حكومة وحدة وطنية فلسطينية: استحقاق الاعتراف الأوروبي وترتيب البيت الداخلي

حكومة وحدة وطنية فلسطينية: استحقاق الاعتراف الأوروبي وترتيب البيت الداخلي
بقلم:رئيس التحرير الاعتراف الأوروبي بالدولة الفلسطينية شكّل منعطفاً سياسياً فارقاً في مسار النضال الفلسطيني، وأعاد القضية الفلسطينية إلى واجهة الاهتمام الدولي. هذا الاعتراف، مقروناً بخطاب الرئيس محمود عباس أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، يفرض على الفلسطينيين مسؤولية تاريخية لترتيب البيت الداخلي والشروع بخطوات عملية تؤسس لمرحلة انتقالية جديدة عنوانها: توحيد الجغرافيا والسيادة والمؤسسات تحت راية دولة فلسطين المستقلة وعاصمتها القدس.
حكومة وطنية ببرنامج انتقالي محدد
لقد شكلت حكومة الوفاق الوطني الفلسطيني برئاسة دولة الدكتور رامي الحمدالله تجربة مهمة في تاريخ العمل الوطني الفلسطيني، ويمكن البناء على هذه التجربة وتطويرها بما يتلاءم مع متطلبات المرحلة الراهنة. المطلوب اليوم حكومة وحدة وطنية من التكنوقراط تُعطى صلاحيات كاملة، على أن يكون برنامجها محدداً بسقف زمني واضح كمرحلة انتقالية، يتضمن:
- الإعداد لإجراء انتخابات عامة تشمل الرئاسة، مجلس النواب، وسائر المؤسسات المنبثقة عن الدولة الفلسطينية المستقلة، بما يعزز الشرعية على أساس الدستور والقانون.
- الانتقال من مؤسسات الحكم الذاتي إلى مؤسسات الدولة الفلسطينية، مع توحيد القوانين والأنظمة، وتكريس مبدأ سيادة القانون.
- توحيد المؤسسات والأجهزة الرسمية على قاعدة الشراكة الوطنية والشفافية والمساءلة.
- إعادة إعمار قطاع غزة وتوحيد الجغرافيا الفلسطينية تحت سلطة الدولة.
استنهاض القطاعات الحيوية
المرحلة الانتقالية ينبغي أن تترافق مع خطة إصلاح وطنية شاملة تشمل:
التعليم والتربية: تطوير المناهج الوطنية وتعزيز الهوية الفلسطينية، والاستثمار في الجامعات والبحث العلمي.
الصحة: إعادة هيكلة النظام الصحي وتطوير المستشفيات والمراكز الطبية.
القضاء: تطوير الجهاز القضائي وضمان استقلاليته، بما يكفل العدالة وسيادة القانون.
محاربة الفساد: تفعيل محكمة مكافحة الفساد، فتح الملفات المجمدة، ورفع الغطاء عن كل من يثبت تورطه في قضايا اختلاس أو استحواذ على المال العام، مع استرداد الأموال المنهوبة وتوظيفها في مشاريع وطنية.
البعد الدولي والاقتصادي
إلى جانب الإصلاح الداخلي، على الحكومة الوطنية المقبلة أن تعمل على:
- استكمال الانضمام إلى المؤسسات والمنظمات الدولية لتثبيت مكانة دولة فلسطين وتعزيز موقعها القانوني والسياسي.
- تعزيز العلاقات الاقتصادية مع الدول العربية والإسلامية وربط الاقتصاد الفلسطيني بالاقتصاد العربي والإقليمي.
- العمل على صك عملة فلسطينية مستقلة مدعومة بالودائع الفلسطينية المجمدة في الخارج، وفتح حوار مع بريطانيا لاسترداد الودائع التاريخية كغطاء للجنيه الفلسطيني.
- استقطاب الدعم المالي العربي والأوروبي لمشاريع استراتيجية في الزراعة، البنية التحتية، والطاقة المتجددة.
غطاء عربي وأوروبي للحكومة
من الضروري أن تحظى الحكومة الفلسطينية المقبلة بثقة المجتمع الدولي، وبغطاء سياسي ومالي من الدول العربية والإسلامية، إضافة إلى دعم أوروبي مباشر. هذا الغطاء سيمنحها القدرة على تنفيذ برامجها التنموية، ويحول دون ابتزاز الاحتلال الذي طالما استغل تبعية الاقتصاد الفلسطيني والتحكم بالاقتصاد الفلسطيني ومصادرة اموال المقاصه.
خاتمة
إن تشكيل حكومة وحدة وطنية فلسطينية ببرنامج انتقالي واضح ومحدد زمنياً هو ضرورة وطنية واستحقاق سياسي لالتقاط اللحظة التاريخية التي أتاحها الاعتراف الأوروبي بالدولة الفلسطينية. هذه الحكومة، إن أُعطيت صلاحيات حقيقية، يمكن أن تتحول إلى رافعة توحيد الجغرافيا والمؤسسات، وإطلاق مرحلة بناء الدولة الفلسطينية المستقلة على أسس الشفافية والعدالة وسيادة القانون، وصولاً إلى تعزيز صمود الفلسطينيين وتحقيق حلمهم بالحرية والاستقلال وعاصمتهم القدس.