مقالات

تصعيد الضغوط الأميركية ومطالبات بخطوات لوقف وصول الأموال إلى المقاومة بأيّ ثمن: سؤال الدبلوماسية والاستخبارات: ماذا بقي لدى حزب الله؟

تصعيد الضغوط الأميركية ومطالبات بخطوات لوقف وصول الأموال إلى المقاومة بأيّ ثمن: سؤال الدبلوماسية والاستخبارات: ماذا بقي لدى حزب الله؟

ابراهيم الأمين

هل يُعاد عرض الفيلم من جديد؟ سؤال يفرض نفسه في ضوء سلوك بنيامين نتنياهو الذي يترك الباب مفتوحاً أمام مفاجآت من هذا النوع. العام الماضي، حين توجّه إلى نيويورك، حمل معه مفاجأته الاستراتيجية المتمثّلة في اغتيال الأمين العام لحزب الله الشهيد السيد حسن نصرالله، فاتحاً باب مواجهة هي الأولى من نوعها ضد المقاومة في لبنان، استمرت أكثر من شهرين وانتهت باتفاق يُجمع اللبنانيون على أنه لم يكن متيناً بالقدر الكافي.

غير أن الأمر الأساس هو أن إسرائيل لم تكن وحدها في تلك الجولة. فهي لم تكن لتطلب الإذن من الأميركيين لعملياتها العسكرية، سواء في لبنان أو في فلسطين، ومضت في خطتها لتدمير القدرات العسكرية السورية بعد سقوط نظام بشار الأسد، ضمن آلية منسجمة تماماً مع المصالح الأميركية.

والحصيلة أن إسرائيل انتزعت دعماً غير مسبوق من الولايات المتحدة أولاً، ومن دول غربية وعربية ثانية، في حربها ضد محور المقاومة بقيادة إيران. وهو دعمٌ تجلّى بوضوح في الحرب التي شُنّت ضد إيران في حزيران الماضي، والتي جاءت أيضاً عقب زيارة خاصة لنتنياهو إلى واشنطن في نيسان، عندما أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب استئناف المفاوضات مع طهران. يومها، اعتبر كثيرون إعلان ترامب أشبه بسكب مياه باردة على رأس نتنياهو، لكنّ الأمور تكشّفت لاحقاً، عندما اتّضح أن سلسلة اجتماعات سرية عُقدت بين نتنياهو وترامب، تبيّن أنها كانت لمناقشة ما هو أبعد من الحرب على غزة أو لبنان، وشكّلت أساساً لبرنامج عمل يشمل ترتيبات تخصّ المنطقة برمّتها.

خلال الأيام المقبلة، من المقرّر أن يزور نتنياهو الولايات المتحدة ويلتقي بالرئيس ترامب، وكما سيلقي كلمة أمام الأمم المتحدة. وسيقوم مرة جديدة بالاستعراض الذي يحب بالحديث عن إنجازات جيشه ضد «أشرار العالم»، ولا أحد يعلم ما إذا كان هذه المرة سيتحدّث عن وجود أسلحة دمار شامل في دولة عربية ما، تمهيداً لضربها كما فعل في ساحات أخرى.

والتجربة تشير إلى أن نتنياهو، رغم ضرورة أخذ عناصر شخصيته في الاعتبار عند قراءة تحرّكاته، يجد نفسه اليوم أكثر من أي وقت مضى مُلزَماً بتحقيق إنجازٍ يرسّخ سيطرته على الحكم في إسرائيل، ويجعله «أزعر» المنطقة بلا منافس.

ماذا علينا أن ننتظر؟
ثمّة قضايا كثيرة باتت أكثر أهمية مما يجري في لبنان. لكنّ إعادة وضع الملف اللبناني على الطاولة تشكّل اليوم أولوية لدى إسرائيل. ليس لأن هناك خطراً داهماً يستوجب المعالجة، بل لأن العجز حتى الآن عن استثمار الحرب الإسرائيلية على لبنان داخلياً، يُعد جرس إنذار لدى دوائر القرار في تل أبيب. وهذا الأمر يبدو أنه عاد إلى واجهة النقاش بقوة داخل الأوساط الاستخباراتية والدبلوماسية، وحتى الإعلامية، في لبنان والكيان على حدّ سواء.

