مقالات
ذهنية الاستعانة بالأجنبي في الوطن العربي العراق أنموذجاً بقلم الاستاذ الدكتور عزالدين الدياب -استاذ جامعي -دمشق –
بقلم الاستاذ الدكتور عزالدين الدياب -استاذ جامعي -دمشق -

ذهنية الاستعانة بالأجنبي في الوطن العربي العراق أنموذجاً
بقلم الاستاذ الدكتور عزالدين الدياب -استاذ جامعي -دمشق –
لن نخوض في الجدال حول وجه العلاقة بين مفهوم الذهنية،ومفهوم العقل،فهذا لايأتينا بما يفيد مقاربتنا،حول ذهنية الإنسان العربي الذي يستعين بالأجنبي.ويكفينا قولاً إن الذهنية من تكوين الثقافة،وقد أتى على هذا القول،معلمنا ابن خلدون،في مقدمته التي أسّست لعلم الاجتماع،وما ينبثق منه من علوم رديفة،” الإنسان ابن عوائده”أي ماتكونه ثقافته لشخصيّته،وما تطبع ذهنيته من قيم وأعراف وتقاليد وعادات..
إلخ من مكونات ثقافته.
ونرى مكونات الثقافة بوضوح لالبس فيه،بمقولة أو أطروحة
أنثروبولوجية،شكلت نداء العلم الأنثروبولوجي الثقافي بقولها:
“قل ما ثقافتك أقول لك من أنت”وفي هذا القول إشارة واضحة الى الشخصية الاجتماعية للإنسان،وما فيها ولها من معالم ومحددات ثقافية،ومن هنا يأتي القول بالشخصية العربية،والصينية ،والفرنسية،والماليزية…إلخ.
هذه المقدمة تريد بنا أن نصل إلى ماتصبو اليه هذه المقاربة
من أن الذهنية العربية،أو ذهنية الشخصية العربية،هي ولادة
وتكوين الثقافة العربية،التي تتغطى بلحافها،ونفكر بمحدداتها
من فكر وقيم ومعاني وتراث،وعادات وتقاليد وآداب اجتماعية
وخلقية.وكيف ننظر إلى ماحولنا،ومن ثم كيف نتعامل مع ما
يحيط بنا.وكيف نأخذ مواقفنا،المصحوبة بردود فعلنا.
على هذا الأساس،وبناء على ما تقدم،نقول إنّ ذهنية الشخصيّة العربية ولادة لتكوين الثقافة العربية،والمعروف أنّ الثقافة العربية الشعبية لها سيرورتها في التراكم والتغير والتبدل،شأنها شأن كل ثقافات العالم،وإن كانت تتفرد عن غيرها من الثقافات،بحكم موقعها الجغرافي،وماله من موقع ومكانة،يعطيها خصوصيّتها الثقافية والاجتماعية،وسلوكها الاجتماعي،وماله من مصاحبات،وليدة الظروف التاريخية والآنية،وما تعيشه من ملابسات نراها ونعيشها ونستدل عليهافي حياتنا اليومية.
وعن سؤال تطرحه المقاربة على نفسها،هل ما أتت به يخوّلها ويمكنها من أن تقول كلمتها،في ظاهرة عربية ،موغلة في قدمها،وهي ظاهرة الاستعانة بالأجنبي ،بوصفها ظاهرة سكنت الذهنية العربية،وتعايشت معها في تاريخنا العربي،قديمه ووسيطه وحديثه،
ومن أين لها بدلالات ومؤشرات تقول إنّ التاريخ العربي عرف وعاش أكثر من مرة ظاهرة ذهنية الاستعانة بالأجنبي، مثل استعانة الغساسنة والمناذرة بالروم والفرس،وصولاً إلىً إستعانة الذهنية العراقية،وعندما نقول الذهنية العراقية،لا نقصد الشعب العراقي برمته،وإنما فئة محدودة منه،استعانت بالحلف الأطلسي،بعد أن فشلت في إسقاط النظام السياسي. وكيف لهذه الذهنية أن تتشل وتتكون؟
سنأتي بجواب،لانغوص في تفسير محدداته ووضع المعاني الصحيحة ،إلاّ بالقدر الذي يوضع المعنى الصحيح.ننطلق في الإجابة،حسب رؤيتنا لظاهرة الاستعانة بالأجنبي من خلال مفهوم ألمواطنة في الثقافة العربية،وفي التشكيل القبلي الذي ساد الحياة العربية،صحراءومدن وقرى،وتميز بها حتى هذه اللحظة،
المواطنة في قلب القبيلة،وفي بناها الاجتماعية،وكانت محدداتها في عصبية القبيلة،التي تشكل دنيا وعالم ووسطه الجغرافي للفرد في القبيلة،ولا يغيب عن بالنا انقسام العصبيةحسب مستويات القربى من الجد المؤسس لهذا القبيلة وتلك العشيرة،حتى مناطق الرعي كانت تشكل جغرافيا للقبيلة وللمواطنة في هذه القبيلة،ويكفي أن نلفت نظر القارئ إلى السجال القبلي في الشعر والغناء ًالحكايات المتداولة.
إذاً؛ مفهوم المواطنة انذاك،لا يعبر خارج القبيلة ومستوياتها القرابية،وهذا المفهوم للمواطنة،توحيدي وتقسيمي داخل القبيلة،تصادمي مع القبائل الأخرى،داحس والغبراء،وحروب القبائل،وصولاً إلى دولة القبيلة،وانقساماتها وولاءات القبيلة وانتماءاتها المحكومة إلى شيخ القبيلة،وسنده من وجهائها القبلية،كانت في حالة الكر والفر
والغزو،تستعين من خارجها،وصولاً إلى حالة الاستعانة بالأجنبي
،كحالة المناذرة والغساسنة وامتداداتها.
وبما إن مفهوم المواطنة في وطننا العربي،لم يلبس حليه
وما يقال الآن حقوقه كاملة،من الحرية والمساواة،والحقوق والواجبات والعدل الاجتماعي…إلخ،فلا يزال المواطن العربي يجد سنده في قبيلته وعائلته،وحيه ويستعين بها،ويذهب معها في استعاناته وصولاً للأجنبي في الحالة العراقية.
ترى هل تجد الاستعانة بالأجنبي محركاتها القبلية والجهوية
وحتى الحزبية في حياتنا العربية،وهل نتعلم الدرس من هذه الاستعانات التي جلبت للأمة العربية الخراب والتخلف والإبراهيمية واليأس واللامبالاة التي راحت تسكن وعي الكثير من شباب هذه الأمة،ورواح بعضهم إلى العمالة لأجهزة المخابرات الأجنبية،ومن ثم هل نجد الاستعانة بمنظمات حقوق الإنسان ضد حكام الظلام مستوى من مستويات الاستعانة بالأجنبي،وهل نرى في تمويل دول الخليج للعدوان الأطلسي مستوى من مستويات الاستعانة بالأجنبي،وهل نرى في الحضور التركي والأمريكي في الحياة السورية الأمنية والسياسية غداة التغيير استعانة بالأجنبي .
إنها اسئلة الساعة في حياتنا العربية المطروحة على العقل العربي ماثلاً في قواه الوطنية والقومية،وهل نجد له جواباً في وحدة وطنية عربية،تقلب طاولة الاستعانة بالأجنبي قلباً نضالياً على الصورة التي تمت في عقدي الخمسينات والستينيات من الألفية الثانية،يوم أسقط حلف بغداد وحجمت القواعد العسكرية،ويوم ناصر الشعب العربي مصر في العدوان الثلاثي عليها،يوم خرج اتحاد العمال العرب قراره بالامتناع عن تفريغ البواخر الأجنبية في السواحل العربية.*
*أملت علينا مكونات المقاربة الاختصار في ذكر الأمثلة ومستحقاتها من الشرح والتفصيل،والاختصار في شرح مفهومً المواطنة في القبيلة والعشرة،وحضوره حتى هذه اللحظة في حياتنا العربية.
د عزالدين حسن الدياب



