حينما تُصبح أفكارك قَدرك .

محمود الجاف
في صمت الليل وحين ينام الجميع ولا يبقى مع الإنسان سوى صوته الداخلي . هناك حيث لا يشعر بك أحد، تدور أعظم المعارك .. بينك وبين نفسك. ذلك الصوت الخافت الذي تهمس به في قلبك :
أن تتعامل مع نفسك بلطف ورحمة وقوة؟
هو ما يقوله الإنسان في نفسه، عن نفسه، ولِنفسه . وهو إمّا حديث إيجابي؛ يمنحك الأمل، العزم، الصبر، والوضوح . أو سلبي؛ يسرق منك الأمان، الثقة، والسكينة . وهو ليس مجرد أفكار عابرة . بل هو ما يصوغ شخصيتك ويحدد استجابتك للواقع . ففي المدارس النفسية الحديثة، مثل العلاج المعرفي السلوكي (CBT)، يُعتبر الحديث الذاتي أساسًا للشفاء أو المرض . لان العلم يقول ان أفكارك الداخلية تؤثر على كيمياء الدماغ . فإذا تحدثت مع نفسك بسلبية، يفرز دماغك هرمونات التوتر (الكورتيزول ) وإذا كان حديثك إيجابيًا ومطمئنًا، يفرز دماغك هرمونات الراحة مثل السيروتونين . إذا فطريقة كلامك مع نفسك قد تكون علاجًا أو سُمًّا .
نعم فالقرآن يُقرّ بوجود الحديث الذاتي :
﴿ يَعْلَمُ خَائِنَةَ الأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ ﴾ غافر: 19 ..
إشارة إلى أن الله مطّلع على ما تخفيه نفسك من حديث داخلي.
﴿ وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ قَالَ مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَٰذِهِ أَبَدًا ﴾ الكهف: 35
لاحظ ان المشار اليه في الألم يتكلم مع أحد، بل حدّث نفسه وكانت تلك الافكار بداية هلاكه .
﴿يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ﴾ الطارق: 9
أي تُكشف أسرار النفس وحديثها.
قال الرسول ﷺ: “إن الله تجاوز لأمتي ما حدّثت به أنفسها ما لم تعمل أو تتكلم” صحيح البخاري ومسلم . وهو توجيه نبوي يدل على أن الحديث الذاتي الطبيعي لا يُحاسَب عليه، لكنه أيضًا لا يجب أن يُهمل، لأنه يتحوّل إلى نية ثم إلى فعل .
لمن يخجل أو يشعر أنه في بداية الطريق . فعليك بالمراقبة اليومية (Daily Check-in) كل ليلة، قبل النوم، اسأل نفسك :
ماذا قلت في قلبي اليوم عن نفسي؟
هل كنت قاسيًا عليها ؟ أم ساخرًا ؟ أم رحيمًا؟
“أنا عبدٌ لله، والله لا يضيع عباده.” “ربي أرحم بي من نفسي، وسينجيني.” “كل يوم هو فرصة جديدة لأكون أفضل.” “الله معي، ولن أُخذل.” والأفضل أن تكررها بعد الفجر أو قبل النوم .
امسك ورقة واكتب ما يدور في داخلك مهما كان، ثم اقرأه وابدأ باستبدال السلبي بالإيجابي. وهذا تمرين نفسي معروف، يقلل من توتر الدماغ ويعزز التحكم في الذات . فضلا عن ذلك فإن تلاوة القرآن بصوت مسموع لنفسك تعدّ ذات فائدة عظيمة . اختر آيات الرحمة والثقة بالله . ثم اقرأها وكأن الله يُخاطبك شخصيًا ورددها كأنها جزء من حديثك الداخلي .
كما تختار أصدقاءك، اختر “صوتك الداخلي “تخيّل أن حديثك الداخلي هو “شخص” يجلس معك كل يوم .. هل تريد أن يكون محبطًا دائمًا؟ أم طيبًا صبورًا حنونًا؟ قرر أن تكون “أنت” صديق نفسك.