ثقافة وفنون

حماد عجرد مصطفى معروفي

حماد عجرد
مصطفى معروفي
ــــ
حماد عجرد (توفي سنة 161 هجرية)هو شاعر عاش في الدولتين الدولة الأموية والدولة
 العباسية،واتهم بالزندقة ،ويقال أنه مات مغتالا بإقليم الأهواز،وقيل أنه لم يقتل وإنما كانت به علة فطالت عليه،وحماد هذا كان ثالث ثلاثة كلهم يسمون بحماد،والثاني منهم هو حماد الراوية والثالث هو حماد بن الزبرقان،وشاعرنا كان معروفا أيضا بالإضافة إلى الزندقة بعبثه ومجونه حتى أن الإمام أبا حنيفة النعمان كان يفسقه،ويفضحه أمام الناس فضاق الشاعر به ذرعا ،وترجاه أن لا يقدح فيه أمام الملأ ،ولما يرضخ لمطلبه الإمام أبو حنيفة قال فيه عجرد:
إن كـــانَ نُــسْكُكَ لا يــتمْ
ـمُ بغير شــتمي وانتقاصي
اقــعد وقــمْ بي كيفَ شئـ
ـتَ مع الأداني والأقاصي
فــلــطــالــما زكّــيــتــنــي
وأنا المقيمُ على المعاصي
أيّــــامَ تــأخــذُها وتُـــعـ
ـطي في أباريق الرصاصِ
يعتبر حماد عجرد من زعماء الزنادقة،ويعرف في قرارة نفسه غضب الناس منه ومدى سخطهم عليه بسبب ذلك،كما يعرف مدى تبرم الخلافة بالزندقة ومعاداتها،والزنادقة وبينهم الشاعر بشار بن برد ،لم تكن تجمع بينهم الزندقة بأواصر ،ولا تربط بينهم برابطة التضامن،فمثلا ها هو حماد عجرد لما أراد الانتقام من بشار صار يغري به الأمير قائلا:
قُل لِعيسى الأميرِ عيسى بنِ عَمرٍو
ذي الــمَساعي الــعِظامِ في قَحطانِ
ويبدأ الشاعر إغراء الأمير ببشار انطلاقا من هذه الأبيات:
لَــك جــارٌ بِــالمصرِ لَــم يَجعَلِ الل
هُ لَـــهُ مِــنــكَ حُــرمَــةَ الــجيرانِ
لا يُــصَــلّي وَلا يَــصــومُ وَلا يَــق
رَأُ حَــرفــاً مِـــن مُــحــكَمِ الــقُرآنِ
إِنَّــمــا مَــعدِن الــزُّناةِ مِــنَ الــسَف
لَـــةِ فــي بَــيتِهِ وَمَــأوى الــزَّواني
وَهوَ خِدنُ الصِّبيانِ وَهْوَ اِبنُ سَبعي
نَ فَــمــاذا يَــهــوى مِــنَ الــصِّبيانِ
والسبب هو أن بشار أشاع عليه شائعة مضرة مهلكة.
ومما يروى عن حماد عجرد أنه كان في جمع من وجوه الناس ،وجاء الغداء فقيل بأن أحد الحضور ما زال يصلي صلاة الضحى وأطال في صلاته،فقال حماد فيه:
أَلا أَيُّــهَــذا الــقــانِتُ الــمُــتَهَجِّدُ
صَــلاتُكَ لِــلرَّحمنِ أَم لِيَ تَسجُدُ
أَما وَالَّذي نادى مِنَ الطّورِ عَبدَهُ
لَــمِن غَــيرِ مــا بــرٍّ تَقومُ وَتَقعُدُ
فلما سمع الرجل الأبيات وعددها ستة قطع الصلاة ،وقال لحماد:
قبحك الله يازنديق….أصعموه لا أطعمه الله.
وهجا حماد رجلا أبطأ عليه في الطعام،فسأله الرجل أي شيء حملك على هجائي،فأجابه عجرد:
الجوع ،ولو زدت في الإبطاء زدت في القول.
كان حماد يهجو بشار بن برد،ولا يستطيع بشار الرد عليه،ومما هجاه به قوله:
وأعمى يشبه القردَ
إذا ما عــمي القردُ
قيل أن بشار لما سمع هجاء عجرد له بكى ،فقيل له في ذلك،فقال بشار:
يراني فيصفني،وأنا لا أراه.
ونعي حماد فوصل الخبر إلى بشار وحماد كان مازال على قيد الحياة لم يمت بعد ،فقال فيه:
لو عاش حماد لهونا به
لكنه صــــــار إلى النارِ
فبلغ حماد ما قاله فيه بشار فقال:
نُــبِّئتُ بَــشّاراً نُــعاني وَللمَو
تِ بَــراني الــخالِقُ الــباري
يــا لَــيتَني مُــتُّ وَلَــم أَهجُهُ
نَــعَم ، وَلَــو صِرتُ إِلى النارِ
وَأَيُّ خِزيٍ هُوَ أَخزى مِن أَن
يُــقالَ لــي يــا سِــبَّ بَــشّارِ
والشاعر بشار بن برد قتله الخليفة المهدي،ولما مات حماد مر بقبره وقبر بشار أحد الشعراء كانت له مهاجاة مع هذا الأخير ،فقال فيهما :
قد تبع الأعمى قفـــــا عجردٍ
فأصبـــــــحا جارين في دارِ
قالت بقاع الأرض :لا مرحباً
بقرب حـــمــــــادٍ وبشــــارِ
تجـــــاورا بد تجافيــــــهما
ما أبغض الجــارَ إلى الجارِ
جارا جمعيا في يدَيْ مالكٍ
في النارِ،والكافـر في النارِ
ومهما يكن من أمر الشاعر حماد عجرد فهو يبقى شاعرا كبيرا لا يغض من قدره كشاعر أن يكون زنديقا أو أن يكون ماجنا عابثا ،فالشعر بمعزل عن الدين،كما سمعنا ذلك من نقادنا القدامى الذين يعرفون ما هو الشعر حق المعرفة.
اللهم عافنا فيمن عافيت وتولنا فيمن توليت.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب