الحلم الأمريكي بين سراب الوعود وانكسار الواقع

الحلم الأمريكي بين سراب الوعود وانكسار الواقع
قراءة نقدية في قصة : للكاتب رحال أمانوز
للناقد : بوشتى جامعي
النص :
قصة قصيرة : الحلم الامريكي .
.
بقلم : رحال امانوز .
وقف في آخر الطابور … قبله ثلاثون فردا ينتظرون : شباب وكهول وعجزة وأطفال … أخيرا وصل عند موظفة الإستقبال . سلمها الأوراق والجواز … ردتهم إليه بعد تفحصهم بعناية بالغة . أمره حارس بافراغ جيوبه من محتوياتها . أمره برفع يديه واخضعه لجهاز الكشف . رنين خافت انطلق من الجهاز . بادره الحارس :
واش نسيتي شي حاجة ؟ . أجاب بصوت مرتبك : سمح لي نسيت السمطة !
رفع معطفه ونزع الحزام من وسطه …
حارس آخر رافقه إلى غرفة جانبية . المكان غاص بحراس غلاظ شداد . أمروه بافراغ جيوبه من جديد واخضعوه للكشف . سلمت له < جوتونة > بها رقم 9 .فال سيء ! تشاءم في قرارة نفسه من الرقم . ستعاد له لوازمه بعد المقابلة … بيده اليمنى يحمل ملفا أزرق اللون يحتوي على الجواز وبعض الوثائق … في الشباك الأول سلم جوازه لموظف . سجل معلومات واعاده له . في الشباك الثاني رفعت موظفة أمريكية ضاحكة بصماته على جهاز إلكتروني …هو الآن في الطابور يستعد لإجراء المقابلة …
منذ شهر كامل وهو منهمك في جمع الوثائق للحصول على < الفيزا > . وتحقيق حلم ظل يراوده منذ سنوات عديدة : < الحلم الأمريكي > الذي يتمنى الجميع تحقيقه … منذ حصوله على شهادة الباكالوريا . وهو يشارك كل سنة في القرعة الأمريكية . لكن الحظ لم يحالفه … هو الآن حاصل على شهادة الماستر . ويعمل بالقطاع الخاص باجرة لا تناهز الخمس آلاف درهم شهريا … أجرة لن تحقق له العيش الكريم . رغم قضائه سنين عديدة في الدراسة والتحصيل … ولن ينس معاناة والديه وتضحيتهما في سبيل تكوينه . كيف يستطيع رد جميلهما بهذه الأجرة ؟ بل كيف يمكنه فتح بيت الزوجية ؟ وهو ينتظر على احر من الجمر . ان يجمعه سقف واحد مع شريكة العمر !…
فليستعد : ها قد حان دوره . ولكن حظه العاثر وضعه بين يدي موظف عربي … عرف بصرامته ورفضه التأشيرة لأغلب طالبيها . كان يمني نفسه أن يستجوب من طرف الموظفة الأمريكية . المعروفة بطيبوبتها وتساهلها … تقدم نحوه … امطره بسيل من الأسئلة … وضع له فخاخا لم ينج منها … وكأنه كان يعرف ان صاحبنا ليس غرضه من طلب التأشيرة السياحة وزيارة الأقارب … بل < الحريك > إلى بلاد الماريكان … ابتسم له ابتسامة ماكرة …ورفض تسليمه وصل الحصول على التأشيرة الموعودة …
خرج من المكتب شبه فاقد للوعي …كانت صدمته قوية … لم تعد رجلاه تحملانه …خرج من القنصلية في حالة ذهول . كأنه تحت تاثير مخدر . كان أمله كبيرا و سهر الليالي الطوال وهو يحفظ كل المعلومات : اسم قريبه وعنوانه وعمله والمدينة والرمز البريدي … اظلمت الدنيا في عينيه . بدأ يحاسب نفسه عن عدم تركيزه في الاجابة . ربما ارتكب خطأ في كتابة المعلومات . ربما أخطأ في شيء ما … لا يمكن ؟ …لا يمكن ؟ … لايمكن ؟ …
طوووط طوووط !!!صوت منبه قوي يخترق أذنيه … غييييييط !!! غيييييط !!! وحشرجة فرامل قوية على الأسفلت … ايقظته من غفوته … سيارة سوداء تندفع بسرعة جنونية نحوه ! … في ثوان مر شريط حياته أمام عينيه ؟… بعدها تجلى له : تمثال الحرية … العلم الأمريكي … الطائرة … ثم السحاب … فارق الحياة ويده تقبض بإصرار على ملف أزرق …
الدارالبيضاء / المغرب / 2022
تهدف هذه الدراسة إلى تحليل قصة “الحلم الأمريكي” لرحال أمانوز من منظور سردي–رمزي، حيث تكشف القصة عن مأساة جيل عربي يسعى إلى تحقيق “الحلم الأمريكي” باعتباره خلاصًا وجوديًا واقتصاديًا، لكنه يصطدم بواقع البيروقراطية والإقصاء والخذلان. تنتهي القصة بموت البطل على أبواب القنصلية وهو يقبض على “ملف أزرق”، رمزًا لوهم الحلم. تعتمد الورقة على مقاربة سردية ودلالية لتفكيك عناصر النص، من البناء الدرامي إلى الرموز المركزية، بهدف إبراز دلالة النص في سياقه الاجتماعي والثقافي.
الكلمات المفتاحية: القصة القصيرة – الحلم الأمريكي – الرمزية – الاغتراب – السرد العربي المعاصر
المقدمة
يمثل “الحلم الأمريكي” واحدًا من أكثر المفاهيم إغراءً في المخيال الجمعي العربي خلال العقود الأخيرة، حيث يُنظر إليه بوصفه أفقًا للخلاص الفردي والجماعي من أزمات الفقر والبطالة والانسداد الاجتماعي. غير أن الأدب العربي كثيرًا ما واجه هذا الحلم بسرديات مضادة تكشف عن هشاشته وزيفه¹. في هذا السياق تأتي قصة رحال أمانوز “الحلم الأمريكي” لتعيد إنتاج هذا الوهم في صورة مأساة فردية تختزل خيبة جيل كامل
المنهج
تعتمد هذه الورقة على مقاربة سردية–رمزية تقوم على ثلاثة مستويات:
1. تحليل البنية السردية للكشف عن دينامية التوتر والتصاعد الدرامي².
2. تفكيك الرموز المركزية (الملف الأزرق، الرقم 9، تمثال الحرية…).
3. ربط النص بسياقه الاجتماعي والثقافي لتبيان البعد الجماعي وراء التجربة الف
التحليل
1. البنية السردية
يتصاعد السرد من مشهد الانتظار المهين: “وقف في آخر الطابور … قبله ثلاثون فردا ينتظرون: شباب وكهول وعجزة وأطفال…”، إلى إجراءات التفتيش التي تحوّل الجسد إلى موضوع للمراقبة: “أمره بافراغ جيوبه… رنين خافت انطلق من الجهاز…”.
ويبلغ التوتر ذروته في المقابلة، حيث يجد البطل نفسه أمام موظف عربي يصفه النص بأنه “عرف بصرامته ورفضه التأشيرة لأغلب طالبيها”. هذا المسار السردي يحقق ما يسميه تودوروف “الحبكة المأساوية”، حيث تبدأ القصة بأمل وتنتهي بانكسار⁴.
2. الثيمات الكبرى
الحلم الأمريكي كسراب: البطل يعيش على أمل الخلاص من وضع اجتماعي هش، إذ يقول السارد: “ويعمل بالقطاع الخاص بأجرة لا تناهز الخمس آلاف درهم شهريا… أجرة لن تحقق له العيش الكريم”. غير أن هذا الأمل ينتهي إلى رفض قاسٍ، ليبقى الحلم مجرد وهم.
الاغتراب الداخلي: رغم جهده الدراسي، يظل عاجزًا عن تحقيق حياة كريمة: “كيف يستطيع رد جميل والديه بهذه الأجرة؟ بل كيف يمكنه فتح بيت الزوجية؟”. هذا ينسجم مع ما يسميه سعيد “الاغتراب المزدوج”، حيث لا يجد الفرد موقعًا آمنًا لا في الداخل ولا في الخارج⁵.
العنف البيروقراطي: الأرقام والملفات والانتظار تجرّد الفرد من هويته الإنسانية، كما في قوله: “سلمت له جوتونة بها رقم 9… ستعاد له لوازمه بعد المقابلة”. وهو ما يذكّر بتحليلات فوكو للسلطة الانضباطية التي تجرّد الأفراد من فردانيتهم⁶.
الموت كخاتمة وجودية: لحظة الانهيار تتجسد في العبارة المكررة: “لا يمكن؟ … لا يمكن؟ … لا يمكن؟”، ثم النهاية الصادمة: “فارق الحياة ويده تقبض بإصرار على ملف أزرق”. هنا يتجلى موت هنا يتجسد موت الحلم في موت الجسد
3.الرمزية
الملف الأزرق: يظل البطل ممسكًا به حتى موته، ما يحوله إلى رمز للكفن والوهم معًا.
الرقم 9: لحظة استلام “الجوطونة” يشير النص: “تشاءم في قرارة نفسه من الرقم”، مما يشي بقدر محتوم.
تمثال الحرية والطائرة: لا يراهما إلا في لحظة الاحتضار: “تمثال الحرية… العلم الأمريكي… الطائرة… ثم السحاب…”، بما يؤكد أن الحلم لم يكن سوى صورة ذهنية، لا واقعًا.
السيارة المسرعة: تمثل قوة العالم الحديث التي تسحق الفرد بلا رحمة
النتائج
النص يقدم تشخيصًا مأساويًا لوضعية الشباب العربي العالق بين انسداد الداخل ووهم الخارج.
الموت الرمزي والجسدي للبطل هو موت جيل كامل يطارد أوهام الهجرة.
القصة تكشف عن وعي نقدي بآليات الهيمنة، من البيروقراطية إلى الصورة المصدّرة عن “الحلم الأمريك
الخاتمة
إن قصة “الحلم الأمريكي” لرحال أمانوز نص قصير في حجمه، لكنه شديد الكثافة في دلالاته. فهي تكشف، عبر سرد متوتر ورموز متعددة، عن مأساة جيل يسعى للخلاص من وضعه الاجتماعي عبر الهجرة، لكنه يجد نفسه في النهاية أسير الوهم والموت. بذلك تنتمي القصة إلى أدب مقاومة السرديات الكبرى، حيث يتحول “الحلم الأمريكي” من أفق للحرية إلى قناع للخذلان.
الهوامش والمراجع
1. سعيد، إدوارد. الثقافة والإمبريالية. ترجمة كمال أبو ديب، بيروت: مؤسسة الأبحاث العربية، 1997.
2. بنكراد، سعيد. سيميائيات النص. الدار البيضاء: أفريقيا الشرق، 2003.
3. الغذامي، عبد الله. الخطيئة والتكفير. بيروت: المركز الثقافي العربي، 1985.
4. تودوروف، تزفيتان. مدخل إلى الأدب العجائبي. ترجمة منذر عياشي، دمشق: وزارة الثقافة، 1991.
5. سعيد، إدوارد. الاستشراق. ترجمة كمال أبو ديب، بيروت: مؤسسة الأبحاث العربية، 1981.
6. فوكو، ميشيل. المراقبة والمعاقبة. ترجمة جورج أبي صالح، بيروت: دار النهار، 1994.
7. بركات، هشام. المتخيل الشعبي في الثقافة العربية. القاهرة: دار الهلال، 2001.