مقالات

درس للطغاة من ماركيز بقلم الدكتور ضرغام الدباغ

بقلم الدكتور ضرغام الدباغ

درس للطغاة من ماركيز
بقلم الدكتور ضرغام الدباغ
في رواية الكاتب الكولمبي الشهير غارسيا ماركيز ” خريف البطريك ” مقطع حقيقة حين تقرأه ينتابك الضحك والأسف في آن واحد، وماركيز في روايته يتحدث ويروي أخبار الطغاة من حكام أميركا اللاتينية .. ويتهكم ويسخر، ويثير الضحك، وتكتشف أن هؤلاء تافهون لدرجة غريبة، وأن كل قيمته تنحدر من السوط الذي يحمله .. ومن السلاح الذي يوجهه للشعب، وبدون هذه القوة الغبية، الغاشمة بطبيعة الحال فهو لا يساوي شروى نقير …..
الطغاة الديكتاتوريين في أميركا اللاتينية هم غالباً من ضباط الجيش الفاشلين في العسكرية، الناجحين في حياكة المؤامرات، يتحين الفرصة، ومنذ أن ينال رتبة مقدم، يبدأ بالتفكير بأنقلاب، ومع حلول رتبة العقيد على كتفيه، تنضج أفكار التآمر، وحين ينفذ المؤامرة، بين رتبة الكولونيل والجنرال، يدرك أنه سوف لن يبقى طويلاً متربعاً على سدة الحكم، لذلك يتهيأ ويتدرب منذ البداية على يوم النهاية، فيعين مرافقاً له أهبل آية في الغباء، يتخذ من سيده العقيد ذروة في العلم والفهم، ينفحه ببعض الدولارات بين الحين والآخر …
حين سمع الديكتاتور أصوات سلاسل الدبابات تقترب من القصر، دخل المرافق يرتجف هلعاً ” سيدي … لقد وصلوا …! “.
يبتسم العقيد الذي سيصبح بعد دقائق لا شيئ … لا شيئ البتة … يبتسم، وهو الذي أعد لهذا اليوم، بل لهذه الساعة عدتها .. يتناول من الخزانة حقيبة جلدية فاخرة من ماركة مشهورة (سامسونايت) ويناولها للملازم الذي يرتجف هلعاً .. هيا .. الطائرة واقفة في ساحة القصر الخلفية وقد شغلت محركاتها.
يهرع الملازم ليلتقط البيرية، ويتخذ مكانه في المقعد الأمامي بجانب سائق السيارة .. ويندسون في الطائرة على عجل، وتبدأ الطائرة بالدرج على أرض المطار الصغير وينظر العقيد من نافذة الطائرة بعد ارتفعت، أن الأنقلابيون قد نجحوا في أقتحام بوابة القصر، بل أن بعضهم ينظر بذهول إلى الطائرة التي أرتفعت في الجو متجهة إلى الدولة (س) وأصبحت خارج مدى أسلحتهم الفردية.
يتراجع العقيد بظهره إلى مقعده في الطائرة وهو يتنفس بأرتياح، فقد أنتهت مراحله القديمة وأبتدأ مرحلة جديدة يؤمنها له صديقه الحاكم في الجمهورية القريبة، ولديه من الأموال ما تكفيه ليعيش بقية عمره في بحبوحة … وهذا بفضل ذكاؤه وحسابه لليوم الأسود، أبتسم في نفسه، وتذكر أنه في إحدى سفراته أشترى هذه الحقيبة الفاخرة من أسواق الحرة في المطار …
أيها الملازم ….
نعم سيدي ..
ــ أين الحقيبة .. هيا أرني أياها ..
يمد الملازم يده في الهواء ويدرك حقيقة سوداء تستحق أن يتقيأ أمعاؤه …..
سيدي …. سيدي ….. يا للعنة … لقد نستيها وأنا ألتقط البيرية حين غادرنا القصر …..
قالها الملازم وبدا ظاهراً للعيان أنه قد تبول على نفسه في سرواله …. أما الجنرال الخلبي … فقد خر مغشياً عليه ….
نص كهذا أو ما يشابهه … خطه الكاتب الكولمبي الشهير غارسيا ماركيز في روايته ” خريف البطريك ” وهي واقعة حدثت فعلاً وليست للضحك، بل للعبرة وها أنا أنقلها لكم، رغم أن أتوقع أن جنرالاتنا القرةقوزات، قد أحتاطوا للأمر بناء على نصيحة ذهبية من لصوص محترفين، وهربوا أموالهم للخارج، ولكن النكتة ستتحقق رغم ذلك، حين تعقد الدول المستقبلة للإيداعات المالية في بنوكها على أتفاقيات مع ولاة الأمر الجدد على مصادرة الأموال المختلسة، بعد خصم نسبة منها ……
ومن يضحك أخيراً … يضحك طويلاً … حتى يستلقي على ظهره …

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب