الصحافه

غزة والضفة الغربية و”اليوم التالي”.. ترامب بالضوء الأخضر وسموتريتش بخريطة التطهير العرقي

غزة والضفة الغربية و”اليوم التالي”.. ترامب بالضوء الأخضر وسموتريتش بخريطة التطهير العرقي

ميخائيل ميلشتاين

حديث أدرته قبل بضع سنوات مع مسؤول كبير في السلطة الفلسطينية وفر نظرة لمستقبل بشع يتحقق كل يوم، وفي مركزه إمكانية بلوغ واقع دولة واحدة بين النهر والبحر. فقد شرح هذا المسؤول بأنه رغم أن معظم الإسرائيليين يتطلعون إلى حفظ الهوية اليهودية للدولة، تتشكل عملياً دينامية تتجاوز الإرادة والتخطيط: ثمة انصهار عميق بين إسرائيل والضفة؛ السلطة تضعف وعلى ما يبدو ستذوي، حتى بدون انهيار صاخب؛ وكل هذا سيؤدي إلى دمج الضفة بإسرائيل، دون أن يعطى للفلسطينيين حق مواطنة، ما سيثير ضغطاً دولياً داخلياً يلازم بذلك. وقال: “من هنا، فإن الدمج بين السكان والديمقراطية سيفعل فعله”.

ضم الضفة يتحقق حتى دون إعلان رسمي. في الخلفية تهديدات متعاظمة من وزير المالية بالقضاء على السلطة كجزء من خطته “لتغيير DNA “يهودا والسامرة”

وبالفعل، ضم الضفة يتحقق حتى دون إعلان رسمي. في الخلفية تهديدات متعاظمة من وزير المالية بالقضاء على السلطة كجزء من خطته “لتغيير DNA “يهودا والسامرة” (من تحت الرادار) والوصول إلى “نقطة لا عودة، بحيث لا تسمح للفصل بين الشعبين” اللذين يضرب العداء بينهما أرقاماً قياسية في الحرب. في الأسبوع الماضي، عرضت خطة عمل مفصلة لتحقيق رؤية تتطابق وخطة الحسم التي نشرها سموتريتش في 2017: ضم 82 في المئة من “يهودا والسامرة” (بما في ذلك قلقيلية وبيت لحم) وخلق جيوب على نمط “البانتوستانات”- دول مرعية مصطنعة أقيمت للسود في جنوب إفريقيا في عهد الأبرتهايد.

ستكون للضم تداعيات صادمة على إسرائيل، وأساساً في العلاقات الخارجية. واتخاذ خطوة كهذه رداً على تسونامي اعتراف دولي بدولة فلسطينية يشبه صب البنزين على جمر مشتعل. بداية، سيشدد الضم الضغط الدولي وعزلة إسرائيل بشكل يشعر به كل مواطن في الدولة، وأساساً نظراً للعقوبات في المجال الاقتصادي. ثانياً، ستتضرر العلاقات المهزوزة على أي حال مع العالم العربي. التهديد الأكبر يتعلق بالعلاقة مع مصر، التي تخشى “مؤامرة” لدحر الغزيين إلى أراضيها – بما في ذلك في ظل خطاب غريب في الإعلام الإسرائيلي مؤخراً عن “التهديد المتزايد” المحدق من القاهرة، والذي يتطابق مع تقارير طرحت في سياقات “قطر غيت”. في الخلفية توضح الإمارات بأن الضم سيهدد اتفاقات إبراهيم (إنجاز استراتيجي يتباهى به نتنياهو)، والأردن متحفز قبيل ضم محتمل للغور – خطوة ستضعضع العلاقة مع المملكة أكثر.

وسيطرح الضم أيضاً تحدياً حاداً في الداخل، وذلك في الوقت الذي تعيش فيه إسرائيل شرخاً داخلياً وتستعد لحرب في القطاع لا إجماع عليها. مثلما في احتلال غزة، فإن ضم “يهودا والسامرة” أيضاً سيجبي أثماناً استراتيجية دراماتيكية بما في ذلك احتدام التهديدات الأمنية في هذه المنطقة، وكلفة معالجة السكان الفلسطينيين الذين سيضمون، وكذا احتدام الاحتكاكات العنيفة التي ينفذها مستوطنون متطرفون – الميل الذي يبدو واضحاً الآن.

فضلاً عن ذلك، يؤكد خطاب الضم التساؤل حول الفرق المبدئي بين حزبي الليكود و”الصهيونية الدينية”، وهما جهتان تريان في السلطة الفلسطينية عدواً. وهكذا، رغم كون “الصهيونية الدينية” أقلية حسب الاستطلاعات، ولا يتوقع أن تجتاز نسبة الحسم في الانتخابات، فإنها تفرض رؤياها الفكرية على عموم الدولة بشكل يغير طابعها لسنوات عديدة – بدون استفتاء شعبي ولا مراعاة تداعيات هذه الخطوة على العلاقة مع العالم.

ومثلما في غزة، ومع غياب استراتيجية واعية، سيمتلئ الفراغ بالخيالات. في “يهودا والسامرة” يجد الأمر تعبيره في إحياء فكرة قديمة وفاشلة لإقامة “إمارات”، تترافق وفكرة قطع منطقة الخليل عن السلطة، وذلك بعد أن “اكتشف” بضعة شيوخ ادعوا استعداداً لإقامة “إمارة” في المكان، والانضمام إلى اتفاقات إبراهيم. مروجو الرؤيا أقل اهتماماً بحقيقة أن الأغلبية الساحقة من الفلسطينيين يرون في تلك الشخصيات عملاء على نمط “روابط القرى”، لذلك يروجون لمغامرة مشابهة في غزة من خلال تطوير ميليشيات مشكوك في أمرها (أساساً من عشيرة أبو شباب)، التي تعرف كـ “استراتيجي مستقبلي”.

في العقدة الحالية، يبدو أن ترامب هو الوحيد الذي بوسعه قطع الدوامة الاستراتيجية التي علقت فيها إسرائيل. هو الذي دفع لسحب خطة الضم في 2020 مقابل اتفاقات إبراهيم، وهو الذي اجبر على توقيع اتفاق النار السابق، وهو الذي يسمح الآن بمواصلة حرب يعارضها معظم العالم والجمهور في إسرائيل. لكن لا توجد حتى الآن مؤشرات ضغط على إسرائيل – في سياق غزة أو “يهودا والسامرة”.

كان أحد أسس المفهوم الذي انهار في 7 أكتوبر أنه يمكن المضي بالتطبيع مع العالم العربي حتى بدون الاهتمام بالفلسطينيين (الذين أتعبوا العالم)، وأنه لا ضرورة لاتخاذ قرارات حاسمة في القضية الفلسطينية بل “إدارة نزاع” واستقراره بضمادة “السلام الاقتصادي”. بعد نحو سنتين من ذلك، ظلت إسرائيل تتصرف في ضوء تلك السياسة إياها، لأن هوية أصحاب القرار لم تتغير ولم ينفذ أي تحقيق في إخفاق الماضي. ها هم يعيدون تكرارها ومفاقمتها. في مثل هذا الوضع، على الجمهور أن يطالب بما لا تعمل به القيادة، بما في ذلك جزء من المعارضة: بحث ثاقب ومعمق في العلاقة مع الفلسطينيين واجوبة واضحة، بلا شعارات غامضة، وترى المستقبل. في هذا الموضوع، دحر البحث في حملات الانتخابات السابقة إلى الهوامش، لكن يجب أن يقف على رأسها في المستقبل، فيما يكون الجمهور ملتزماً بإبداء تعلم من دروس 7 أكتوبر، وعلى رأسها التشكيك العميق بكل قول من فوق.

 يديعوت أحرونوت 7/9/2025

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب