الافتتاحيهرئيسي

سيادة القانون كخيار وطني استراتيجي

سيادة القانون كخيار وطني استراتيجي
بقلم رئيس التحرير
يمر الشعب الفلسطيني في هذه المرحلة بظروف استثنائية بالغة التعقيد، حيث تتداخل التحديات الأمنية والسياسية والاجتماعية لتشكّل بيئة خصبة لمحاولات الاحتلال استغلال أي ثغرة لإضعاف المجتمع وإرباك مؤسساته. وفي خضم هذه التحديات، يبرز مفهوم سيادة القانون كخيار وطني استراتيجي، لا باعتباره مجرد أداة إدارية أو إجراء أمني، وإنما كركيزة أساسية لحماية السلم الأهلي وضمان وحدة الجبهة الداخلية.
إن مظاهر الانفلات الأمني وتجاوز القانون تشكّل خطرًا مباشرًا على المجتمع الفلسطيني، فهي لا تقف عند حدود الجريمة الفردية أو السلوك الخارج عن النظام، بل تتعداها إلى تهديد الاستقرار العام وتقويض الثقة بمؤسسات الدولة. هذه الفوضى، إن تُركت دون معالجة، قد تتحول إلى مدخل يُمكّن الاحتلال من تحقيق أهدافه، سواء عبر ضرب البنية الاجتماعية، أو عبر إشغال الشعب بصراعات داخلية تُبعده عن قضيته المركزية.
من هنا، فإن فرض سيادة القانون يمثل ضرورة وطنية وأولوية استراتيجية. غير أن هذه الضرورة يجب أن تُترجم على أرض الواقع ضمن معادلة دقيقة، تقوم على التوازن بين الردع العادل وحماية الحقوق الأساسية. فالقانون يفقد قيمته إذا طُبّق بانتقائية أو استخدم أداة للتعسف، كما أنه يفقد أثره إذا عُطّل أمام قوى الفوضى. إن فعاليته الحقيقية تكمن في حياده وعدالته ومصداقيته أمام المواطن.
ولتحقيق ذلك، لا بد من تبنّي مقاربة شاملة تقوم على:
1. تفعيل مؤسسات إنفاذ القانون بشكل متكامل، بحيث يتم التعامل مع الخارجين عن النظام وفق مسار قانوني واضح يخضع لرقابة قضائية ومجتمعية.
2. تعزيز ثقة المواطنين بمؤسسات الدولة من خلال الشفافية في الإجراءات، وضمان المحاكمات العادلة، وتكريس مبدأ المساواة أمام القانون.
3. تحصين الجبهة الداخلية عبر شراكة حقيقية مع مؤسسات المجتمع المدني والقيادات المحلية، بما يضمن تعزيز ثقافة احترام القانون والالتزام به.
4. الوقاية الاستباقية من الفوضى عبر سياسات تعليمية وإعلامية واجتماعية تغرس وعيًا جماعيًا بأن احترام القانون ليس قيدًا على الحرية، بل هو الحصن الحقيقي لحماية الحقوق والحريات.
إن مسؤوليتنا الوطنية تقتضي التعامل مع سيادة القانون باعتبارها خط الدفاع الأول عن المجتمع الفلسطيني. فالحفاظ على النظام العام والسلم الأهلي لا يقل أهمية عن النضال السياسي في مواجهة الاحتلال. وبقدر ما ننجح في حماية البيت الداخلي، بقدر ما نعزز قدرتنا على مواجهة التحديات الخارجية.
إن سيادة القانون ليست شعارًا يُرفع في الأزمات، بل ممارسة يومية ومؤسسية، تتجسد في الشارع وفي القضاء وفي حياة الناس. وحين تصبح العدالة والإنصاف عنوانًا لتطبيقه، فإن ذلك يرسّخ وحدة المجتمع، ويحول دون أي محاولة لجرّه إلى الفوضى التي يسعى الاحتلال إلى تكريسها.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب