الفكر الهجين وتحديات الهوية الوطنية

الفكر الهجين وتحديات الهوية الوطنية
بقلم المحامي علي أبو حبلة
في ظل التحولات الثقافية والاجتماعية والسياسية التي يشهدها العالم اليوم، يبقى الكاتب والمفكر والأديب مرآةً حقيقية للمجتمع، وعبارة عن انعكاس مباشر للمرأة والقيم الاجتماعية التي تحتضنها الأمة. ومن هنا، فإن أي خروج عن هذه القيم، أو تشويه لصورة المجتمع، لا يقتصر على مجرد نقد أو تحليل، بل يمتد إلى تهديد الهوية الوطنية والدينية والاجتماعية للمجتمع بأسره.
حين يشطح البعض بأفكاره، ويصور المجتمع على أنه ظالم مستبد، أو يمارس القهر والإقصاء والتنمر بحق المرأة، أو يركز على الظواهر السلبية بطريقة مبالغ فيها، فإنه يضرب صورة المجتمع من الداخل ويقوض تماسكه الاجتماعي والثقافي. وما يزيد المخاطر تعقيدًا هو محاولته التماهي مع قوانين وأطر غربية، بما في ذلك النسخ المتطرفة من الاتفاقيات الدولية مثل اتفاقية سيداو، بهدف إعطاء شرعية خارجية لأفكار وأطروحات تهدد خصوصية المجتمع وثوابته الأخلاقية والدينية.
الأبعاد الاجتماعية والفكرية
الفكر الهجين الذي يُقدّم أحيانًا تحت شعارات براقة وعناوين جذابة، يمس جوهر المجتمع وهويته الإيمانية. فهو لا يقتصر على التأثير على البنية الفكرية فحسب، بل يهاجم القيم الأخلاقية التي تحافظ على تماسك المجتمع ووحدة الأسرة الفلسطينية، ويخلق فجوة بين الجيل الجديد والقيم الوطنية والدينية التي نشأ عليها المجتمع. إن انتشار هذا الفكر بدون ضوابط يضعف المنظومة الأخلاقية ويزيد من هشاشة المجتمع أمام قوى خارجية تسعى إلى تغيير هويته الثقافية والدينية.
الأبعاد السياسية والاستراتيجية
سياسيًا واستراتيجيًا، يمثل الفكر الهجين تهديدًا للهوية الوطنية، إذ إنه يقوض وحدة المجتمع ويضعف القدرة على مواجهة التحديات الإقليمية والدولية. ففي وقت تتعرض فيه القضية الفلسطينية لضغوط سياسية واقتصادية كبيرة، يصبح أي تآكل في الهوية الثقافية والاجتماعية عامل ضعف إضافي، يمكن استغلاله سياسياً. كذلك، فإن انتشار هذا الفكر يساهم في خلق انقسامات داخلية تهدد التماسك الوطني، ويزيد من قدرة القوى الخارجية على فرض أجنداتها عبر أدوات ثقافية واجتماعية.
الأبعاد الاقتصادية
على الصعيد الاقتصادي، يرتبط تماسك المجتمع بالقيم الاجتماعية والأخلاقية التي تحافظ على المؤسسات الأسرية والمدنية، وتضمن بيئة مستقرة للاستثمار والتنمية. الفكر الهجين، الذي يهاجم القيم التقليدية والأخلاقية، يهدد الاستقرار الاجتماعي الضروري لتحقيق نمو اقتصادي مستدام. فعندما يتم تقويض المبادئ الأخلاقية والاجتماعية، ينخفض مستوى الثقة بين الأفراد والمؤسسات، ويزيد من الفساد الإداري والاقتصادي، ما ينعكس مباشرة على قدرة المجتمع على مواجهة تحديات البطالة والفقر وتطوير الاقتصاد المحلي.
المواجهة والحدود الضرورية
مواجهة هذا الفكر لا تعني رفض النقد أو الحداثة، بل تعني وضع ضوابط واضحة تحافظ على القيم الدينية والاجتماعية، وتوازن بين حرية التعبير والتزام المجتمع بأطره الأخلاقية والثقافية. المطلوب من المثقفين والكتّاب وصناع القرار والمجتمع المدني أن يتحملوا مسؤولياتهم الوطنية في تصحيح المسار الفكري والثقافي، ووضع خطوط حمراء بين النقد البنّاء والانحراف الفكري المدمر.
في الختام، يبقى المجتمع الفلسطيني مجتمعًا متماسكًا تجمعه الضوابط الأخلاقية والتقوى الدينية، وعليه أن يحمي هذه الثوابت من الفكر الهجين الذي يسعى إلى زعزعتها. حماية الهوية الوطنية والدينية والاجتماعية ليست خيارًا، بل ضرورة استراتيجية لضمان استقرار المجتمع ومواجهة التحديات السياسية والاقتصادية والثقافية القادمة.




