مقالات

الحرب الكارثية قراءة اجتماعية بقلم محمد الأمين أبو زيد

الحرب الكارثية قراءة اجتماعية
✒️ محمد الأمين أبو زيد
من المفارقات الغريبة في المجتمعات الإنسانية المتقدمة وغير المتقدمة على السواء في موقفها المعياري والاخلاقي والديني من قضية الحرب هو التحريم الصارم لإلحاق الأذى الجسدي بالبشر، مدعوم بأنظمة قانونية متعددة تؤكد على حق الإنسان في الحياة والعيش بسلام. رغم ماسبق الإشارة إليه يجد استخدام العنف مسوغات في الثقافة الشعبية السودانية ووسائل الإعلام وحتى في عقول المثقفين!
وتحوز الحرب والعنف على انتباه الناس، بينما لا تجد مفاهيم السلام المجتمعي والتعايش السلمي على ذات الأولوية من الاهتمام! يحاول المقال تفسير هذا التناقض في المواقف من الحرب الكارثية في السودان التي دخلت شهرها الثاني وهي تحدث مزيداََ من التدمير الشامل وفقدان الاتجاه.
يستند المقال في تفسيره لرؤيتين مختلفتين في تفسير موقف الإنسان من الحرب والتي تضمنها كتاب سوسيولوجيا الحرب والعنف لسيشيتا مالشيفتس، يمثل الرؤية الأولى ميكافيلي وهوبز الذين اعتبرا (الإنسان مخلوق متناقض وأن تحت سلوكياته المتحضرة وأخلاقه الإيثارية يرقد وحش يتربص أول فرصة لكي ينقض على إخوته في البشرية ويمارس العنف).
أما الرؤية الثانية يمثلها روسو وكنط والذين اعتبرا (البشر في الأساس هم مخلوقات مسالمة وضعيفة ورحيمة ومتعاونة، وقد أضحت عنيفة تحت تأثير الأسقام الاجتماعية كالملكية الخاصة، أو التقسيم الطبقي أو الجشع الممأسس وغيرها)..
تحت هاتين النظرتين يمكن تفسير كثير من مواقف السودانيين افراداََ عاديين وكيانات اعتبارية، وكذلك تفسير كثير من الظواهر التي ارتبطت بالحرب والانفلات الأمني والفوضى من نهب وتدمير وسطو.. الخ والتي تؤشر حالة الشرور المكبوتة في النفس البشرية في مجتمع تعرض لتدمير ممنهج.
الحروب تنشأ بسبب صراعات سياسية بين كيانات مستقلة ومختلفة ولكن آثارها لا تقف عند حدود أسبابها المباشرة، ولا تنتهي باتفاق لوقف إطلاق النار، وإنما ستحدث اضرارا شاملة في بنية المجتمع تحتاج لسنين طويلة للتعافي، لا سيما في ظل مجتمعات ضعيفة البنية والتماسك كما هو حال بلادنا.
إن الآثار المترتبة على الحرب:
سياسيا: تقضي على فرص الحلول السياسية والديمقراطية لمشكلات البلاد، وتوفر أجواء من الانقسام والاستقطاب الحاد مع وضد.
اجتماعيا: ستحدث شروخ اجتماعية يصعب رتقها، وحالة من الغبن الاجتماعي يصعب تجاوزها.
اقتصاديا: تدمر الحرب البنية التحتية وأي فرص للتقدم وتوقف التنمية والإنتاج وتتلازم معها ظواهر البطالة، والنزوح واللجوء، والتضخم، وارتفاع تكاليف وصعوبة المعيشة، وغيرها من الظواهر التي تعجل بالانهيار الاقتصادي كمقدمة لانهيار الدولة.
إن التكلفة الاقتصادية للحرب أعلى من التكلفة الاقتصادية للحياة.
ثقافيا: تنشأ ثقافة العنف كثقافة مناقضة للتعايش والسلم الاجتماعي والحوار الديمقراطي.
بيئيا: تستخدم الحرب سياسة الارض المحروقة التي تدمر الموارد والبيئة الطبيعية للانسان.
ان المنطلق الذي يتسق مع الفطرة الإنسانية والوجدان السليم ينبغي أن يدين الحرب وأطرافها الداعمين لها وان يدعو لوقفها فوراََ، لا سيما أن طرفيها المتنازعين لا ينتميان إلى فكر الثورة والتغيير التي تأسست على وعي التغيير السلمي وعلى شعارات الحرية والسلام والعدالة.
إن طرفي النزاع ومن يقف خلفهما يمارسان خداع الشعب بالتخفي خلف الشعارات الكاذبة، التي تضمر جوهر الصراع الحقيقي بطابعه السياسي والاجتماعي حول السلطة والثروة والموارد والتفرد بالقرار مستخدمين المؤسسات العسكرية ستار للاطماع.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب