رؤية نقدية لقصة ولا غالب إلا الله ل : رحال امانوز .

رؤية نقدية لقصة ولا غالب إلا الله ل : رحال امانوز .
بقلم : تهامي عبد الله صالح .
******* القصة *******
من مقلته سقطت دمعة . ومن بين شفتيه خرجت زفرة حرى . منبعثة من بين أضلعه المنكسرة كأنما خرجت روحه من جسده المنهك .
من أعلى الربوة العالية ألقى نظرته الأخيرة .
كميت يلقي نظرة وداع على دنياه الفانية وهو في سفره الأخير نحو العالم الآخر ؛ فهو الآن يقف على حافة الوجود .
في مفترق الطرق صهيل جواده، وحركات رأسه هي فقط من تذكره أن ما يعيشه هو واقع ،وليس مجرد وهم أو حلم .
مرة تلو أخرى يضرب جواده الأصيل . بحافره بقوة الأرض كأنما يستعجله على مغادرة المكان .
من بعيد تراءى له قصره الجميل بحدائقه الغناء وأسواره العالية .. تراءى إلى سمعه من بعيد أصوات أجراس تقرع .
تساءل :أين أصوات الأذان المرفوعة ؟ من أعلى المآذن الشاهقة ! حز في نفسه أن تستباح المساجد والتي كانت تقام فيها الصلوات الخمس .
تحولت اليوم إلى كنائس تزينها الصلبان والتماثيل،وتردد فيها الترانيم المسيحية .
منذ ان سلم مفاتيح إمارته للعدو عرف أنه لم يفقد الوطن فقط بل فقد الدين واللغة ومعها الهوية .
خان العدو ميثاقه المبرم .. أين منه احترام المعتقد ؟ أين التسامح واحترام اختلاف العقائد ؟ ألم تكن الإمارة في تاريخها مجالا للتسامح والتعايش بين الأديان الثلاثة ؟
أدار لجام فرسه نحو المجهول .. سار بخطى حثيثة للحاق بالركب ؛ من بقي معه من أفراد الأسرة وبعض الخدم . وجهته الضفة الأخرى للعيش .
في منفاه الاختياري أو الإضطراري . سيجد العزاء في العيش بديار الإسلام . بين إخوته الذين كانوا يهبون لنصرة الإسلام والمسلمين ..كلما حاصرتهم جحافل الأعداء .
انقلب الوضع واختل ميزان القوى . فلله الأمر من قبل ومن بعد ؛ فالله يعز من يشاء ويذل من يشاء ، ولا غالب إلا الله .
حز في نفسه أن يكون شاهدا على سقوط آخر معاقل الإسلام . .أن يكون مسؤولا عن تسليم مفاتيح المدينة للعدو ألم يكن الأجدر به وبجنوده القتال والاستشهاد حتى آخر رمق ؟
كان سيكون انتحارا غير ذي جدوى . كان هو واتباعه قلة قليلة . في مواجهة جيش جرار قدم من كل أنحاء شبه الجزيرة محاصرا إمارة صغيرة أنهكها طول الحصار و شح الزاد والعتاد .
فكر وقرر حقن الدماء والاستسلام . لكن التاريخ لن يرحمه . أحس بذنب عظيم . ماذا سيقول عنه الأبناء والاحفاد ؟ سيلحق باسمه عار لن تمسحه الأيام . وسيحاسبونه على التفريط في بلاده … ولا غالب إلا الله …
*******************
(الرأي) :
لم يذكر الكاتب المكان ولم يرسل لنا رموزا تأخذنا إلى عالمه ولكن كلمة آخر معاقل المسلمين تجعلنا نذهب إلى أوروبا و هزيمة المسلمين في بلاد الأندلس (أسبانيا الآن ).
– استمر وجود المسلمين في الأندلس لما يقارب 781 سنة، حيث بدأ الفتح الإسلامي عام 711 م وانتهى بسقوط مملكة غرناطة آخر معاقل المسلمين عام 1492 م.
حرب غرناطة هي سلسلة من الحملات العسكرية بين عامي 1482 و1492، خلال عهد الملكين الكاثوليكيين إيزابيلا الأولى ملكة قشتالة وفرديناند الثاني ملك أراغون ، ضد إمارة غرناطة التابعة لسلالة بني نصر . انتهت بهزيمة غرناطة وضمها إلى قشتالة، منهيةً بذلك آخر ما تبقى من الحكم الإسلامي في شبه الجزيرة الأيبيرية .
آخر حاكم لغرناطة هو أبو عبد الله محمد الثاني عشر، المعروف باسم “أبو عبد الله الصغير”، الذي استسلم عام 1492م، مما أدى إلى سقوط آخر معاقل المسلمين في الأندلس. وقد اتسم عهده بالصراعات الداخلية التي استغلها ملوك قشتالة لفرض حصار على العاصمة، مما أجبره على التسليم.
الاسم الكامل: أبو عبد الله محمد الثاني عشر.
ألقاب أخرى: أبو عبد الله الصغير، بوعبديل (في المصادر الأوروبية)، والزغابي (في مصادر أخرى).
سبب تسميته بـ”الصغير”: لتمييزه عن عمه الذي كان يحمل نفس الاسم وهو “الزغل”.
سبب الاستسلام: فرض حصار استمر لتسعة أشهر على مدينة غرناطة، وبعده اضطر أبو عبد الله إلى الاستسلام مقابل ضمان حقوق سكان المدينة ونفيه.
نهاية الحكم: استسلم في الثاني من يناير 1492م.
مصدر شهرته: بسبب استسلامه، وبسبب المشهد الشهير الذي بكى فيه على غرناطة وهو يغادرها، فقالت له أمه عائشة الحرة: “ابكِ مثل النساء ملكًا لم تحافظ عليه مثل الرجال!”.
يلتقط الكاتب خيبة الأمل ويعيد توصيف كلمات الأم وهي تعير إبنها الذي
استسلم معلنا إنتهاء حكم المسلمين لبلاد الأندلس.
فكانت البداية برسم هذا المشهد الحزين من أعلى الربوة مع النظر للقصر يلوح من بعيد.
كلمات صنعت الإبداع:
سقطت دمعة،خرجت زفرة،خرجت روحه من جسده المنهك ،ألقى نظرته الأخيرة.
و الإبداع يكمن في أنها واحدة وأخيرة.
الندم :
البكاء على اللبن المسكوب لن يعيده.
فقدان المجد:
وصف القصر وحدائقه الغناء يدل على
الفقدان العظيم بعد أن أصبح بعيد عنه.
لماذا نفقد كل عزيز وغال؟
الندم يعيد الرجل لتلك الصراعات التي فرقت قادة المسلمين في حين تجمع قادة المسيحيين بدعم من البابا في روما.
أسباب الهزيمة لم تكن بسبب قلة العدد
ولم تكن لضعف الجيش ولكنها كانت بسبب فرقة القادة وتناحرهم.
الإسقاط:
رغم أن الكاتب لم يربط بين الحرب الصليبية التي هاجمت الشرق العربي
وسيطرت على بيت المقدس ودنست مقدسات المسلمين إلا أن السرد أظهر ذلك التحول العظيم فلم يعد للمساجد
ذلك الصوت الذي كان يصدح في السماء خمس مرات يوميا بالأذان.
المآذن كفت عن الأذن بينما حل محلها أجراس الكنائس وصلوات بتراتيل إنجيلية مع وشم الصليب على كل مكان داخل المساجد.
عهد المسلمين في الأندلس:
كان هناك تعايش سلمي بين المسلمين والمسيحيين وحرية في العبادة بينما
اختلف الأمر بالكلية بعد هزيمة المسلمين ومغادرتهم بلاد الأندلس.
ليست حربا بين المسلمين والمسيحيين
ولكنها حربا بين الغرب بغطاء ديني والشرق بمسلميه ومسيحييه وهذه النقطة غاية في الحساسية ولابد أن يعيها الشرقيون.
رحل العرب عن الأندلس ولله الأمر من قبل ومن بعد .
رحيل أفقد العرب قوة السيطرة على أوروبا وجعلهم ينتقلون من حالة الدفاع
لوضع الهجوم..!
امتداد الخطر :
الرحيل لبلاد الإسلام جر معه الإحباط والمهانة ورأينا تعاقب الهزائم على الشرق حتى حقق صلاح الدين النصر ثم عادوا من جديد بزرع اليهود في بلاد المقدس…!
هل نستطيع درء الخطر عن بلادنا ؟
أم أننا سنقول مثل كاتب القصة:
لله الأمر من قبل ومن بعد ؟
مصر / 2025