ترقّب لما سيحمله نتنياهو إلى الولايات المتحدة ولِما سيعود به من برنامج يتعلّق بحربه المفتوحة
في المنطقة

وبحسب مصدر متابع، فإن القصة تعود إلى جملة تطورات، أبرزها:

أولاً: ادّعاء جهات عربية وغربية تلقّيها معلومات استخباراتية، بعضها من مصادر إسرائيلية، تفيد بأن حزب الله يعمل بشكل مكثّف على إعادة ترميم قدراته العسكرية، ويعيد تنظيم صفوفه كاملة، وليس مؤسساته المدنية فحسب. كما أن الإجراءات التي ينفّذها الجيش اللبناني لا تحقّق النتائج المرجوّة.

ثانياً: تشير هذه الجهات إلى أن لدى إسرائيل معطيات واضحة حول ما يقوم به الحزب، وكانت تتوقّع أن تنجح الولايات المتحدة في إقناع السلطات اللبنانية الحليفة لها باتخاذ خطوات عملانية تمهّد لعملية نزع السلاح، ليس جنوب نهر الليطاني فحسب، بل شماله أيضاً.
ثالثاً: أعرب الجانب الأميركي عن «خيبة أمله» من جلسة الحكومة في 5 أيلول، ليس لأنها لم تمضِ قدماً في وضع خطة تنفيذية مرفقة بجدول زمني لِما سبق أن أقرّته في جلستَي 5 و7 آب، بل لأن واشنطن تنظر بقلق إلى ما وصفه المبعوث الأميركي توم برّاك بـ«الضعف الشديد» للقادة السياسيين في لبنان.

رابعاً: ترى إسرائيل أنها غير معنيّة بالمهل الزمنية التي يُشاع أن الولايات المتحدة منحتها للبنان لإنجاز تسوية كبرى قبل نهاية العام الحالي. وقد أبلغت تل أبيب جميع الأطراف، بمن فيهم برّاك خلال اجتماعه مع نتنياهو قبل أسابيع، بأنها غير ملزمة بأي ترتيبات من هذا النوع. وأكّدت أنها لن توافق على تعديل آلية عمل قواتها في لبنان، ولن تقدم على أي انسحاب، ولن تطلق سراح أسرى لبنانيين، فضلاً عن استمرارها في تنفيذ عمليات الاغتيال والغارات ضد ما تعتبره أهدافاً مشروعة.

من أين يأتي بالأموال؟
وفي ما يتعلّق بحزب الله، يبدي الغربيون، وفي مقدّمتهم الولايات المتحدة، اهتماماً لا يقتصر على الجانب العسكري فقط. فقد سمعوا من مسؤولين كبار في الحكومة اللبنانية، في مقدّمهم رئيسها نواف سلام الذي عبّر عن دهشته من قدرة الحزب على إنفاق أكثر من مليار دولار خلال أقل من تسعة أشهر أعقبت اتفاق وقف إطلاق النار.

وأوضح سلام أن الحزب اعتمد آليات لتعويض المتضررين تعكس مستوى عالياً من التنظيم والإدارة، وتؤكد في الوقت نفسه توافر السيولة المالية لديه. وما يجري على الأرض، بحسب ما نُقل، لا يدل إطلاقاً على وجود أزمة مالية حقيقية لدى حزب الله، بل يوحي بأن طرق تدفّق الأموال إليه من الخارج لا تزال فاعلة، وأنه نجح في الالتفاف على الإجراءات التي اتخذتها الحكومة اللبنانية، أو تلك التي فرضتها مؤسسات مالية وأمنية عربية ودولية.

هذه النقطة بالتحديد تحظى باهتمام خاص لدى الأميركيين، ولدى برّاك شخصياً، والذي وصل به الأمر في مقابلته الأخيرة إلى الحديث عن تدفّق ما يقارب 60 مليون دولار شهرياً إلى حزب الله، داعياً إلى اتخاذ إجراءات حاسمة لوقف هذا التمويل. وتزامنت تصريحاته مع كلام منسوب إليه، مفاده أن عملية إعادة الإعمار في الجنوب ستبقى رهينة قرار إسرائيلي، وأنه حتى لو أعلن حزب الله عزمه على عدم انتظار الدولة اللبنانية للبدء بالمشاريع، فإن الظروف الميدانية ستمنعه من تنفيذ خطته.

وفي كلام برّاك تهديد واضح، إذ يشير إلى أن إسرائيل هي من سيتولى عملياً منع عملية الإعمار، وسط مخاوف متزايدة من اتساع رقعة الاعتداءات الإسرائيلية لتطاول أكثر من منطقة لبنانية، وليس فقط في القرى الأمامية.

كذلك، فإن مشكلة برّاك ترتبط أيضاً بإحباطه الشخصي. فبدل أن يقرّ بوجود حائط مسدود في إسرائيل أمام جهوده، عاد ليكرّر معزوفته المعتادة بأنه لم يطلق يوماً أي وعد بقدرته على كبح جماح إسرائيل. وعندما يناقشه المقرّبون في هذا الأمر، يشير إلى ما يحدث في سوريا، حيث يصطدم مع التوجّه الإسرائيلي لتقسيمها، مُقِرّاً بأن أركان الدولة في واشنطن يقفون إلى جانب إسرائيل بلا تحفّظ.

ومع ذلك، يحاول القيام بخطوات ذات طابع إداري لتعزيز موقعه، مثل مسعاه لإبعاد مورغان أورتاغوس عن تفاصيل الملف اللبناني، أو إدخال تعديلات كبيرة على فريق مساعديه في تركيا. غير أن برّاك ليس بارعاً في السياسة، وهو ما ظهر جلياً خلال زيارته الأخيرة إلى لبنان برفقة السيناتور الصهيوني ليندسي غراهام، حيث اضطر إلى التزام الصمت أمام تصريحات الأخير التي شدّد فيها على أن إسرائيل ليست في موقع تُمارَس عليها الضغوط، بل إن لبنان هو من يجب أن يخضع للإملاءات الأميركية إذا أراد إنقاذ نفسه.

العودة إلى الحرب
في هذا السياق، يمكن فهم الأبعاد الجديدة للمسار السياسي القائم. ففي واشنطن، التي دفعت وسعت لإيصال الرئيس جوزيف عون إلى قصر بعبدا، يبرز في هذه المرحلة اهتمام أكبر برئيس الحكومة، إذ سمع زوار العاصمة الأميركية كلاماً صريحاً بأن سلام يُظهِر مواقف أكثر صلابة من عون في مواجهة تحالف الرئيس نبيه بري وحزب الله.

ومع أنّ عون سعى إلى تسويات مع الحزب لتفادي أي صدام داخلي، إلا أن الأميركيين، العارفين بتركيبة الجيش اللبناني، لا يعيرون اعتباراً للحسابات الداخلية. فهم يرون أن في لبنان مؤسستين يجب أن تبقيا تحت وصايتهم المباشرة: الجيش ومصرف لبنان، وبالتالي فإن أي دعم لهما سيظل مشروطاً بحجم مساهمتهما في محاصرة حزب الله.

في الشقّ المالي، لم يتّضح بعد حجم الطلبات الجديدة التي قد يطرحها الحاكم كريم سعيد لمواجهة «مالية حزب الله». أما في الجانب العسكري، فإن الأميركيين، كما كثير من القوى اللبنانية، يدركون عجز الجيش عن تنفيذ مهمة كبرى بحجم نزع سلاح الحزب. ولذا قد تقبل واشنطن بتحييد الجيش نسبياً حفاظاً على وحدته، على أن تُلقى المسؤولية على القيادات السياسية.

ومع ذلك، تشير النقاشات في الغرف المغلقة والتصريحات العلنية إلى أن الولايات المتحدة سلّمت الأمر لإسرائيل، واضعة على عاتقها إيجاد السبل لمعالجة هذه «المشكلة».
وعند هذه النقطة تحديداً، برزت مجدّداً تسريبات غربية تتحدّث عن نية إسرائيل تنفيذ عملية برية واسعة، هدفها الأول إحكام السيطرة على كامل المنطقة الواقعة جنوب نهر الليطاني والتأكّد من خلوها من السلاح والمقاتلين. وبعدها، الانتقال إلى ممارسة ضغوط ميدانية وعسكرية على مناطق شمال الليطاني، تمهيداً لفرض ترتيبات أمنية جديدة انطلاقاً من الواقع الجديد.

واشنطن غير معنيّة بتحصيل أثمان من إسرائيل، وغضبها
يزيد على أركان
الحكم في لبنان

ويشير المتصلون بالجانب الأميركي إلى أن واشنطن تتصرّف على أساس أن إسرائيل ليست في وضع يمكن لأحد أن يفرض عليها خيارات سياسية أو عسكرية، وأن في الولايات المتحدة قناعة أو تسليماً، لا فرق، بأن إسرائيل اتّخذت لنفسها مساراً لن يقف على خاطر أحد، وأن من قرّر ونفّذ العدوان على قطر، لن يتردّد في القيام بما يعتقد أنه مناسب له، في لبنان أو غيره.

وبحسب هؤلاء، تسعى إسرائيل إلى شطب القرار 1701 من التداول، ومعه كل بنود اتفاق وقف إطلاق النار الذي جرى في تشرين الثاني الماضي، وفتح الباب أمام واقع جديد ينطلق من الاتفاق الذي ستصل إليه مع سوريا، خصوصاً أن الطلبات الإسرائيلية من سلطات دمشق الجديدة لا تقتصر على اتفاقات عامة أو ضمانات لفظية، بل تشمل فرض منطقة منزوعة السلاح في كامل الجنوب السوري وصولاً إلى مشارف العاصمة دمشق (على بعد نحو عشرة كيلومترات فقط)، إضافة إلى آلية للتواصل والمراقبة مع سكان هذه المنطقة.

كما تطالب بضمان عدم امتلاك سوريا أي أسلحة استراتيجية، ليس في الجنوب فحسب، بل في كل أنحاء البلاد، وصولاً إلى مناقشة مفصّلة حول الوجود العسكري التركي في سوريا، وتدمير كل المواقع والقواعد والثكنات العسكرية في وسط وشمال سوريا لمنع التمركز التركي فيها. وتضاف إلى ذلك سلسلة من الشروط الأمنية التفصيلية، ما يجعل أيّ اتفاق غير مرتبط باتفاقية فكّ الاشتباك، كما تدّعي سلطات دمشق الجديدة.

المهم في كل ما سبق، هو أن من فوائد «العم توم» أنه يقول الأمور كما هي، سواء عن قصد أو عن سهو. فقد كان واضحاً في تأكيده أن إسرائيل، ومعها الولايات المتحدة، تعتبران أن معالجة أعدائهما في المنطقة لا تقتصر على توجيه ضربات قوية إلى حماس وحزب الله والحوثيين، بل يجب أن تكون أكثر صرامة في مواجهة إيران.

وهذا هو جوهر المحادثات الجارية بين الأميركيين والإسرائيليين الآن، خصوصاً أن في واشنطن شخصاً أكثر جنوناً من نتنياهو، مع مزيج من الخرافات، والهلوسات، والنرجسية الهائلة. كلّ ذلك يعزّز القلق من طبيعة برامج العمل المشتركة بين واشنطن وتل أبيب ضدّ إيران على وجه الخصوص، خصوصاً أن أوروبا العاجزة عن فعل أي شيء، تُظهِر استعداداً لأن تكون في صلب مشروع ضرب إيران وإسقاط نظامها.

الاخبار اللبنانية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب