أي دور لحفتر في جرائم الدعم السريع في السودان؟
يتَّهم اللواء المتقاعد خليفة حفتر وقواته بارتكاب جرائم حرب بحقّ المدنيين في ليبيا وبحقّ الدولة الليبية، فمنذ إعلان انقلابه على مؤسسات الدولة عام 2014، أشرف حفتر وقوات الكرامة التي أسّسها على عديد الجرائم التي راح ضحيتها الآلاف بين قتلى وجرحى.
قصفت قوات حفتر طيلة السنوات الماضية، خاصة في حربها ضدّ حكومة الوفاق في طرابلس عام 2019، الأحياء السكنية والمؤسسات الاستشفائية وسيارات الإسعاف، وحتى المدارس ودور العبادة لم تسلم منها.
كما أشرف حفتر على الإعدامات الميدانية بحقّ السياسيين والنشطاء والمدنيين أيضًا في بنغازي وغيرها من المدن الليبية، وكان سببًا في انتشار عديد المقابر الجماعية في ليبيا، على غرار تلك التي اكتشفت في ترهونة عام 2020.
ليس هذا فحسب، بل زرعت قواته الألغام قرب الأحياء السكنية في طرابلس، ما تسبّب في قتل العشرات وإصابة المئات بإصابات بليغة، ونشرت الرعب والفوضى في البلاد وبين المدنيين، في مسعى منها للسيطرة على الحكم وعسكرة الدولة.
فضلًا عن ذلك، فتح حفتر أبواب ليبيا أمام المرتزقة الأجانب، إذ استعان بروس وأفارقة في سعيه للإطاحة بحكومات البلاد الشرعية، ما كبّد البلاد خسائر كبرى وجعلها ترجع سنوات إلى الوراء، وفاقم أزمتها التي مسّت جميع الأصعدة.
لم يكتفِ حفتر بارتكاب الجرائم في ليبيا، إنما امتدت جرائمه نحو دول الجوار أيضًا، وهو ما تمّ رصده مؤخرًا في السودان، إذ يتَّهم حفتر هذه المرة بالمساهمة في ارتكاب قوات الدعم السريع لجرائم ضدّ الإنسانية بحقّ السودانيين.
دعم حميدتي بالوقود والسلاح
يقول موقع “ميدل إيست آي” البريطاني، إن حفتر متورط في دعم قوات حميدتي التي تقاتل الجيش السوداني للسيطرة على حكم البلاد، لكن الرقابة الدولية دفعت حفتر إلى تغيير الطرق التي تستخدمها قواته لتزويد قوات الدعم السريع السودانية بالوقود والسلاح.
كشفت مصادر للموقع البريطاني عن أسماء القواعد الجوية التي قالت إن قوات حفتر تستخدمها الآن لإرسال الإمدادات إلى قوات الدعم السريع، مشيرة إلى أن وسائل الإعلام تداولت صورًا لشحنات أسلحة تنقَل من قواعد عسكرية بشرق ليبيا في وقت مبكّر من اندلاع الصراع بالسودان.
وفق سعد بن شرادة عضو المجلس الأعلى للدولة في ليبيا، فإن قوات حفتر تنقل الإمدادات العسكرية من الأراضي التي تسيطر عليها إلى جمهورية أفريقيا الوسطى، حيث يتم نقلها بالسيارات عبر الحدود إلى الأراضي السودانية.
يبدو أن قوات فاغنر الروسية متورطة في هذا الأمر أيضًا، إذ سبق أن ذكرت مصادر معارضة في جمهورية أفريقيا الوسطى أن حكومة بلادها تعمل مع مجموعة فاغنر الروسية لتزويد قوات الدعم السريع بالسلاح.
ونقلت مصادر عسكرية من قوات حفتر للموقع البريطاني قولها إن قوات حفتر تستخدم ما لا يقلّ عن 10 قواعد جوية وبرية في شرق ليبيا لهذا الغرض، تتولى حمايتها قوات فاغنر، من بينها قاعدة الجفرة الجوية، وقاعدة تمنهنت، وقاعدة براك الشاطئ، وقاعدة الخادم، وقاعدة جمال عبد الناصر، وقاعدة الأبرق جنوبي البلاد.
رد “جميل”
لم تكن هذه الاتهامات الأولى التي توجَّه لحفتر، إذ سبق أن نقلت صحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكية عن مصادر مطّلعة قولها إن خليفة حفتر أرسل طائرة واحدة على الأقل، لنقل الإمدادات العسكرية لقوات الدعم السريع في السودان ضمن المواجهات الحالية مع الجيش السوداني.
كما أشارت مجموعة الأزمات الدولية إلى وجود خط تهريب وقود من شرق ليبيا وجنوبها إلى قوات الدعم السريع السودانية بقيادة حميدتي، وأن هذا الخط مفتوح منذ أشهر، وأضافت المجموعة أن حفتر وحميدتي حريصان على الحفاظ على تلك التجارة المربحة.
غالبًا ما تشرف الكتيبة 128 التي يقودها حسن معتوق الزادمة وتتمركز في الجنوب قرب الحدود مع السودان، على عمليات الإسناد لقوات الدعم السريع شبه العسكرية، إذ أُسندت إليها مهمة تأمين نقل الأسلحة والذخائر والعناصر، كونها على معرفة تامة بالمنطقة الحدودية بين ليبيا والسودان.
ويبدو أن حفتر يردّ “الجميل” الذي قدّمه له حميدتي عام 2019، ففي محاولته السيطرة على العاصمة طرابلس أرسل حميدتي المئات من قواته لدعم حفتر، وفق ما كشفته الأمم المتحدة، ومع ذلك باءت محاولات حفتر بالفشل.
وأرسل حميدتي قواته لحفتر بناءً على وجود مصالح مشتركة، فكلاهما له المخطط نفسه، وهو السيطرة على الحكم بدعم من القوى العربية والإقليمية نفسها، ونعني هنا دولتَي الإمارات وروسيا، رغم نفيهما المتواصل دعم قوات حفتر وحميدتي.
يذكر أن المئات من مسلحي الجنجويد التابعين لحميدتي ينتشرون في مناطق الجنوب الشرقي الليبي، ومنها الكفرة وتازربو والسرير، وصولًا إلى مناطق حوض زلة في الشمال، على خلفية حلف وارتباطات قديمة بين حفتر وحميدتي.
جرائم حرب وانتهاكات
ساهم دعم حفتر لحميدتي في إطالة أمد الصراع في السودان، ومكّن قوات الدعم السريع من نَفَس أطول، ودفعها لارتكاب جرائم أكثر بحقّ المدنيين، جرائم تشبه التي ارتكبها حفتر طيلة الفترة الماضية -وما زال- بحقّ الليبيين.
مؤخرًا، اتهمت منظمة هيومن رايتس ووتش قوات الدعم السريع والميليشيات المتحالفة معها بتصفية 28 فردًا من قبيلة المساليت، وقتل وجرح عشرات المدنيين بدارفور غرب السودان، وقالت المنظمة الحقوقية إن العديد من هذه الانتهاكات المرتكبة، والتي وقعت في 28 مايو/ أيار الماضي في ولاية غرب دارفور، “ترقى إلى جرائم حرب”.
وفق المنظمة، فإن عدة آلاف من مقاتلي الدعم السريع هاجموا بلدة مستري التي يقطنها عشرات الآلاف من المساليت، وأثناء الهجوم تمَّ قتل الرجال في منازلهم والشوارع وأثناء محاولتهم التواري، وأطلق المهاجمون النار على السكان الفارّين، فقتلوا وأصابوا النساء والأطفال.
في الإطار نفسه، أفاد مكتب حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة إن ما لا يقلّ عن 87 شخصًا، بعضهم من قبيلة المساليت، دُفنوا في مقبرة جماعية في منطقة دارفور غربي السودان، وأضاف المكتب في بيان أن لديه معلومات موثوقة بأن قوات الدعم السريع مسؤولة عن مقتلهم.
تعتبَر هذه الجرائم جزءًا بسيطًا من جرائم حميدتي الذي يتلقى الدعم من حفتر ونفس الحلفاء الإقليميين، إذ قصفت قواته الأحياء السكانية ونهبت المنازل والمستشفيات والمدارس وعديد المؤسسات العمومية الأخرى والأسواق، وقامت بطرد الأهالي من منازلهم ومن يرفض يُقتَل.
كما انتشرت قوات الدعم السريع في عديد الطرق المؤدية إلى دارفور، ونهبت الأهالي ونشرت الرعب في صفوفهم، وهي الممارسات نفسها التي كان يقوم بها حفتر في ليبيا، بالاستعانة بمرتزقة فاغنر والجنجويد التابعة لحميدتي.
فضلًا عن ذلك، اختطفت قوات الدعم السريع وقتلت حاكم غرب دارفور خميس أبابكر، حسبما قال الجيش السوداني، وهو ما ساهم في انتشار الفوضى والعنف في المنطقة ما يدخل في صالح الدعم السريع، فقوات حميدتي تستثمر في الفوضى.
تدخُّل حفتر إلى جانب حميدتي من شأنه أن يربك الوضع أكثر في السودان، فالخطة أوكلت لحفتر نقل الدعم الخارجي لقوات الدعم السريع القادم من الإمارات وروسيا، لتشتيت الأضواء وإبعاد المسؤولية الجزائية عنهما.