التنازل عن الحقوق السياسية مقابل وعود الأمن

التنازل عن الحقوق السياسية مقابل وعود الأمن
إسرائيل قبل 20 عاما تقريبا قضت بشكل ممنهج على العديد من منظمات الجريمة في المجتمع اليهودي وكل فترة نقرأ في الصحف عن اعتقالاتٍ في المدن اليهودية والعمل الوقائي والمبادر. أما في قرانا ومدننا، تعجز الوسائل.
في أوائل شهر أيلول/ سبتمبر 2025، قام المسؤول عن مكافحة العنف والجريمة في المجتمع العربي، روئي كحلون، بإرسال رسالة للمستشارة القضائية للحكومة. فيها، يحمّل كحلون المستشارة كامل المسؤولية تجاه ما يحصل من عنفٍ وجريمة في المجتمع العربي.
وكذلك يدعي محلون بأنها تقوم بتكبيل أيدي الشرطة والسلطات، مطالباً بتخويل الشرطة بصلاحياتٍ لا تنتهي، منها إعلان منظمات الجريمة كمنظمات إرهابية.
للوهلة الأولى قد يرغب الكثيرون في تصديق هذا الحديث، أن دولة إسرائيل ومؤسساتها الأمنية كالشرطة فقيرة، ضعيفة وعاجزة أمام العصابات في الداخل الفلسطيني. لكن من الواجب التوقف لحظةً وبأن نتذكر الماضي وبأن لا ندع للخطاب المرهب أن يكون سيد الموقف. فمنذ قرابة 20 عاماً، كان الادعاء لدى الحكومات الإسرائيلية، بأن الطريقة الوحيدة لحل قضية الجريمة في المجتمع العربي هي عبر فتح المزيد من محطات الشرطة. بعد عشرين عاماً، محطات الشرطة أكثر من أي وقت مضى. ماذا كسبنا كفلسطينيين في الداخل من هذه السياسة؟ الجريمة تسجّل أرقاماً قياسية، والمنال الوحيد من هذه المحطات، هي خسارة موارد ثمينة في بلداتنا من أرضٍ وميزانيات وانتهاكات واضحة للحقوق السياسية، بالذات في المظاهرات الأخيرة ضد الحرب على غزة.
لكن قد يقول البعض، خطأ وانتهى. أما الذاكرة فتعود للعامين 2021 و2022، بعدما ازداد عاد المحطات. تغيرت كلمات الأغنية لدى الحكومات الإسرائيلية أما اللحن واحد. فبدأ نتنياهو وبينيت بالمطالبة بإدخال الشاباك إلى البلدات العربية، كحل للجريمة! كأن الشاباك لم يكن في هذه البلدت أبدا. وهنا نعود اليوم، لكحلون ومطالبه باستخدام قانون الإرهاب. يجب أن نسأل بعضنا جيداً، هل حقاً تغير شيء؟ فما زالت حكومات إسرائيل تدعي العجز وبأن الحلول هي فقط خرق المزيد من حقوقنا السياسية القليلة أصلاً.
في رأيي هذه السياسة كسابقاتها من الأغاني، ستهضم حقوقنا السياسية ولن نرى لها مقابلاً! لدى الشرطة العديد من التكنولوجيا والأدوات في المجتمع اليهودي الإسرائيلي. حتى في المدن المختلطة، نرى الاختلاف في الرد عند اختلاف هوية الضحية. عندها تشد السواعد وتصبح الوسيلة وسيلتين.
من المهم أن نتذكر، أن إسرائيل قبل 20 عاماً تقريباً، قضت بشكل ممنهج على العديد من منظمات الجريمة في المجتمع اليهودي. وكل فترةً نقرأ في الصحف عن اعتقالاتٍ في المدن اليهودية والعمل الوقائي والمبادر. أما في قرانا ومدننا، عندها تعجز الوسائل ونحتاج للمزيد من الانتهاكات للحقوق.
إن لم يكن ذلك كافياً، سأذكر حالةً مشابهة في الولايات المتحدة الأميركية. ففي أميركا، هنالك قوانين خاصة لمحاربة “منظمات ابتزاز المال والفساد”(RICO laws). في ولاية جورجيا، هذه القوانين تم توسيع نطاقها كثيراً، حتى أصبحت الأوسع في البلاد. في عام 2023، استخدمت السلطات هذه القوانين التي تدعي بها محاربة الجريمة، لاعتقال أكثر من 60 ناشطاً من حملة سياسية. فالشرطة تذرعت بأن النشطاء جزء من منظمة واستغلت القانون لمحاربة الحملة، التي تناهض أهدافها الشرطة في الولاية.
وبذلك ننهي بالسؤال، ما الحل؟ لئلا نقع في فخ الذين يهاجمون كل من يعارض بأنه لا يقترح أي بديل، سآتي على بعضها: أولاً، أن تستخدم الشرطة والسلطات ذات الوسائل في تقصي الجرائم لدى المجتمع اليهودي عند حل الجرائم في قرانا ومدننا. من قدرات تكنولوجية إلى استخباراتية، بدل تجنيد الوحدات ضد المظاهرات. ثانياً، على الشرطة القيام في عملها ليس فقط في حل جرائم القتل، بل كذلك في قضايا السرقة، جمع الخاوة وغيرها. ثالثاً، استخدام الموارد بشكل صحيح، بدل الصرف على محطات شرطة تبتلع الأراضي العامة ولا تأتي بنتيجة، مركز ثقافي أم متنزه للأطفال سيخفض الجريمة بنسب أعلى برأيي.
للخاتمة أذكر، إن تجربتنا وتجربة أميركا تعلمنا، بألا يجب التنازل عن المزيد من الحقوق السياسية لنحصل على الأمان. هذه المعادلة خاطئة من البداية ولا يجب تقبلها. كم بالحري وهذه المعادلة لم تأتينا بأية نتائج، بل فقط بتضحيات ندفع ثمنها يوماً بعد يوم. هل حان الوقت أخيراً لوقف هذه الأغنية، هل سنقدر أخيراً بتغيير هذه الألحان؟
*الكاتب باحث بمدى الكرمل وعضو إدارة بجمعية تأثير لتطوير قيادة محلية جماهيرية لمحاربة الجريمة والعنف بالمجتمع العربي.