مقالات

الاتفاق السعودي – الايراني :  حاجة ايرانية اكثر منه سعودية  — المحامي حسن بيان

الاتفاق السعودي – الايراني :

 حاجة ايرانية اكثر منه سعودية  

المحامي حسن بيان

دون مقدمات اعلامية ، اعلن عن اتفاق سعودي – ايراني برعاية صينية بعدما كانت الحملات السياسية والاعلامية بلغت ذروتها بين الطرفين منذ القطيعة الدبلوماسية بينهما وسحب السفراء واغلاق القنصليات.   هذا الاتفاق الذي بدا مفاجئاً لكثيرين ،لايمكن ان يكون  ابن ساعته ، اذ لابد ان تكون  قد مهدت له وسبقته اتصالات سرية اتسمت  بالكتمان الشديد على مجرياتها عملاً بمبدأ “واستعينوا على قضاء حوائجكم بالكتمان .”

واذا كانت المفاوضات بين الطرفين جرت في اطار من السرية التامة في مسقط  ، فإن هذه السرية كانت تجاه  العام وليس تجاه الخاص ، الذي يمتلك قدرة تتبع خطوط التواصل واعتراض المخابرات حتى المحاط منها بما يظن انها سرية جداً.

هذا الاتفاق اختلفت القراءات السياسية حوله ، منهم من اعتبره محدوداً في الزمان والمكان والمفاعيل ، ومنهم من اعتبره اتفاقاً يتجاوز محدودية الساحات والقضايا التي كانت مسرحاً ومثاراً للخلاف. وهذه الاختلافات في القراءة السياسية لها ما يبررها لسببين رئسيين ، الاول ،  هو درجة العداء السياسي الذي حكم العلاقة السابقة للاتفاق ، والثاني هو طبيعة الراعي له.

فأية قراءة سياسية  تنطبق عليه ، المحدودة المفاعيل او الشاملة ؟

مما لاشك فيه أن اي طرف يقدم على توقيع اتفاق ما  مع طرف اخر ،انما يسعى لتحقيق مصلحة خاصة به وتحديدا مايعتبر بنظره اولوية  ، والامر ذاته ينطبق على الوسيط او الراعي . هذا من جهة ، اما من جهة ثانية ، فإن اي اتفاق يوقع بين طرفين او اكثر هما او هم  في حالة اختصام السياسي إنما ينطوي على تنازلات متقابلة عندما لا  يستطيع اي طرف ان يحسم الصراع لمصلحته  .

إن من  يقف على المقدمات التي سبقت الاتفاق ، لايحتاج الى كثير عناء ليكتشف ان ايران لم تكن ترغب اساساً  بتوقيع اتفاق مع السعودية الا اذا كان اتفاق اذعان  ، لانها كانت اسيرة واقع اتسم بنظرها بفائض قوة  توفر لها بعد غزو العراق واحتلاله فضلاً عن تغولها في العمق العربي واعلان مسؤوليها على تنوع مرجعياتهم ، بأن ايران  تسيطر على اربعة عواصم عربية ،هي  بغداد ودمشق وبيروت وصنعاء.وبالتالي ، فأنه بعد  وصول هذا التغول الايراني الى امداءاته القصوى ظنت ايران  انها قادرة على املاء شروطها في ترتيبات  الحلول السياسية والامنية للازمات التي انخرطت في سياقاتها وهي  ليست على استعداد للدخول في مفاوضات تؤدي الى توازن في مخرجاتها.وهذا وجد ترجمته العملية في تعاطيها مع الازمات في اليمن والعراق وسوريا ولبنان حيث انفجرت ازمات بنيوية ، وفي  غالبية دول مجلس التعاون الخليجي التي بلغ فيها  التدخل الايراني في الشؤون الداخلية حداً تجاوز كل الاعراف والمواثيق التي تضبط العلاقات بين الدول.

لكن اذا  كانت ايران تعتقد انها تملك فائضاً من القوة يمكنها  من السيطرة  على اربعة عواصم عربية كما اعلن ذلك مسؤولوها مراراً  ، فلماذا اقدمت  اذن على توقيع اتفاق مع السعودية وصوّرت  نفسها “حمامة سلام ” وحريصة على احترام المواثيق الدولية بما يتعلق بالعلاقات بين الدول ؟  .

مما لاشك فيه ، ان السعودية لم تكن ترغب بحصول اشتباك سياسي واعلامي مع ايران ، لكن الذي دفعها الى الدخول في معمعة هذا الاشتباك كان من موقع  ردة الفعل  على التدخل الايراني المباشر  في الشأن الداخلي السعودي كما في شؤون دول مجلس التعاون الخليجي ،كما الصراع في اليمن وتزويد الحوثيين بسلاح استعمل في شن هجمات برية وجوية على مرافق ومنشئات حيوية على الحدود وفي عمق الداخل السعودي اضافة   الى  الحملات السياسية والاعلامية التي كانت  تشنها  القوى الميلشياوية  والمنصات السياسية والاعلامية التابعة لايران او المرتبطة بها على السعودية والتشويش على دورها ومواقفها.

واذا كانت السعودية لم تخف قلقها من الاتفاق الذي عقدته الولايات المتحدة الاميركية مع ايران حول ملفها النووي في ظل ادارة اوباما ، وبعدها الخروج  منه في ظل ادارة ترامب والمؤشرات التي تشير  بالعودة اليه في ظل ادارة بايدن ، فهذا الحال  ماكان يقتضي رفع درجة الحدّية  في الاشتباك السياسي الى المستوى الذي وصل اليه ، لولا البعد الذي وصل اليه الدور الايراني في الفضاء العربي  وبما بات يهدد ليس البنيان القومي وحسب  ، وانما ايضاً المصالح الاقتصادية وبشكل خاص مصالح المملكة العربية السعودية كا كبر منتج للنفط في العالم.

اذا كان كل  طرف يعتبر ان له مصلحة في توقيع اتفاق ما   مع طرف اخر ، فأين تكمن مصلحة كل من  السعودية وايران  من جراء هذا الاتفاق.  ؟

ان للسعودية  مصلحة في فض الاشتباك السياسي مع ايران لثلاثة اسباب رئيسية.

السبب الاول ، الرغبة في انهاء الصراع في اليمن حيث ايران باتت طرفاً مباشراً فيه بالاستناد الى دور الحوثيين.

السبب الثاني، ان السعودية تحتاج الى بيئة آمنة لاستثماراتها الاقتصادية خاصة تلك المتشاطئة مع البحر الاحمر ، وهذا يتطلب ترتيب العلاقات مع الدول والكيانات التي تستطيع  ان تحدث توتراً في البحر الاحمر ومنها ايران .

السبب الثالث، ان السعودية تعتبر نفسها دولة ذات دور محوري في ترتيبات الحلول السياسية للازمات التي تعصف بالعديد من الساحات العربية  بعد انكفاء دور مصر وتدمير العراق واحتلاله ، وخروج سوريا من دائرة التأثير في القرار الرسمي العربي.ومصلحتها تقتضي نسج علاقات مع  دول الجوار الاقليمي على قاعدة تصفير المشاكل   ان استطاعت الى ذلك سبيلاً.

اما  ايران فقد اقدمت على توقيع اتفاق مع السعودية لما نراه مندرجاً تحت ثلاثة اسباب رئيسية ايضاً   .

اولاً، لانها تعاني وضعاً داخلياً مأزوماً على  الصعيدين السياسي والاقتصادي ، وان الحراك الشعبي الذي انطلق في ايلول من العام الماضي ، فهو  وان لم يؤدِ الى اسقاط النظام ، الا انه كشف عن تشكل  ازمة مجتمعية عميقة  لم يحصل ان  عاشت ايران مثيلاً لها  منذ حصول التغيير السياسي واستلام المؤسسة الدينية لمقاليد السلطة. وبالتالي فهي باتت بحاجة لفترة التقاط الانفاس في تعاملها مع ازمات الخارج وحتى يتمكن النظام من احتواء تداعيات الازمة الداخلية بابعاده الاجتماعية والاقتصادية والسياسية .

ثانياً ، ان ايران بدأت تستشعر خطراً على امن جبهتها الشرقية بعد الانسحاب الاميركي من افغانستان وتسليم طالبان مقاليد الحكم ، وأن رغبتها بتبريد حماوة المواجهات على اختلافها  في جبهة الغرب التي تتشكل من العمق العربي ،املاه ادراك  ايران  ان الجبهة الشرقية ستشهد  حماوة بدأت  حرارتها بالارتفاع  مع الجار الافغاني .

ان النظام الايراني على رغم خطابه العدائي  الظاهري ضد اميركا ،  لم يرتح للانسحاب الاميركي من افغانستان وتسليم السلطة لطالبان  ، والكل يعرف ان ايران لعبت دوراً في توفير تسهيلات للاحتلال الاميركي لافغانستان كما للعراق.  وهذا ما صرح به خاتمي ، بانه لولا  مساعدة ايران لما استطاعت اميركا احتلال افغانستان والعراق. ولذلك فان ايران كانت تفضل ان تبقى اميركا في افغانستان على ان تنسحب منها.ويبدو ان اميركا لم تخرج من افغانستان وتسليم السلطة لطالبان الا لتوفير مناخات للتصادم بين الدولتين اللذين يحكمان من نظامين اصوليين مختلفين في انتماءاتهما المذهبية.

هذا من ناحية ، اما من ناحية ثانية فان التركيب القبلي الذي يتشكل من البلوش في افغانستان ، له امتداد في ايران ، ولا يخفى ان النظام الايراني كان يتدخل في الشأن الداخلي الافغاني  عبر امتدادات مذهبية ، ولهذا فان هذا العامل حيث التداخل القبلي والمذهبي قائماً، سيوفر ارضية لتشكل عوامل  توتير بين نظامين مشدودين الى عصبيات دينية ومذهبية ، يضاف اليه مشكلة المياه بين البلدين والتي هي مشكلة مزمنة  ودائمة . واذا كان الشيء  بالشيء يذكر ، فإن  الكأس التي سقى منها النظام الايراني العراق منه  في ملف المياه بتحويل مجاري ،  الانهار التي تنبع من ايران وتصب في مجاري شط العرب وانهار  العراق ، هاهو يشرب من ذات الكأس ، من خلال استعمال افغانستان لورقة المياه للضغط على ايران ، وخاصة  نهر هلمند الذي ينبع من افغانستان ويصب في ايران حيث بدأت الاخيرة تشكو من تدني منسوب المياه الواصلة اليها والتي تجعل مساحات واسعة مهددة بالتصحر.

ان ايران كانت في الموقع الهجومي على الجبهة الغربية مع العرب  ، فيما هي الان  في الموقع الدفاعي  على الجبهة الشرقية مع الافغان ، ولهذا بدت حاجتها لتبريد جبهة   لا ترتد   كثيراً على واقعها الداخلي بمثل ما ترتد عليها حماوة الصراع الاخذ بالتصاعد على الجبهة الشرقية التي تتداخل فيها العوامل الدينية والمذهبية والقبلية والاثنية  .

ثالثاً ، ان ايران تدرك جيداً ان اي صراع مندفع نحو مواجهة مكشوفة  مع افغانستان ، فإن السعودية  ستكون متعاطفة مع الجانب الافغاني  لاكثر من سبب ،  ولهذا ترى ان من مصلحتها  تحييد السعودية  في الصراع  الايراني – الافغاني .

من هنا ، بدت ايران  بحاجة للاتفاق  ومستعجلة عليه  اكثر مما هي الحاجة السعودية  وان كانت الاخيرة  تريده ولها مصلحة به  .

اما لجهة دور الراعي الصيني ، فإن الايحاءات له تبدو ايرانية اكثر منها سعودية ، وهذا دور ترغب به الصين اساساً  اولاً ،وهي  تبحث عن دور عالمي في معالجة ازمات دولية او اقليمية وخاصة مع دولتين منتجتين للنفط وهي اكبر مستورد له  وهو ما يعزز من حضورها على المستوى الدولي  ، وثانياّ ، لان للصين تأثير مباشر  على دول اسيا الوسطى بحكم جغرافيتها السياسية ولنجاح استراتيجيتها في اعادة الاعتبار لطريق الحرير الذي ينطلق  من الصين  ويمر بافغانستان وايران   وينتهي بالخليج العربي.  .

خلاصة ، ان الاتفاق كان حاجة ايرانية اكثر منه سعودية. وما سرّع به هو التطورات السياسية والعسكرية  على الجبهة الايرانية – الافغانية.اما لجهة مفاعيله فهو محدود المفاعيل نظراً لكون ساحات اختباراته العملية هي ساحات يتحرك فيها اكثر من لاعب دولي واقليمي ، وان الدورين السعودي والايراني يبقيان محدودي التأثير بالنظر الى الادوار الدولية وخاصة الدور الاميركي. ولذلك فانه لايجوز  تحميل هذا الاتفاق اكثر مما يحتمل .

 

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب