مقالات
تدمير الابراج السكنية في غزة “أداة لهندسة الوعي وتنفيذ التهجير القسري”

تدمير الابراج السكنية في غزة “أداة لهندسة الوعي وتنفيذ التهجير القسري”
د. حسين الديك
بعد الاعلان عن انطلاق عملية مركبات جدعون 2 في قطاع غزة عمل الجيش الاسرائيلي على استهداف الابراج السكنية وتدميرها بشكل ممنهج وفقا للرواية التي تقول ان الابراج تستخدم خلايا للطاقة الشمسية لتزويد البنية التحتية لحركات حماس بالطاقة والكهرباء، واحيانا اخرى انها تستخدم كأبراج للمراقبة والكاميرات التي ترصد حركة الجيش الاسرائيلي في غزة، وبناء على ذلك بدا الجيش الاسرائيلي باستهداف تلك الابراج من خلال ارسال نداءات الاخلاء للسكان لإخلائها لتجنب وقوع ضحايا من المدنيين قبل البدء بعمليات القصف والتدمير.
اصبحت عمليات استهداف الابراج السكنية في مدينة غزة ظاهرة مستمرة ينفذها الجيش الإسرائيلي لتحقيق اهداف غير معلنة، علما بان “مدينة غزة وحدها تضم نحو 914 ألفا و556 نسمة، ويبلغ عدد الأبراج والعمارات السكنية متعددة الطوابق فيها حوالي 51 ألفا و544 مبنى ، وهذا التدمير المنظم يهدف الى إحداث ضغط ديموغرافي ونفسي على السكان، وتهجيرهم قسريا، وإعادة تشكيل السيطرة الميدانية ومن اهم تلك الاهداف هو احداث الصدمة النفسية لدى المواطنين في غزة واجبارهم على النزوح نحو جنوب القطاع واخلاء المدينة ، اذ ان تواجد المدنيين في غزة يعيق العمليات العسكرية التي ينفذها الجيش الاسرائيلي ، وبذلك فان اسرائيل تعمل على اعادة هندسة الوعي وزرع الخوف والرعب لدى المواطنين واجبارهم على مغادرة المدينة، ومن جانب اخر تريد ان ترسل رسالة للمواطنين بان مدينة غزة سوف يتم تدميرها ولا عودة مستقبلية اليها ولن تصبح صالحة للسكن مستقبلا بعد كل هذا الدمار والاستهداف المنظم للمباني والابراج السكنية في المدينة.
وفقا لنظريات العلوم الاجتماعية والسلوكية فان مفهوم هندسة الوعي تتلخص في تشكيل حالة عقلية للفرد مؤداها أن يكون لديه أفكار وخطط وصور وإحساسات وإدراكات ومشاعر وانفعالات تستجيب للواقع والظروف المحيطة به وبالتالي هو مرحلة انتقالية من العقل المنفعل إلى الفاعل ، ووظيفته تمييز السلوك عن النشاط الفسيولوجي، وهو يتشكل بفعل قوة داخلية و خارجية مؤثرة على الانسان وعند الحديث عن هندسة الوعي في غزة لا نستطيع تجاوز الظرف الراهن وما يحدث من عمليات تدمير وابادة وقتل وتجويع وحصار واغلاق مما يشكل حالة حاضنة في هندسة الوعي نحو الخلاص الفردي بالمغادرة والرحيل.
ان استمرار استهداف الأعيان المدنية وقصفها بالقنابل والقذائف وتدمير مدن وقرى بأكملها أدى إلى تشريد مئات الالف من المدنيين، وهذا يشكل ايضا نوع من الصدمة النفسية للمواطنين في العلاقة ما بين المسكن والانسان ، اذ يشكل البيت والمسكن تتويجًا لجهود طويلة وهو فخر الأسر بأكملها، وعندما يرى مالك المنزل كيف يتمّ تدمير بيته في غضون ثوانٍ قليلة وتحويله إلى أنقاض فهذا يشكل صدمة نفسية كبيرة ، ولا يقتصر التدمير على تدمير المنزل بحدّ ذاته، بل يشمل أيضًا القضاء على مدخرات أسر بأكملها وعلى الذكريات وعلى الراحة التي يولّدها الشعور بالانتماء، كما يتسبب تدمير المباني والابراج السكنية بصدمات اجتماعية ونفسية من الصعب وصفها.
ان استهداف الابراج السكنية والمباني يشكل انتهاكا جسيما للقانون الدولي الانساني لاسيما للمادة (53) من اتفاقية جنيف الرابعة التي تحظر تدمير الممتلكات الخاصة الثابتة والمنقولة، كما تشكل انتهاكاً جسيماً لنص المادة (51) من البروتوكول الأول الملحق باتفاقيات جنيف التي تحظر الهجمات العشوائية، أي الهجمات غير الموجهة لهدف محدد أو لا يمكن حصر آثارها، وانتهاكا لنص المادة (33) من اتفاقية جنيف الرابعة التي تؤكد على أنه “لا يجوز معاقبة أي شخص محمي عن مخالفة لم يقترفها هو شخصيا، وتحظر العقوبات الجماعية وبالمثل جميع تدابير التهديد أو الإرهاب … تحظر تدابير الاقتصاص من الأشخاص المحميين وممتلكاتهم، ” كما تشدد المادة (52) من البروتوكول الإضافي الملحق في اتفاقيات جنيف الأربعة على أنه “إذا ثار شك حول ما إذا كانت عين ما تكرّس عادةً لأغراض مدنية مثل مكان العبادة أو منزل أو أي مسكن آخر أو مدرسة، إنما تستخدم في تقديم مساهمة فعالة للعمل العسكري، فإنه يفترض أنها لا تستخدم كذلك”.