المبادرة الأمريكية بين الطموح السياسي وواقع الرفض الإسرائيلي

المبادرة الأمريكية بين الطموح السياسي وواقع الرفض الإسرائيلي
بقلم:رئيس التحرير
طرحت الإدارة الأمريكية مبادرة جديدة تحمل عشرات البنود، تصفها بأنها خطة شاملة لوقف الحرب على غزة وإعادة إعمارها، وإعادة ترتيب المشهد السياسي الفلسطيني. الخطة تجمع بين البعد الإنساني والأمني والسياسي، وتطمح إلى خلق واقع جديد في القطاع. غير أنّ السؤال الجوهري هو: هل يمكن لحكومة الائتلاف اليمينية المتطرفة في إسرائيل أن تقبل بهذه الخطة؟
أبرز ملامح المبادرة
تتضمن المبادرة وقف الحرب وانسحاباً تدريجياً للقوات الإسرائيلية من غزة، مقابل إطلاق سراح الرهائن والأسرى الفلسطينيين. كما تنص على تدفق المساعدات الإنسانية وإعادة الإعمار تحت إشراف الأمم المتحدة ومنظمات دولية، مع تشكيل حكومة انتقالية من التكنوقراط الفلسطينيين تدير القطاع. وتطرح أيضاً إنشاء قوة استقرار دولية تتولى الملف الأمني وتدريب جهاز شرطة فلسطيني جديد، مع استبعاد حركة “حماس” من الحكم ومنعها من إعادة بناء بنيتها العسكرية.
وتذهب المبادرة أبعد من ذلك حين تتحدث عن أفق سياسي مستقبلي قد يقود نحو الدولة الفلسطينية، بالتوازي مع تنفيذ إصلاحات داخلية في السلطة الفلسطينية، مع إبقاء الباب مفتوحاً أمام وساطات عربية وإقليمية، ولا سيما الدور القطري والمصري.
المأزق الإسرائيلي
رغم ما تحمله الخطة من عناصر إنسانية وسياسية قد تلقى قبولاً على المستوى الدولي، فإن العقبة الكبرى تكمن في الموقف الإسرائيلي الداخلي. حكومة نتنياهو وائتلافه اليميني المتطرف يرفضون من حيث المبدأ:
أي وقف لإطلاق النار قبل القضاء الكامل على “حماس”.
أي ترتيبات دولية تحد من حرية الجيش الإسرائيلي في غزة.
أي مسار يقود إلى إقامة دولة فلسطينية، وهو ما يعتبرونه خطاً أحمر استراتيجياً.
وبالتالي، فإن البنود المتعلقة بالانسحاب التدريجي وتسليم الأمن لقوة دولية تبدو غير قابلة للتنفيذ في ظل تركيبة الحكومة الإسرائيلية الحالية، التي تستند إلى أحزاب دينية وقومية متشددة ترفض أي صيغة تقارب أو تسوية.
الحسابات الأمريكية
تحاول واشنطن عبر هذه المبادرة تحقيق جملة أهداف، أبرزها:
تجنب حرب استنزاف قد تُضعف إسرائيل وتفجر المنطقة.
تحسين صورتها الدولية بعد الانتقادات الواسعة لجرائم الحرب في غزة.
امتصاص الغضب العربي والإسلامي عبر إشراك أطراف إقليمية في الحل.
إبقاء “حل الدولتين” ضمن الخطاب السياسي، ولو كخيار بعيد المدى.
لكن هذه الأهداف تبقى مرهونة بموافقة إسرائيل، وهو ما يجعل المبادرة عرضة للتعطيل أو التحوير بما يتناسب مع الرؤية الإسرائيلية.
مستقبل المبادرة
إذا استمرت إسرائيل في رفضها، قد تلجأ واشنطن إلى تطبيق الخطة جزئياً في مناطق محدودة، ما يعني تكريس واقع الانقسام في غزة بدلاً من معالجته. كما أن استبعاد “حماس” كلياً من أي دور سياسي يثير تساؤلات حول مدى إمكانية فرض استقرار حقيقي دون إشراك القوى الفاعلة على الأرض.
خاتمة
المبادرة الأمريكية تبدو أقرب إلى محاولة لإدارة الأزمة أكثر من كونها حلاً جذرياً لها. فهي تسعى لمعادلة توازن بين الأمن الإسرائيلي والحد الأدنى من الحقوق الفلسطينية، لكنها تصطدم بجدار الرفض الإسرائيلي الذي لا يعترف إلا بمنطق القوة. ويبقى السؤال: هل تمتلك واشنطن الإرادة والقدرة على ممارسة ضغط حقيقي على حكومة نتنياهو لفرض مسار سياسي يفتح أفقاً لحل عادل ودائم، أم ستظل المبادرة مجرد وثيقة سياسية لتسكين الرأي العام الدولي؟




