مقالات

السياسات الإسرائيلية في أصلها توسعية  بقلم الدكتور  يوسف مكي

بقلم الدكتور  يوسف مكي

السياسات الإسرائيلية في أصلها توسعية
 بقلم الدكتور  يوسف مكي
مارس الكيان الإسرائيلي، منذ تأسيسه سياسات تكتيكية، أوحت أن جل ما يريده هو تحقيق السلام، واعتراف جيرانه بوجوده. لكن الرصد الدقيق لسياساته، منذ لحظة تأسيسه في نكبة عام 1948، يشي بغير ذلك.
ففي إعلان ديفيد بن غوريون لبيان الاستقلال، قال بالحرف الواحد “لقد أقمنا دولتنا على جزء صغير من أرضنا، وسيكون علينا استمرار القتال، لكسب البقية من أرض إسرائيل”. والقول بجزء صغير لا يعني فقط إضافة البقية الباقية من فلسطين التاريخية: الضفة الغربية والقدس الشرقية وقطاع غزة، بل يشمل أجزاء من أقطار عربية أخرى.
وحين وصل موسى شاريت إلى رئاسة الحكومة الإسرائيلية في الفترة من كانون الثاني/ يناير عام 1954 إلى تشرين الثاني/ نوفمبر 1955، أكد أن استمرار بقاء إسرائيل، يتطلب منها أن تكون مشروع حرب مستمر ضد العرب، بحيث لا يتمكنون من امتلاك القدرة على إلحاق الهزيمة بجيشنا.
لم تمض على تصريحات شاريت سوى أقل من ثمانية أشهر، حتى بدأ العدوان الثلاثي الغاشم على مصر. وقد انتهى ذلك العدوان بهزيمة سياسية لقوى العدوان، انهت الحياة السياسية لرئيس الحكومة البريطانية أنتوني ايدن ونظيره الفرنسي غي موليه، وبقي بن غوريون الذي عاد إلى رئاسة الحكومة قبل العدوان، في موقعه.
وليس من شك في ان الموقف التضامني العربي، والانذار الروسي، ونأي الرئيس الأمريكي دوايت أيزنهاور، عن مساندة إسرائيل كان لهما الأثر الكبير في دحر العدوان. فالسوريون تضامنوا بالكامل مع مصر، والسعودية استقبلت الطائرات المصرية، لمنع تدميرها، وظلت آمنة في مطاراتها، حتى نهاية العدوان. والإنذار الروسي، تضمن تهديدا بضرب لندن وباريس بالقنابل النووية، أما إسرائيل فأشار الإنذار إلى شكوكه في وجودها بعد تنفيذ الإنذار. وسواء عمل السوفييت على تنفيذ إنذارهم أم أن ذلك كان مجرد تهديد، فإن الذي لا شك فيه، أن بريطانيا وفرنسا وإسرائيل لم يكونوا يملكون رفاهية الانتظار والتجريب.
وقد كان شاريت دقيقا في توصيفه، بأن إسرائيل لن تسمح في كل الأحوال ببناء قوة عربية ضاربة. ففي الخامس من حزيران/ يونيو 1967، شنت إسرائيل حربا شاملة على مصر وسوريا والأردن، انتهت باحتلال شبه جزيرة سيناء بأكملها وقطاع غزة، من مصر، ومرتفعات الجولان السورية، والضفة الغربية والقدس الشرقية.
الحرب الوحيدة، التي بادر العرب إلى شنها ضد إسرائيل، هي حرب تشرين/ أكتوبر 1973, وكان الهدف المعلن منها هو تحرير الأراضي المصرية والسورية التي تم احتلالها في حرب يونيو/ حزيران. ولكن ما تكشف لاحقا أنها كانت حرب تحريك، هدفت إلى كسر الجمود في عملية السلام. ولذلك توقف القتال، بعد عبور الجيش المصري لقناة السويس، وتمكن الجيش السوري من استعادة مدينة القنيطرة، بمرتفعات الجولان، أما الضفة الغربية والقدس الشرقية، بقيتا خارج المعادلة، كون الأردن لم يشارك في تلك الحرب. وفي نهاية تلك الحرب، كان أرييل شارون قد تمكن من عبور ثغرة الدفروسوار، غرب قناة السويس.
وقد وجد السياسي المخضرم، هنري كيسنجر، مستشار الرئيس ريتشارد نيكسون، لشؤون الامن القومي، فرصة في انتقال مبادرة السلام، إلى بلاده. وأنشأ علاقة خاصة بالرئيس المصري أنور السادات، تمخضت عن مقولات ثلاث: أن 99 في المائة من أوراق الحل هي بيد الولايات المتحدة وأن حرب تشرين/ أكتوبر هي آخر الحروب، وأنه لا رجعة للتحالف الاستراتيجي مع الاتحاد السوفييتي. وهكذا كانت الغنائم الأمريكية جراء معركة العبور كبيرة جدا، انتهت بانتقال استراتيجي في تحالفات مصر.
العدوان الإسرائيلي، على لبنان، كان عملية إسرائيلية مستمرة، منذ التأسيس عام 1948، وحينها لم تكن هناك مقاومة فلسطينية أو لبنانية، وكان عدد من الزعماء اللبنانيين يبشرون بتحقيق السلام مع إسرائيل.
لن نستغرق طويلا، في تقديم جرد للاعتداءات الإسرائيلية على بلد الأرز، وما أردناه هو التأكيد على أن استمرار العدوان على لبنان وسوريا، وقطاع غزة، والضفة الغربية هو الدافع لانبثاق حركات المقاومة. وقد تعرضنا إلى ذلك بشيء من التفصيل في أحاديث سابقة، ولن نعود لذلك مرة أخرى.
فحدث السابع من أكتوبر، 2023، لا ينبغي قراءته معزولا عن النهج التوسعي لإسرائيل، وضمنه حرب الإبادة التي تجري في قطاع غزة، والتي قال الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش أنه لم يشهدها مثلها طيلة حياته. وقد جاء ذلك بعد تقرير صادر عن لجنة تحقيق دولية أفادت بأن ما يحدث في غزة هو حرب إبادة مكتملة الأركان. وللأسف فإن هذه الحرب، تشن بإسناد ودعم كامل من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وحده. لقد انقسم العالم بأسره، بين مطالب بوقف الحرب ضم جميع دول العالم، وبين إسناد وحيد لها، تقوده الإدارة الأمريكية.
ينبغي استمرار الضغط العالمي، بكافة الوسائل، لوقف حرب الإبادة، وسياسة الحصار والتجويع والتعطيش التي يتعرض لها أشقاؤنا في غزة، وهو استحقاق لا ليس بالإمكان تجاهله… استحقاق يفرضه انتماؤنا الديني والقومي والأخلاقي. فلا يعقل أن يقف العالم بأسره مطالبا بوقف حرب الإبادة التي يتعرض لها أشقاؤنا، بينما نقف نحن أصحاب القضية، متفرجين تجاه ما يجري. لا يد من صحوة ضمير، حتى وإن كانت متأخرة، فأن تصل متأخرا، خيرا من ألا تصل أبدا.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب