مقالات
عناوين في دفتر الحرب الكارثية(2) بقلم محمد الأمين أبوزيد-السودان –

عناوين في دفتر الحرب الكارثية(2)

تدخل الحرب التي تدور رحاها منذ منتصف ابريل اسبوعها الثالث، ناسفةََ فكرة الحرب الخاطفة المستندة على التفوق الجوي والتفوق النوعي القتالي المستند إلى الخبرة التي تتمتع بها القوات المسلحة، لكن هنا يثور سؤال محوري هل استطاعت القوات المسلحة حسم أي تمرد او احتجاج مسلح في السودان منذ تمرد توريت مارس 55 وحتى نشوء حركات دارفور 2003. ؟ الحقيقة تقول ان كل التمردات انتهت إلى تفاوض بين الحكومة وحركات التمرد باستيعاب افرادها ضمن بروتوكولات للدمج والتسريح كجزء من اتفاقيات سلام.
بالرغم من أن كل التمردات لم تكن ساحتها القتالية المدن.
سنستكمل في هذا المقال عناوين أخرى علها تسهم في رسم الصورة للأزمة التي فجرت الحرب الكارثية..


يعتبر تدخل الجيوش في السياسة واحدة من سمات دول العالم الثالث الأكثر تخلفاََ،وهذه السمة كانت خصماََ من مسيرة التطور الوطني الديمقراطي ودورة الدولة المدنية الطبيعية، وفي السودان اختصمت 55 عاماََ من مسيرة التقدم والتنمية والتطور لصالح الشعب.
ان الجيوش لم تؤسس للحكم وإنما لحماية الدول وحراسة النظام السياسي الدستوري والدفاع عن تراب الوطن وسيادته، وتعمل تحت إمرة الحكومات المدنية المؤسسة على وضع دستورى ونظام حكم متوافق عليه.
إن تدخل العسكر في السياسة والاقتصاد يفسد المؤسسة العسكرية ويخرجها من مهامها، وينمي نزعة الحكم ونزغ السلطة والتسلط على الشعب لدى افرادها، وهذا يتناقض مع طبيعتها المهنية التراتبية الانضباطية ويجعلها عرضة للاستغلال السياسي من قبل القوى السياسية الفاشية الطامحة للحكم خارج سياق النظام الديمقراطي والتي تعمل على تغذية هذه النزعات لدى قادتها ودفعهم لتنفيذ الانقلابات العسكرية.
لقد رصدت التجربة السودانية تدخلاََ كثيفاََ للمؤسسة العسكرية في دهاليز السياسة بكثرة الانقلابات العسكرية، هذه المسلمة لاتعفي القوى السياسية يميناََ ويساراََ من مسؤوليتها عن هذا الخلل البنيوي والتشوه السياسي.
يعتبر فترة الانقلاب العسكري الذي قادته الجبهة الإسلامية في 89 والذي استمر ثلاثين عاماََ، من أسوأ المراحل التي تعرضت فيها القوات المسلحة للتخريب والتجريف والادلجة التي تمددت من اختيار الطلبة العسكريين للكلية الحربية بعيداََ عن المهنية واتساقاََ مع الولاء السياسي،ورفد المخالفين المشتبه بهم سياسياََ واحالتهم للمعاش، وانتهاءاََ بالعقيدة العسكرية والتدخل المباشر للمدنيين السياسيين وفق مااورده احد ضباطها(الفريق هاشم عبدالمطلب) في تحقيق حول اشتراكه في محاولة انقلابية انه يتلقى تعليماته من شيخه(على كرتي) ومن سوانح القدر أن المحقق معه هو قائد قوات الدعم السريع (حميدتى)!!.
ان هذا الاختراق الذي طال المؤسسة العسكرية في فترة الانقاذ حولها من مؤسسة مهنية احترافية إلى أداة بيد تنظيم سياسي وادخلها في جوف الصراع السياسي بدلاََ من حياديتها والنأي بها عن الاستقطاب السياسي وهو مانعاني ويلاته الآن.

اتسمت فترة الانقاذ وبالتوازي مع تفكير قادتها في تفكيك بني دولة الوطن لصالح دولة الحزب والتمكين السياسي، بإنشاء تنظيمات موازية في الخدمة المدنية(كتائب ظل) وفي المؤسسات النظامية. فقد عملت الانقاذ على انشاء تنظيمات الدفاع الشعبي وكتايب المجاهدين والأمن الشعبي والشرطة الشعبية، واسست قسم بمهام قتالية في جهاز الأمن(العمليات) كل هذه التنظيمات تحت إشراف عسكريين ومدنيين منظمين، تحت مبررات دعم ومساندة القوات المسلحة في الجهاد المقدس في جنوب السودان، بينما الهدف المقصود هو بناء توازنات أمنية تضمن استمرارية النظام وتحافظ على استمراره.
ضمن السياق أعلاه ايضاََ وفي سبيل خطة اضعاف السودان من خلال سلطة الدولة المركزية ثم اضعاف القوات المسلحة وتقليص دورها كانت فكرة تبني الدعم السريع الذي بدأ كتائب قبلية في دارفور وتوظيفه لضرب الحركات المسلحة عندما عجزت القوات المسلحة في حسم التمرد. احتضنت الانقاذ الدعم السريع ودعمته بالمال والتدريب والإشراف وشرعت له القانون الي أن أصبح جيشا موازيا لاتنقصه سوي أسلحة المدرعات والطيران وشرع في تاسيسها.
كانت الانقاذ ترمي من فكرة التنظيمات الموازية ضمان بقاء النظام لاطول فترة ممكنة وارهاب الشعب وعسكرة المجتمع، لكن للأسف لم يسعفها الزمن لتنزيل الفكرة على أرض الواقع بقلب الإرادة الوطنية الوطنية الموازين لتفجير ثورة ديسمبر.

يفترض قادة القوات المسلحة ومن خلفهم الإسلاميين أن المعضلة والاختلال في الميزان العسكري يكمن في وجود الدعم السريع وطموحه السلطوي، بينما المعضلة الأكبر في انتشار السلاح وتناسل الحركات المسلحة التي نشأت كرد فعل لسياسات النظام تجاه معارضيه في تغذية نزعات حمل السلاح(الدايرنا يشيل البندقية ويواجهنا) بالإضافة إلى تغذية النزعات الجهوية والقبلية في إطار خطة تقسيم وتفتيت المجتمع.
ان تعامل النظام مع قضايا ومشكلات البلاد من منطلقات أمنية بحتة، وتحت رافعة الاختلاف السياسي الفكري والديني هي التي قادت لانفصال الجنوب وهي ماستقود وفق الحرب الراهنة الي انفصالات موازية.

تكمن قضايا الأزمة الوطنية السودانية في معرفة محركاتها الأساسية السياسية والاقتصادية والاجتماعية ضمن عناوين أزمة التطور الوطني، وعليه تبدو المعالجة بضوء دور القوات المسلحة في تاريخ السودان السياسي الحديث، هي في الإبتعاد عن ممارسة السياسة الذي يحرمه قانونها ودورها الطبيعي ،وفي قطع الصلة بالانقلابات العسكرية كطريق مختل للوصاية على الشعب في دورة الحكم، وفي الالتزام المهني الحرفي في الدفاع عن حماية التراب السوداني ووحدته وفي الزود عن السيادة الوطنية، لاسيما وأن هناك العديد من أرض السودان في أيدي جيران السودان. وفي الوقت الذي تتربص قوي إقليمية ودولية بموارده، وتتآمر على فرص نموه ونهوضه اذا ماتوحد السودانيون حول مشروع وطنى، ونظام حكم يستند الي دولة مدنية ديمقراطية على أسس المواطنة والهوية الوطنية الجامعة.
من هنا تأتي أهمية وقف الحرب العبثية الخاسرة التي أراد منها الفاعلين والمحرضين بخبث وادعاء دعم القوات المسلحة في معركة كرامة متوهمة هي المدخل العاجل لمعالجة قضايا البلاد ومهام استكمال التحول المدني الديمقراطي.. لاكرامة في حرب يقتتل فيها أبناء الشعب بحثاََ عن سلطة وجاه بعيداََ عن اهداف الثورة والتغيير..
#لا للحرب الكارثية