مقالات

الحركات التي تشيخ…والأوطان التي تضمحل بقلم حسين جمعة 

بقلم حسين عبدالله جمعة 

الحركات التي تشيخ…والأوطان التي تضمحل
بقلم حسين  عبدالله جمعة 
عندما يشيخ حزب أو حركة ما،
وتتخشّب عروقه، ويغرق في لجانٍ تنبتُ من لجان…
وحين تتربع على مفاصله حيتان المال والزعامة،
وتتحول القيادة إلى مزرعة شخصية،
عندها لا تنتظروا منه نهوضًا ولا إصلاحًا—
بل انهيارًا شاملًا مهما طال الزمن.
ألم يقل ابن خلدون إن الدول تمر بثلاثة أجيال قبل أن تضمحل وتزول؟
فكيف إذا كان ما نراه اليوم أشدُّ من أفول دولة…
إنه أفولُ روح وفكرة وحركة كاملة؟
بعد انهيار الحرب الباردة، وسقوط جدار برلين،
تبدّل العالم كلّه… إلا نحن.
أنظمة عربية طال حكمها لم تتعلم،
فانهارت لأنها رفضت العدالة والشفافية والديمقراطية.
فما بالك بالحركات والفصائل التي ما زالت تُدار بعقلية ما قبل التاريخ،
وتُحكم بعُقد الزعيم، والكرسي، وعبادة الأشخاص؟
وإذا سألنا:
من منع العرب من الوحدة؟
من مزّق الشباب بين المنافي؟
من قتل الحلم في بدايته؟
من صادر فرص العمل، والكرامة، والقدرة على بناء مستقبل؟
الجواب بسيط ومؤلم:
نحن الذين صنعنا الطغاة… ثم بكينا من ظلمهم.
في لبنان مثلًا، سُرقت أموال الناس من المصارف بلا خجل،
سُرقت مدّخرات العمر،
سُرقت حياة كاملة.
شبابٌ تغيّر مسار حياتهم فجأة،
طموحاتٌ دهستها طبقة سياسية لا ترى إلا مصالحها،
وعائلاتٌ دفعت ثمن فسادٍ مُقنّن ومحمِيّ من الدولة نفسها.
أيُّ خيانةٍ للأوطان أكبر من سرقة مستقبل مواطنيها؟
والمؤلم أكثر أن الحركات التي يفترض أن تحمي الناس
أصبحت شريكًا في تجويعهم.
حركاتٌ فاشلة، تقود الأوطان إلى حروبٍ جديدة
لا أفق لها ولا استعداد،
حروبٌ تُستعمل كحجة لتبرير العجز الداخلي
ولإسكات الأسئلة المشروعة عن الفساد والسرقة والانهيار.
نحن نسير اليوم داخل نفق مظلم،
منطقةٌ تُعاد صياغتها بوجهٍ جديد،
حدودٌ تتحرّك، دولٌ تتبدّل،
ومع ذلك…
ما زالت بعض القوى تعيش في عالمها الخاص،
لا تتعلم من الهزائم،
ولا تقرأ المتغيرات،
ولا تستوعب أن زمن الشعارات انتهى
وأن زمن الناس والحقوق قد بدأ.
أصبحت أغلب الحركات والأحزاب العربية والفلسطينية
ترفض التجدد،
وتخشى الشباب،
وتحارب الكفاءات،
وتخنق أي صوت خارج جوقة “سِير يا زعيم ونحن وراؤك”.
وهكذا يُفرَّغ الوطن من نبضه،
وتُفرَّغ الحركات من شبابها،
وتتحول المقاومة نفسها إلى مؤسسة مترهّلة
تخشى التغيير أكثر مما تخشى العدو.
في علم السياسة، يسمّى هذا المدخلات:
غضب الناس، حراك الشباب، صراخ الشارع.
ولكل مدخل مخرج…
إلا عندنا.
عندنا، المخرج الوحيد هو:
التسويف، المماطلة، قتل الوقت،
وتشكيل لجان لا تُولد منها إلا لجان.
وفي النهاية: هجرة الشباب… وتشييع الأوطان.
إن ما يجري اليوم ليس مجرد خلل تنظيمي،
بل هو سقوط أخلاقي وتاريخي وسياسي.
جيل كامل يُهاجِر لأن الفصائل لم تترك له إلا باب الهروب.
جيل كامل يرى وطنه يتآكل،
بين فسادٍ محمي،
وسرقة مُقنّنة،
وزعاماتٍ تجاوزت عمر الفكرة…
ولم تتجاوز شهوتها للسلطة.
تبقى العبرة لمن يعتبر،
لكن…
على من تقرع مزاميرك يا داوود؟
حسين عبدالله جمعه
سعدنايل لبنان

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب