الافتتاحيهرئيسي

استحقاقات المرحلة والتحولات الدولية

استحقاقات المرحلة والتحولات الدولية

بقلم رئيس التحرير 

تشهد القضية الفلسطينية تحولات سياسية وقانونية غير مسبوقة، ترافقت مع مخرجات مؤتمر نيويورك 2025 وما تبعه من اعترافات دولية متسارعة بالدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس، إضافة إلى رأي محكمة العدل الدولية لعام 2024 الذي أكد عدم شرعية الاحتلال الإسرائيلي واعتبر ممارساته شكلاً من أشكال الضم غير القانوني والفصل العنصري، ودعا إلى إنهائه دون إبطاء.

كما جاء قرار مجلس الأمن 2803 الداعي لوقف إطلاق النار ليعكس تغيرًا في المزاج الدولي، لكن إسرائيل تهربت من تنفيذه واستغلته لتكثيف الاستيطان، وفرض وقائع جديدة في الضفة الغربية، وإضعاف السلطة الفلسطينية عبر الضغط المالي ومحاولات فك الارتباط مع البنوك الفلسطينية، في إطار خطة تهدف إلى تعميق الأزمة الداخلية وتفكيك بنية المؤسسات الفلسطينية.

أمام هذه المعطيات، يصبح ترتيب البيت الفلسطيني ضرورة وطنية ملحّة، تتطلب خطة شاملة لا تقف عند حدود الاجتماعات البروتوكولية أو التصريحات الإعلامية.

أولًا: التحولات الدولية ليست بديلاً عن ترتيب الداخل الفلسطيني

لا تكفي الاعترافات الدولية ورأي محكمة العدل الدولية لتحقيق تقدم فعلي ما لم يُرفقها تحرك فلسطيني منظم يستثمر هذا الزخم السياسي.

فالاحتلال يراهن على الانقسام الداخلي وعلى غياب الرؤية الموحدة، وعلى انشغال الساحة الفلسطينية بخلافات سياسية وإعلامية تفقد المشروع الوطني زخمه وقدرته على التأثير.

لذلك، بات مطلوبًا وضع استراتيجية وطنية موحدة تقوم على تحصين الداخل وتعظيم الاستفادة من البيئة الدولية المتغيرة.

ثانيًا: إصلاح النظام السياسي… مدخله مجلس تشريعي انتقالي يحكمه سقف زمني

إن أي إصلاح سياسي يتجاوز إعادة بناء الشرعية الدستورية لن يكون إصلاحًا حقيقيًا. وهنا تبرز الحاجة إلى مجلس تشريعي انتقالي محدد بسقف زمني واضح، يتولى إدارة المرحلة الانتقالية والتحضير لانتخابات تشريعية، ورئاسية، ومجلس وطني، تحت إشراف أممي يضمن النزاهة والشفافية.

ويُفترض أن يقتصر دور هذا المجلس الانتقالي على:

سن التشريعات الضرورية للمرحلة الانتقالية؛ الرقابة على أداء الحكومة ومساءلتها؛ وضع الإطار القانوني لإجراء الانتخابات؛ خلق بيئة سياسية وطنية جامعة تسمح بمشاركة جميع القوى.

إن تشكيل مجلس تشريعي انتقالي يعيد الثقة بالمؤسسات، ويمنع الفراغ السياسي، ويشكّل خطوة أساسية نحو إعادة بناء منظمة التحرير ومؤسسات الدولة على قاعدة الشراكة والديمقراطية.

ثالثًا: وحدة الموقف الفلسطيني شرط لاستثمار الموقف الدولي

إن استمرار المناكفات السياسية وتبادل الاتهامات والحملات الإعلامية يضعف الموقف الفلسطيني، ويشوش على الأولوية الوطنية التي تتمثل في حماية الأرض والوجود.

المرحلة تتطلب:

موقفًا وطنيًا موحدًا يقوم على برنامج سياسي جامع؛ وقف الحملات الإعلامية التحريضية التي تضر بالنسيج الوطني؛

تشكيل حكومة وحدة وطنية تقود مرحلة فك الارتباط التدريجي عن الاحتلال، والتحلل من القيود السياسية والأمنية والاقتصادية لاتفاق أوسلو؛ تفعيل أدوات القانون الدولي لمساءلة إسرائيل على الاستيطان والضم.

رابعًا: دعم صمود الداخل أساس أي مواجهة سياسية أو قانونية

لا قيمة لأي تحرك خارجي ما لم يكن صمود الداخل متماسكًا. وهذا يتطلب:

  1. خطة اقتصادية تحمي المجتمع الفلسطيني من آثار حصار الاحتلال؛
  2. تعزيز صمود المناطق المهددة بالاستيطان؛
  3. تحسين الأداء المؤسسي ومكافحة الفساد وترسيخ سيادة القانون
  4. إعادة بناء الثقة بين المواطن ومؤسسات الدولة.

خاتمة: فرصة تاريخية تتطلب إرادة سياسية موحدة

لقد وضعت التحولات الدولية – رأي محكمة العدل الدولية، مخرجات مؤتمر نيويورك، الاعترافات الدولية بالدولة الفلسطينية، وقرار مجلس الأمن 2803 – الاحتلال أمام عزلة سياسية وقانونية غير مسبوقة.

لكن هذه الفرصة مرشحة لأن تضيع إذا لم يُرافقها تحرك فلسطيني جدي يعيد ترتيب البيت الداخلي، ويضمن مسارًا سياسيًا موحدًا يقود إلى إنهاء الاحتلال وترسيخ الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس.

إن اللحظة السياسية الراهنة تتطلب إرادة وطنية موحدة، ورؤية استراتيجية واضحة، وتفعيلًا حقيقيًا للأدوات القانونية الدولية قبل أن تلتهم الوقائع الميدانية ما تبقى من الأرض والحقوق.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب