مقالات

مشروع إمبراطورية ولاية الفقيه الغيبية على حافة الهاوية بقلم حسن خليل غريب

بقلم حسن خليل غريب

مشروع إمبراطورية ولاية الفقيه الغيبية على حافة الهاوية
 بقلم حسن خليل غريب
لسنا من هواة الشوفينية القومية، ولسنا من دعاتها، لا بل نرفضها ونكافحها بكل الوسائل والطرق. نفتتح مقالنا بهذا التعريف حتى لا تذهب بمن له مآرب وظنون ضد إيماننا بالفكر القومي بأننا نعادي القومية الفارسية، بل نعاديها لأنها شوفينية لا تعترف بحق القوميات الأخرى، لا بل زادت شوفينيتها شراسة بعد أن اتخذت لها صفة أخرى، صفة العدائية الطائفية ضد كل الطوائف والأديان الأخرى، وبعد أن أعلنت عداءها للقومية العربية بشكل واضح ومكشوف. ويكفي أنها تدين بنظرية ولاية الفقيه كمنهج طائفي غيبي ومتخلف عن روح العصر في القرن الواحد والعشرين، عصر الانتشار الحضاري المادي الهائل، الذي لا يمكن اللحاق به بوسائل وآليات فكرية تعود جذورها إلى ألف ومائتي سنة.
ما كنا لننقد أي اتجاه فكري أو ديني يختاره شعب من شعوب الأرض قاطبة لو كان ذلك الشعب يختاره من دون العمل على تصديره بالقوة، ويعمل على فرضه على الشعوب الأخرى بمزاعم أنها أوامر إلهية. ولأن النظام الإيراني، وكما أكدت الوقائع الراهنة، وكما أكدته السلوكات التاريخية منذ العام 1979، أنه يمارس القوة بتصدير عقيدته الغيبية إلى العراق بداية ومنه أخذ يصدرها إلى سورية ولبنان واليمن والبحرين والسعودية، هذا ناهيك عن خلاياه النائمة في معظم أقطار الوطن العربي تنتظر تنفيذ مهماتها المكلفة بها من قبل النظام المذكور كلما سنحت له الفرصة.
وبعد الإشارة إلى أن النظام الإيراني لم يكن باستطاعته أن يتسلل إلى شبر من الأرض العربية بشكل عام، وإلى العراق بشكل خاص، لولا الدعم الذي تلقاه من قبل الإدارة الأميركية لأنها صاحبة المصلحة في تفتيت الوطن العربي إلى دويلات طائفية، أي إحلال الخطوط الطائفية بديلاً للخطوط الجغرافية.
إن ما حصل عليه النظام الإيراني من مكاسب لم يكن يحلم بها، بعد أن وكلته أميركا باحتلال العراق، أثارت مخاوف النظام العربي الرسمي، وانكشفت أهدافه أمام الرأي العام العربي، هذا بالإضافة إلى أنه أخلَّ بوعوده لأميركا باقتسام ثروات العراق.
كلها أسباب ألَّبت عليه حتى الإدارة الأميركية، واستثارت الدول الأوروبية بعد العمل على تصدير الخلايا الإرهابية الإيرانية إلى ساحاتها.
ولأن معظم دول العالم وقفت ضده. يصح القول بأن المنهج الإيراني هو فيروس أصاب قسماً كبيراً من العالم، وراح يهدده في وجوده. وبمثله، ولكل من أطرافه أهداف خاصة به، تشكل حلف واسع، دولي وعربي، رسمي وشعبي، لمكافحة هذا الفيروس، وهذا ما سندلي برأينا به في هذا المقال.
كل من أطراف الحلف يعزف على وتره الخاص، ولكن الهدف الذي يوحدهم هو اجتثاث فيروس الإرهاب في المشروع الإيراني:
لا بُد من الإشارة إلى أن النظام الإيراني لم يستطع أن يحافظ سوى على مجموعة من القوى المستفيدة من خدماته، على الصعيدين العربي والدولي. تلك الخدمات التي فرضها بفعل عوامل القوة التي بناها بعد استئثاره بثروات العراق التي عاث فيها سرقة ونهباً، مستخدماً عشرات الميليشيات العراقية المسلحة تسليحاً حديثاً، وهي التي تنهب الجزء اليسير من تلك الثروات، وتحمي سرقات النظام الهائلة التي بلغت مئات المليارات من الدولارات. وبفعل تلك السرقات راحت تمول صناعتها العسكرية المتقدمة من جهة، وتمويل أذرع لها في الوطن العربي، كما حصل في سورية ولبنان واليمن وبعض التنظيمات الفلسطينية من جهة أخرى.
كان من المثير في تحالفات النظام الإيراني مع قوى دولية وتيارات حزبية غير متجانسة في الفكر والأيديولوجيا، هو أن يتحالف المشروع الديني الغيبي مع العلماني المتضرر من المشاريع الدينية الغيبية. وإذا فتشنا عن الأسباب، فلن نجد سوى المصلحة أولاً وأخيراً، المبدأ الميكيافيلي، القائل: «الغاية تبرر الواسطة». وهذا يعني أن تلك التحالفات مرحلية سوف تتفكك بعد أن تستوفي الغاية منها. ومثال التحالف الأميركي – الإيراني في مرحلة أوباما الذي تفكك في مرحلة ترامب، أكبر دليل.
تلك كانت صورة المشهد الإيرافارسي قبل سنة تقريباً، ولكن الصورة بدأت تتغير، ومن أهم المتغيرات فيها، هي التالية:
-لقد تفكك التحالف الأميركي الإيراني في عهد رئاسة دونالد ترامب الجمهوري. وعلى الرغم من وصول الديموقراطي بايدن، راحت العلاقات مع إيران تتأرجح بين اللين والشدة، بحيث عمل على الإمساك بالعصا من الوسط؛ ممالأة للنظام الإيراني من جهة، وخوفاً من خسارة صداقة دول الخليج العربي من جهة أخرى. وكأنه بذلك كان يعمل على تزويج المتناقضات. متجاهلاً أو جاهلاً، أن علاقة العرب مع نظام ولاية الفقيه ليست مسألة حدود فقط، بل تحولت إلى مسألة وجود أيضاً. وذلك لأن للنظام المذكور استراتيجية أيديولوجية طائفية غيبية لا يمكنها أن تتعايش مع الأيديولوجيات الدينية الأخرى من جهة، ولها أطماع عابرة للقوميات وحقها بتقرير المصير من جهة أخرى.
-دخول النظام العربي الرسمي على الخط العراقي بعد أن كان هامشياً بفعل استسلامه في المراحل السابقة للإملاءات والحماية الأميركية. وهذا بلا شك أدى إلى بداية لتعريب القضية العراقية حتى ولو كان بشكل ضيق وباستراتيجية غير محددة المعالم. ومن أهم تأثيراته أنه ركَّب أرجلاً لبعض أطراف العملية السياسية المتضررة من الهيمنة الإيرانية التي تعمل على فرسنة مظاهر الحياة في العراق.
وإن هذه النتيجة، لن تلغيها المتغيرات التي أعقبت الإعلان عن اتفاق جرى حول ترسيم الحدود البحرية في لبنان، والتي اعتبرت كصفقة مساومة بين أميركا وإيران. علماً أن ترسيم تلك الحدود يضمن أمناً للعدو الصهيوني لمدة طويلة، تأخذ فيها أميركا سماح إيران لميليشياتها في لبنان القبول به، وتدفع أميركا لإيران ثمنه تنازلاً في العراق يسمح بوصول رئيس حكومة يحمي ميليشياتها. وهذا الاستنتاج يستند إلى واقعين اثنين، وهما:
-ثبات رفض الموقف السعودي لأية علاقة مع نظام ولاية الفقيه إذا لم تكن قائمة على قاعدة حماية الأمن القومي العربي بشكل واضح وصريح، سواءٌ أكانت له علاقة بمنظومة الصواريخ البعيدة المدى، أم كانت له علاقة بتمويل ميليشياته المنتشرة في العراق وسورية ولبنان واليمن. وقد أكدت الوقائع هذا الثبات منذ العام 2015، مروراً بمرحلة رئاسة دونالد ترامب، وصولاً إلى رئاسة بايدن التي واجهت رفضين اثنين في العام 2022، وهما:
-الأول: رفض الإملاءات الأميركية في مؤتمر القمة الخليجية وذلك على الرغم من حضور بايدن لتلك القمة.
-والثاني: لسد حاجة أوروبا بعد إيقاف الغاز الروسي، رفضت السعودية طلب بايدن بزيادة إنتاج كمية النفط، لا بل واجهته بتخفيض الإنتاج.
-إنهيار مظاهر الغزل العلني بين النظام الإيراني وعدد كبير من الدول الأوروبية، تلك الدول التي وُضعت بين خيارين أحلاهما مر، وهما، المفاضلة بين العلاقات مع النظام الإيراني بشكله ومواقفه الراهنة من جهة، والعلاقة مع محور عربي واسع يمتلك من الإمكانيات الاقتصادية الكبيرة.
-وعلى الرغم من التفريط ببعض ثروات لبنان البحرية، فإن توقيع اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين لبنان والعدو الصهيوني الغاصب لأرض فلسطين المحتلة، هو مؤشر على أن أي سلاح في منطقة الجنوب وخارجه، لا يخضع لإرادة الدولة اللبنانية ومؤسساتها الرسمية بدأ يفقده الذرائع التي كان يتلطى بها للاحتفاظ به. وهذا بحد ذاته هو انتزاع أحد عوامل القوة التي كان النظام الإيراني يضغط بها في الحصول على مكتسبات له من الدول الغربية قاطبة.
-بين هذا الأمر وذاك، لا يمكن تجاهل عوامل التفكك الداخلي الذي يحصل الآن في إيران بعد مقتل مهسا أميني، الناشطة الإيرانية الكردية، على أيدي شرطة الأخلاق التابعة لنظام ولاية الفقيه. وعلى الرغم من أن الحراك الأخير لم يكن جديداً، ولم يكن الوحيد باتساع رقعته، إلا أن له دلالات لا يمكن تجاهلها. فمقتل مهسا كان السبب المباشر، ولكنه جاء ليفجر حالة النقمة التي تختزنها نفوس الشعوب الإيرانية لما يرتكبه نظام الملالي من أخطاء وجرائم منذ استلامه للسلطة في العام 1979.
وأخيراً،
تنبئ تلك الانهيارات في جدران نظام الملالي في إيران على أن حالة الانحدار سوف تستمر حتى تصل إلى القعر، ولن تتوقف. والسبب أنه كلما خفَّت السرقات الإيرانية للثروات العراقية، سوف يُؤثِّر على إضعاف مشروعه التسليحي الصاروخي والنووي من جهة، ومن جهة أخرى يصبح عاجزاً عن تمويل أذرعه في المنطقة.
ولأنه لا يجوز أن يركن أحد من العرب، على الصعيدين الرسمي والشعبي، إلى مصداقية أي حل للقضية العراقية يأتي من الخارج الدولي والإقليمي؛ بل أن تبقى حالة الرفض العربية التي تكوَّنت في مواجهة الإخطبوطين الأميركي والإيراني على زخمها وقوتها. وعليها أن تعزز حالة النهوض الشعبي العراقي المتمثلة بثورة تشرين الشبابية، التي بدورها أثبتت أهدافها بالاستمرار والتصعيد. كما والاستفادة من أية متغيرات أخرى، تسهم بشكل أو بآخر في انتشار موجة الرفض لنظام ولاية الفقيه وإضعاف تأثيره على الساحة العراقية؛ والعمل خاصة على إسقاط العملية السياسية وإنهاء تأثيراتها الطائفية، وبناء نظام مدني يضع استراتيجية حماية البوابة الشرقية التي بدورها تشكِّل حماية للأمن القومي العربي، من الخليج العربي إلى المحيط الأطلسي، هذا، علماً أنه ما لم يتغير النظام الطائفي السياسي سوف يبقى مشرَّع الأبواب أمام التدخل الإيراني والتركي معاً. ولذلك، كلما جفَّفت متغيرات موازين القوى في العراق، داخلياً وعربياً ودولياً، مداخيل النظام الإيراني من التمويل، سوف يساعد بشكل أساسي على وضعه في مرحلة الانحدار المستمر، ويضعه على حافة الهاوية، سواءٌ أعاد الانعكاس عليه أم على أذرعه في العراق وسورية ولبنان واليمن.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب