كتب
البعد الإيماني في الفكر القومي العربي بقلم حسن خليل غريب
البعد الإيماني في الفكر القومي العربي
حسن خليل غريب
صدر عن دار الطليعة: بيروت: 2005
محتويات الكتاب
-مقدمــــة البحث:
-مقدمات نظرية عن العلاقة بين المنهجين المعرفيين الإيماني والعقلي.
الباب الأول
علاقة الفكرين القومي والديني بمفهوم البعث علاقة الثابت بالمتغير
الفصل الأول
البُعد الإيماني في فكر مؤسس البعث في مرحلة ما قبل المؤتمرات القومية:
أولاً: البعد الإيماني من خلال كتاباتـه الأدبيـة:
ثانياً: «في ذكرى الرسول العربي»، تأسيس للمقاربة بين البعد الإيماني الفلسفي والتجربة الروحية الإسلامية:
ثالثاً: بعد خطابه في «في ذكرى الرسول العربي»، وقبل المؤتمر التأسيسي، يؤكد البعد الإيماني بمعانيه الفلسفية:
رابعاً: مقررات المؤتمر القومي الأول، في العام 1947، تؤكد البعد الإيماني الفلسفي، بمضامينه القومية الفكرية:
خامساً: نتائج واستنتاجات:
الفصل الثاني
مرحلة ما بين المؤتمر التأسيسي والمؤتمر القومي التاسع (1947م – 1970م)
-تمهيد عن الرسالة الخالدة:
أولاً: البعد الإيماني تثبيت للمضامين الروحية، ونقد للتديُّن التقليدي:
ثانياً: المؤتمرات القومية من الثاني حتى العاشر (1954-1970): نقد لمظاهر الدين السلبية، وتأكيد الفكر القومي:
الفصل الثالث
مرحلـة ما بـين المؤتمرين القوميين العاشر والحادي عشر
أو مرحلة استنهاض الحركات السياسية الإسلامية:
أولاً: خطاب عفلق الإيماني استئناف لتوظيف كل العوامل في خدمة الثابت القومي العربي:
ثانياً: خطابه الإيماني يوحي كأنه يكتسب أبعاداً إيديولوجية إسلامية.
ثالثاً: هل يتقارب البعد الإيماني في فكر مؤسس البعث مع مقررات المؤتمر القومي الحادي عشر في (أيلول/ سبتمبر 1977م):
رابعاً-البُعد الإيماني بين فكر عفلق ومقررات المؤتمرات القومية:
الباب الثاني
خصومة مع الإسلام السياسي تشوِّش روابط العلاقة
والتجربة في السلطة تؤسس لحدود واضحة
الفصل الرابع
ما بين المؤتمرين الحادي عشر (1977م) والثاني عشر (1992م): عفلق : علاقة العروبة بالإسلام ملتبسة ومشوَّشة
أولاً: مصطلح مؤسس البعث الإيماني استئناف لمصطلحه السابق:
ثانياً:مفهومه الإيماني مرتبط بقضايا الأمة الراهنة:
ثالثاً: رؤية عفلق للإسلام مشوَّشة وملتبسة:
رابعاً: البعد الإيماني في مقررات المؤتمر القومي الثاني عشر:تأكيد دور الدين ورفض أهداف التيارات الدينية السياسية:
خامساً: إستنتاجات:
الفصل الخامس
إعادة التأليف بين مواقف مؤسس البعث المتباينة في علاقة العروبة بالإسلام
أولاً: معاني الروح عند المؤسس فلسفية وليست دينية:
ثانياً:اتجاهات المؤسس الإيمانية فلسفية تستفيد من الإسلام:
ثالثاً:دلالات الإسلام تاريخية وليست إيديولوجية:
رابعاً: الاتجاهات الإيمانية في مقررات الحزب فلسفية وليست دينية:
خامساً: اتجاهات مؤسس البعث الإيمانية وعلاقتها بالإسلام:
الفصل السادس
البعد الإيماني في فكر صدام حسين على ضوء التجربة في السلطة
مرحلة ما بين المؤتمرين القوميين الحادي عشر والثاني عشر (1977 – 1992م)
أولاً: مبادئ حزب البعث هي المبادئ المعاصرة للأمة العربية:
ثانياً: علاقة الديني بالقومي التقاء وتمايز:
ثالثـاً: التمييز بين الدين والحركات الدينية السياسية:
رابعـاً : هل في الدعوة إلى «القومية المؤمنة» حلٌّ لإشكالية العلاقة بين الفكر الديني والفكر القومي؟
خامساً: الرابط القومي ثابت والإيمان متعدد الوجوه:
الباب الثالث
في مواجهة التأويل لا بدَّ من النقد والتعليل
الإسلام، التاريخ والإيديولوجيا، بمنظار قومي معاصر
أولاً: أفكار عن الإسلام من الزوايا التاريخية والإيديولوجية:
ثانياً: أفكار عن القومية وعلاقتها بالإسلام التاريخ والإيديولوجيا:
ثالثـاً: أفكار عن علاقة القومية بالدين في التاريخ المعاصر:
مقدمــــة الكتاب
كثيراً ما التبست، في أذهان الكثيرين، مسألة إعلان إسلام مؤسس البعث بعد وفاته. وسرت التفسيرات والتأويلات شتى السبل. والكل يريد أن يعرف الأهداف من وراء ذلك الإعلان.
وبوضوح أكثر أحبط الإعلان آمال العلمانيين، ولم يأخذ الإسلاميون الموضوع على محمل الجد، وجنحوا بتفسيراتهم إلى نعي الفكر القومي، الذي كأنه أعلن إفلاسه بعد إعلان مؤسس البعث إسلامه. وشعر المسيحيون بالأسى وعادت إلى أذهانهم صورة ارتباط هوية العرب بالإسلام، وكأن العروبة للمسلمين وحدهم، وعادت صورة الماضي العثماني إلى أذهانهم عندما كان العرف السائد لا يميز آنذاك بين العربي والمسلم.
دفعنا ذلك الالتباس إلى أن نتتبع الإشكالية لكي نقدِّم حافزاً أمام الباحثين البعثيين ليولوها الاهتمام الكافي، ويبذلوا من أجلها الجهود التي تزيل كل التباس لحق بالبعد الإيماني عند مؤسس حزب البعث العربي الاشتراكي.
لم يحدد مؤسس البعث كل ما كان يريده من التراث، بل أطلَّ على القضايا الرئيسة التي تساعد على تأسيس نظرية قومية عربية خالصة، لا تخضع للتقليد أو لنسخ تجارب الشعوب الأخرى. ولذلك ،رأى بأن فكرة الحزب كانت رهاناً «على أصالة الأمة العربية وعبقريتها المبدعة»، وكان من غير الممكن أن يأتي من الصيغ الجاهزة، بل اكتفى بوضع إشارات وعلامات وملامح وخطوط أساسية، «تاركاً للأجيال العربية الصاعدة … أن تغني بتجربتها… هذه المؤشرات الثورية».
هناك من الأخطاء في تفسير بعض أقوال عفلق الشيء الكثير إذا ما حاول الباحث أن يسلخ بعض أقواله عن مجمل منهجه الفكري. ونقصد تلك الأقوال التي تحمل شحنات عاطفية ووجدانية، كمثل «العروبة جسد، روحها الإسلام»، و«القومية حب قبل كل شيء»… فهي إنما ترتبط، فقط، بمنهج عفلق المعرفي، أي طريقته في إنتاج المعرفة وإيصالها. فتصبح مسألة تحديد منهجه المعرفي في غاية الأهمية. وهنا لا بُدَّ من أن نحمِّل تلك العبارات، إذا ما اقتُطِعت ووُضِعت خارج منهجه المعرفي، مسؤولية تضليل كل من يريد أن يُدخلها في باب التأويل.
قد يكون الالتباس الذي ترسَّخ في أذهان من أراد أن يتعرَّف أصول البعد الإيماني في فكر عفلق، عن طيب نيّة أو عن سوئها، صادراً عن الابتعاد عن معرفة الأصول الفكرية التي استند إليها وعدَّها من الثوابت التي لن يلغيها تأويل من هنا، أو تفسير من هناك. فربط البعض علاقة العروبة بالإسلام ربطاً مفتعلاً بحيث لم تظهر عند أولئك مسألة التمايز بين «الإسلام»، كمحتوى روحي متغير، و«العروبة»، كمحتوى اجتماعي سياسي ثابت.
وهناك تعميم آخر قد يكون أكثر ما استدعى التفسيرات والتساؤلات، عندما ظهر عفلق وكأنه لا يميز بين العروبة والإسلام، خاصة وأنها جاءت في عبارات واضحة: مثلاً، «لا يوجد عربي غير مسلم»، ومدى صدق انتماء العربي إلى العروبة هو أن يكون مسلماً، فمن هنا، يستنتج عفلق أن «العروبة تعني الإسلام» ( ).
لعب التعميم الذي أضفاه منهج مؤسس البعث المعرفي دوراً في توليد تلك الالتباسات، خاصة وأنه ، كما توصلنا من خلال بحثنا عن فكره منذ أواسط السبعينيات من القرن العشرين، أغرق في إدماج رؤيته للتاريخ الإسلامي بالإيديولوجيا الإسلامية. فتخيَّل عدد واسع من قارئيه أنه لا حدود فاصلة بين التاريخ والإيديولوجيا في فكره. بينما لو عادوا إلى قراءة مواقفه ضد تأسيس دولة دينية لساعدتهم على رؤية حقيقية لما كان مؤسس البعث يريده من نظرته للعلاقة بين العروبة والإسلام.
وفي المقابل لم نجد في المؤتمرات القومية ما يوازي اتجاهات مؤسس البعث حول تميُّزه في رؤية العلاقة بين العروبة والإسلام، بل احتوت على بعض القضايا الرئيسة التي تتناول البعد الروحي في فكر الحزب بشكل عام، ولا تقترب مقررات تلك المؤتمرات من ملامسة المسألة الدينية بأكثر من نقد للمذهبيات الدينية والإشارة إلى دورها السلبي في منع وجود حالة تماسك وحدوي بين التنوعات المذهبية أو الدينية في المجتمعات القطرية كلها بشكل خاص، تنعكس سلباً على المجموع القومي بشكل عام.
كما أشار بعض المؤتمرات القومية، وبشكل خاص المؤتمر القومي الثاني عشر الذي انعقد في أواخر العام 1992م، إلى خطورة الظاهرة الدينية السياسية التي كانت متروكة لقمة سائغة تقوم القوى المعادية للعمل الوحدوي القومي باستغلالها في غير مصلحة الأمة العربية.
ومن خلال متابعتنا لتلك الإشكالية في المصادر التي سجَّلت مواقف صدام حسين، الأمين العام لحزب البعث، وجدنا أن له إسهامات جدية في محاولة توضيح تلك العلاقة بشكل علمي، خاصة من خلال نظرته إلى تلك العلاقة من خلال ثلاثة أبعاد، وهي:
البعد الأول: مقاربته لعلاقة التراث الديني بالفكر القومي ، على قاعدة الاستفادة من التراث الديني بما يزرع حوافز لدى الأمة للاستنهاض، وبما يجعل من التراث قاعدة للتجديد والنظر إليه بعين المعاصرة التي لا تتناقض مع روح العصر الذي يُستعاد فيه.
البعد الثاني: ويتمثل بفهم مدى العلاقة بين الفكر الديني والفكر القومي؛ فنجد أن الأمين العام يشدد على منع البعثيين من أن يتحولوا إلى رجال دين، وعلى ألاَّ يحاوروا الحركات الدينية مستندين إلى الإيديولوجيا الدينية ً، لأن الحركات الدينية أقدر على إدارة الحوار من البعثيين في الفكر الديني. أما البعثيون، من خلال تداخل الخنادق مع الحركات الإسلامية، وعلى قاعدة الحوار معها على أساس إيديولوجي فقد يوجِّهون سهامهم تجاه أهداف غير الأهداف القومية الحقيقية.
البعد الثالث: منع التداخل بين وظائف الدولة ووظائف الدين، لأن غرق أجهزة الدولة في معالجة شؤون الناس بمناظير دينية قد يغرقها في متاهات الخلافات المذهبية.
ولأن المقاييس التي يستند إليها الأمين العام، في تقييم المواطن، هي مدى قيامه بعمله تصبح الانتماءات الدينية في دائرة الاختيار الفردي، بحيث يعترف حزب البعث بحق كل مواطن في اختيار العقيدة الروحية.
أما المسافة التي يراها الأمين العام فاصلة بين موقع الفرد قومياً ووطنياً وموقعه من حرية الاعتقاد الديني فهي رفض للإلحاد والدعوة إلى اختيار طريق الإيمان. ولهذا السبب دعا إلى شعار «القومية المؤمنة».
لكن أحدث هذا الشعار، بدوره، عدداً من الالتباسات في أذهان القوميين والعلمانيين بشكل عام والبعثيين بشكل خاص. وكان مصدر تلك الالتباسات يعود إلى نقص ثقافي مرده عدم مواكبة فكر الأمين العام بشكل شمولي، فكانت قراءتهم الناقصة سبباً لوقوعهم في استنتاجات سريعة. وكان من أهم مظاهرها سطحية في الاستنتاجات برزت عندما ربط القارئ الإيمان الديني، كمفهوم روحي عام، بالإيمان الديني الإسلامي، كإيديولوجية دينية تتعارض في جوانب عديدة منها مع الإيديولوجيات الدينية الأخرى.
لمثل تلك الأسباب قمنا بمحاولة للتمييز بين التاريخ الإسلامي والإيديولوجيا الإسلامية في فكر الأمين العام من جهة، ومن جهة أخرى قمنا بمحاولة لتعريف مفهوم إيماني ديني عام يقارب بين الواقعية الفلسفية التي لها علاقة بثنائيات «الروح والجسد»، و«المادة والروح»… من جهة، واحترام الحزب لحرية الاعتقاد الديني من جهة أخرى.
لقد قمنا بقسط مما أوجبه الحزب علينا من واجبات البحث العلمي. فإذا أصبنا فنحن نؤدي خدمة لفكر الحزب، وإذا أخطأنا فلنا العذر في أننا قمنا بمحاولة لم يُكتب لها النجاح، إلاَّ أنها لا تخلو من فائدة تسليط الضوء على مسألة يختلف البعثيون حولها.
لبنــان في 17/ 7/ 2005 حسن خليل غريب