السلام خيار استراتيجي أم استسلام؟ إسرائيل الكبرى بين الحروب والتوسع وفرض الأمر الواقع

السلام خيار استراتيجي أم استسلام؟ إسرائيل الكبرى بين الحروب والتوسع وفرض الأمر الواقع
بقلم رئيس التحرير
على مدار ثلاثة عقود رفع النخبة العربية شعار السلام خيار استراتيجي أملاً في إنهاء الصراع وتحقيق حل سياسي عادل لكن الواقع أثبت أن إسرائيل تعاملت مع هذا الشعار كنافذة للتوسع والتطبيع بينما بات السلام في الجانب العربي عنواناً لغياب البدائل والإرادة
منذ اتفاق أوسلو عام 1993 ارتفع عدد المستوطنين في الضفة الغربية من نحو مئتين وخمسين ألفاً إلى ما يقارب سبعمئة ألف بحلول عام 2023 وتضاعف عدد المستوطنات من مئة وثمانية وعشرين إلى نحو ثلاثمئة بما في ذلك البؤر غير القانونية وفي عام 2025 أعلن وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش عن شرعنة وإنشاء اثنتين وعشرين مستوطنة جديدة وهو أكبر توسع استيطاني منذ أوسلو يعيش اليوم أكثر من سبعمئة وسبعة وثلاثين ألف مستوطن في الضفة الغربية والقدس الشرقية منهم نحو خمسمئة ألف في الضفة ومئتان وسبعة وثلاثون ألفاً في القدس وهذا الواقع يجعل قيام دولة فلسطينية قابلة للحياة ضرباً من المستحيل
أما على صعيد الحروب المفتوحة فقد شهدت غزة منذ السابع من أكتوبر 2023 حرباً إبادة خلفت أكثر من ثلاثة وستين ألف شهيد غالبيتهم من المدنيين بينهم آلاف الأطفال والنساء وفق بيانات إسرائيلية تشكل نسبة المدنيين منهم ثلاثة وثمانين في المئة بينما لم يتجاوز عدد مقاتلي الفصائل تسعة آلاف وقد تعرضت البنية التحتية للتدمير حيث دمر أو تضرر أكثر من سبعين في المئة من المساكن كما استهدفت المستشفيات والمدارس ومرافق المياه والكهرباء وفي لبنان وسوريا تواصل إسرائيل شن غارات جوية على مواقع عسكرية وبنى تحتية بما يكرس سياسة التوسع الإقليمي
الحصار والتجويع تحولا إلى سياسة حرب معلنة إذ تم إعلان المجاعة رسمياً في شمال غزة حيث توفي حتى الثالث من أيلول 2025 أكثر من ثلاثمئة وسبعة وستين شخصاً بينهم مئة وواحد وثلاثون طفلاً نتيجة الجوع ونقص الغذاء وتشير تقارير الأمم المتحدة إلى أن نحو مليون ومئة وأربعين ألف إنسان يعيشون في حالة أزمة غذائية طارئة وأن أكثر من ستمئة وأربعين ألفاً يواجهون مجاعة كارثية ويواجه أكثر من نصف سكان القطاع أي ما يقارب مليوناً ومئة ألف إنسان جوعاً غير مسبوق هو الأسوأ منذ الحرب العالمية الثانية فيما يتوقع أن يصاب واحد وسبعون ألف طفل وسبعة عشر ألفاً من النساء الحوامل والمرضعات بسوء تغذية حاد بين أبريل 2025 ومارس 2026
على المستوى السياسي يتبنى رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو وحلفاؤه من أقصى اليمين مثل سموتريتش وبن غفير فكرة إسرائيل الكبرى وضم الضفة الغربية ويرفضون الانسحاب من أي مستوطنة معتبرين أن الصراع يجب أن يحسم بالقوة وبفرض الأمر الواقع بينما يتم التعامل مع مبادرات السلام كغطاء لتوسيع الاستيطان والتطبيع مع الأنظمة العربية
إن السعي لتحقيق السلام في ظل ميزان قوى مختل وغياب أوراق ضغط عربية ودولية وتحول الحصار والتجويع والحروب إلى أدوات سياسية يعني رهانا خاسرا فالسلام الحقيقي يتطلب تفعيل قرارات الشرعية الدولية كقرارات مجلس الأمن 242 و338 و2334 وقرار الجمعية العامة 194 وتفعيل أدوات القانون الدولي عبر المحكمة الجنائية الدولية والضغط الدبلوماسي والسياسي لوقف المشروع الاستيطاني كما يتطلب بناء استراتيجية فلسطينية وعربية مشتركة تقوم على المقاومة الشعبية والسياسية والحقوقية ورفض التطبيع المجاني واستعادة زمام المبادرة