لا ضوء أخضر أميركياً لاجتياح غزة: جيش العدو يواصل إبطاء الهجوم

لا ضوء أخضر أميركياً لاجتياح غزة: جيش العدو يواصل إبطاء الهجوم
تعلّق واشنطن قرار اجتياح غزة فيما يواصل جيش الاحتلال المماطلة مستخدماً التهويل والضغط السياسي وسط صمود فلسطيني يعيق خططه.

على رغم مرور ما يقرب من عامين على بدء الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، لكنّ المعركة الكبرى، أي احتلال مدينة غزة، لا تزال معلّقة.
ومردّ ذلك، إلى حسابات سياسية واستراتيجية معقّدة تتقاطع فيها مصالح كل من جيش الاحتلال والولايات المتحدة. وما قد يبدو للوهلة الأولى وكأنه تأخير تقني أو لوجستي، هو في واقع الأمر تكتيك مقصود؛ إذ إن الجيش، واستناداً إلى ما يسرّبه عبر الإعلام فضلاً عن تصريحات داخلية يدلي بها، يماطل في بدء العملية البرية الكبرى، ليس لأنه يخشى الخسائر أو تبعات اليوم الذي يلي احتلال المدينة فقط، بل لأنه يعتقد أيضاً أن التهويل بالعملية، سيجلب له انتصاراً، عبر دفع «حماس» إلى الاستسلام، وهو ما لم يتحقَّق إلى الآن.
في هذا السياق، تبرز ثلاثة محدّدات رئيسية تشكّل العمود الفقري للمرحلة الحالية من الحرب:
أولاً: يماطل الجيش في تنفيذ القرار السياسي؛ إذ ليست صدفةً أن تتسرّب تصريحات من داخل المؤسسة العسكرية، عبر وسائل الإعلام العبرية، تتحدّث عن «مخاوف جدّية من قتل الرهائن الإسرائيليين عن طريق الخطأ»، أو عن «صعوبة السيطرة على الأنفاق تحت الأرض»، أو عن «احتمال أن تستغرق العملية أشهراً طويلة، أو ربما سنة كاملة وأَزيد».
والواقع أن تلك التصريحات ليست مجرّد تقييمات مهنية، بل هي رسائل موجّهة إلى: الجمهور، لدفعه في اتجاه مواصلة الضغط المُطالِب بصفقة يتحرّر بموجبها الأسرى؛ والحكومة، لحملها على قبول صفقة تفاوضية بدلاً من مغامرة عسكرية مكلفة، وهو ما ورد على لسان القادة الكبار في الجيش، وفي المقدّمة منهم رئيس الأركان إيال زامير؛ وحركة «حماس»، عبر البعث برسالة مفادها أن «الوقت ينفد»، وأن العملية ستُنفّذ في نهاية المطاف، وإنْ تأخّرت بعض الوقت، فيما يقتضي عدم الذهاب إليها، قبول الحركة بالشروط الإسرائيلية.
ثانياً: يصرّ الجيش على أن «بطء نزوح المدنيين من مدينة غزة» (لم يغادر سوى 10% من السكان) يعيق تنفيذ خطّته العسكرية. وهو يستخدم هذه الذريعة لتبرير تصعيد التهويل: قصف المباني الشاهقة «لإثارة الذعر»، وإعلان «مناطق إنسانية آمنة» في خانيونس، هي في الحقيقة مناطق تهجير قسري. لكن، لماذا استفاق فجأة إلى وجود مدنيين فلسطينيين في مناطق يستهدفها؟ ألم يسبق له أن قصف واقتحم واحتلّ مناطق مكتظّة بالسكان من دون أن ينتظر إخلاءها؟ الواضح أن الجيش يريد تأخير مشكلة «إنسانية» إضافية هو في غنًى عنها، كونها ستضاعف الضغوط الدولية عليه.
ثالثاً: إذا كانت النقطتان السابقتان تتعلّقان بالاستراتيجية والتكتيك، فإن هذه النقطة تتّصل ببنية الجيش نفسه، إذ وللمرة الأولى يتحدّث الأخير عن أزمة مهنية ونفسية في صفوفه، تتجلّى في إنهاك الجنود، وتعطّل المعدّات، وامتعاض القيادات. وتكشف تقارير، في هذا الإطار، عن «مشاكل انضباط حادّة»، و»قادة عاجزين عن فرض النظام»، و»جنود يرفضون العودة إلى الجبهة»، وأيضاً عن نقص في الجرافات، فضلاً عن وجود دبابات معطلة وناقلات جند غير صالحة للاستخدام.
في خضمّ كل ما تقدّم، جاء حديث الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، عن أن «مفاوضات جارية خلف الكواليس»، ليمثّل إشارة إضافية إلى أن العملية العسكرية في غزة مجمَّدة، خصوصاً أن تلك التصريحات توحي بأن إدارة ترامب هي التي تقود المفاوضات، أملاً في إمكان دفع «حماس» إلى «الاستسلام». وعليه، يبدو أن واشنطن لم تصادق بعد على تنفيذ عملية عسكرية كبرى جديدة، وهو ما يفسّر عدم التنفيذ أولاً، وقدرة الجيش على المماطلة ثانياً، والسكوت المريب وغير المفهوم من جانب السياسيين الدافعين إلى استعجال تطبيق الخطّة، ثالثاً.
هكذا، يبدو القرار السياسي باحتلال غزة معلّقاً على شرط واحد: أن تفشل كل أدوات الضغط الأخرى. لكن، ماذا لو استمرّ الفلسطينيون في الصمود ورفضت «حماس» الاستسلام؟ الإشارات الواردة في حديث ترامب الأخير تشير إلى وجود رِهان كبير جداً على دفع الفلسطينيين إلى الرضوخ، بعدما وُضعوا أمام خيارَين اثنين فقط: إمّا الاستسلام بالقوّة، مع تكلفة إسرائيلية معتدّ بها؛ وإمّا استسلام بالتراضي، بلا تكلفة إسرائيلية. على أن الثمن الفلسطيني في الخيار الثاني، سيظلّ أكثر إيلاماً وتخسيراً في الأمدَين المتوسط والبعيد، من نظيره في الخيار الأول.