواقف الدول العربية وخاصة مصر والأردن والسعودية في رفض التهجير ودعم الحقوق الفلسطينية، في محاولة لإبراز عمق إقليمي يعزز الموقف التفاوضي.
  4. الدولية والقانون الدولي: التوجه نحو الأمم المتحدة للمطالبة بعضوية كاملة، مع التذكير بعدم تنفيذ القرارات الدولية ذات الصلة، في إطار استراتيجية الاعتماد على الأدوات القانونية والدولية.

ثانياً: القضايا الاستراتيجية غير المطروحة

على الرغم من أهمية المحاور التي تم تناولها، فإن غياب مناقشة قضايا حاسمة يثير تساؤلات حول اكتمال الرؤية الاستراتيجية في التعامل مع التحديات الراهنة. ومن أبرز هذه القضايا:

  1. الاستيطان والضم: لم يتم التطرق إلى استمرار التوسع الاستيطاني في مناطق مصنفة (A1)، وعودة المستوطنين إلى مواقع تم إخلاؤها سابقاً، وانتشار البؤر الاستيطانية غير القانونية، والشروع بعملية الضم وفرض سياسة الأمر الواقع والتي تقوض إمكانية إقامة دولة فلسطينية قابلة للحياة.
  2. القدس والمسجد الأقصى: غاب الحديث عن سياسات التهويد ومحاولات تقسيم المسجد الأقصى، والتي تمثل خطاً أحمر في الصراع وتؤثر على الموقف الديني والسياسي بشكل عام.
  3. الأزمة المالية والاقتصادية: لم تُناقش أزمة تمويل السلطة نتيجة حجب Iاسرائيل للعوائد الضريبية، وتأثير ذلك على استقرار المؤسسات وقدرتها على تقديم الخدمات، مما يهدد الاستقرار الداخلي.
  4. الانتقال من السلطة إلى الدولة: لم يُطرح تصور واضح للانتقال من كيان سلطة مرتبط باتفاقيات أوسلو إلى دولة مستقلة الظروف الحالية التي تشهد انهياراً تدريجياً لهذه الاتفاقيات.
  5. الحوار الوطني والمصالحة: لم يتم التطرق إلى خطوات عملية لإعادة الحوار الوطني أو تحقيق مصالحة داخلية، على الرغم من أن الوحدة الفلسطينية تعتبر عاملاً حاسماً في أي استراتيجية مستقبلية.

ثالثاً: السياق الإقليمي والدولي

تتميز المرحلة الحالية بعدة تحولات إقليمية ودولية، حيث تتصاعد التوترات بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية، كما أن الموقف الأمريكي والأوروبي لا يزال متأرجحاً بين الدعم الإسرائيلي والدعوة لحل الدولتين. في هذا الإطار، يبدو الخطاب الفلسطيني بحاجة إلى مزيد من التكيف مع المتغيرات، خاصة فيما يتعلق بالدعم الدولي والضغط على إسرائيل لوقف الاستيطان والضم.

رابعاً: التوجهات المستقبلية المحتملة

من المتوقع أن يركز الخطاب الفلسطيني في الأمم المتحدة على:

  • المطالبة بعضوية كاملة للدولة الفلسطينية.
  • تسليط الضوء على انتهاكات اسرائيل للقانون الدولي.
  • الدعوة إلى آليات دولية لتنفيذ القرارات ذات الصلة.

ومع ذلك، فإن فعالية هذا الخطاب ستكون محدودة إذا لم يقترن بخطوات عملية على الأرض، بما في ذلك:

  • تعزيز الوحدة الوطنية وإشراك جميع القوى والفصائل في صياغة الاستراتيجية.

تطوير آليات قانونية ودولية لمحاسبة اسرائيل على الاستيطان والضم.

بناء تحالفات إقليمية ودولية تدعم بشكل فعلي قيام الدولة الفلسطينية.

مقابلة الرئيس محمود @عباس مثلت تأكيداً على الثوابت الوطنية والدبلوماسية الفلسطينية، لكنها أظهرت أيضاً حاجة ملحة إلى معالجة القضايا الاستراتيجية الغائبة. لا بد للقيادة الفلسطينية من تطوير خطاب متوازن يربط بين البعد الدبلوماسي والبعد العملي، ويعزز الوحدة الوطنية، ويكون قادراً على مواجهة التحديات الحالية و المستقبل الفلسطيني يتوقف على القدرة على الجمع بين الشرعية الدولية والاستراتيجية الواقعية على الأرض.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب