إسرائيل تكشف برتوكول الجلسة التي صادقت خلالها الحكومة على اتفاقية أوسلو
إسرائيل تكشف برتوكول الجلسة التي صادقت خلالها الحكومة على اتفاقية أوسلو
*شكوك لدى رابين من التزام منظمة التحرير الفلسطينية ببنود الاتفاقية *تل أبيب ترى أنها تقدم أكثر مما تتلقاه بالمقابل من الجانب الفلسطيني *الحكومة الإسرائيلية تتخوف من استخدام “وسائل غير مشروعة” من قبل اليمين الرافض للاتفاقية.
كشفت السلطات الإسرائيلية، اليوم الثلاثاء، عن برتوكول الجلسة التي عقدتها الحكومة الإسرائيلية في 30 آب/ أغسطس 1993، وصادقت خلالها على اتفاقية أوسلو التي وقعتها مع منظمة التحرير الفلسطينية في 13 أيلول/ سبتمبر من العام ذاته، بالتزامن مع مرور 30 عاما على انعقاد الجلسة التي توصف بـ”التاريخية”.
وأظهر محضر الاجتماع الذي نشر بواسطة “أرشيف الدولة” الإسرائيلي بموافقة الجهات الرقابية، شكوكا لدى رئيس الحكومة حينها، يتسحاق رابين، حول التزام الجانب الفلسطيني في بنود المعاهدة، وذلك قبل أسبوعين فقط على توقيعها، معتبرا أن إسرائيل تقدم بموجب الاتفاق أكثر مما تحصل عليه من الفلسطينيين.
وفي حين شدد رابين على أن الاتفاقية ليست بسيطة وأن صياغتها “غير ودية” بالنسبة لإسرائيل، اعتبر وزير الخارجية الإسرائيلي آنذاك، شمعون بيرس، أنه لا يوجد طرف فلسطيني يمكن لإسرائيل التعامل معه رسميا باستثناء منظمة التحرير الفلسطينية، مشددا على ضرورة “تقوية” الرئيس الفلسطيني الراحل، ياسر عرفات، عبر تشكيل السلطة.
من جانبه، حذّر رئيس أركان الجيش الإسرائيلي في ذلك الحين، إيهود باراك، صراحة، من ما وصفه بـ”مشاكل وتحديات أمنية” تترتب على الاتفاقية. وكان على جدول أعمال الحكومة حينها المصادقة على الاتفاقية التي تم التوقيع عليها رسميا بعد نحو أسبوعين في البيت الأبيض في تسميتها الرسمية “إعلان المبادئ حول ترتيبات الحكم الذاتي الانتقالي”.
وفي ختام الجلسة، صادقت الحكومة الإسرائيلية على الاتفاقية بتأييد 16 وزيرا وامتناع اثنين عن التصويت، علما بأن المداولات تطرقت لتفاصيل الاتفاقية وصياغة بنودها المختلفة، وطرحوا سيناريوهات قد تطرأ ولا تقدم الاتفاقية استجابة لها، وطوال النقاشات طرحت مخاوف من استخدام “وسائل غير مشروعة” من قبل اليمين الإسرائيلي الذي عارض الاتفاقية.
نص المناقشات الإسرائيلية:
“ليس اتفاقا سهلا”
رابين: “إنه ليس اتفاقا سهلا… من الواضح أنه لو كنا نجري المفاوضات مع أنفسنا، كان من الممكن أن تكون الصياغة أفضل بكثير. هناك أيضا ألفاظ غير ودية في الصياغة – أنا أختار كلماتي بعناية – ولكن يجب أن نرى جميع العناصر المختلفة في رؤية أكثر شمولاً”
تعاظم قوة حماس
كما ناقشت الحكومة الإسرائيلية تصاعد قوة حماس في العالم العربي، وكذلك في الأوساط الفلسطينية. وقال رابين: “بالنسبة لي، تعتبر غزة بمثابة حالة اختبار لقدرة الجهات المؤيدة للسلام والداعمة لمنظمة التحرير، في التعامل مع حماس”.
وتابع: “هل ستسير الأمور في هذا الاتجاه أم في اتجاهات أخرى؟ أقدر أن الأمر يسير في هذا الاتجاه بشكل أساسي، لكن ليس هناك يقين. ولكن الجيش الإسرائيلي موجود، وقطاع غزة مغلق من كافة الاتجاهات”.
بيرس: “هناك التزام صريح بأنه مع التوقيع على ‘إعلان المبادئ‘ (الاسم الرسمي لاتفاقية أوسلو) سيكون هناك إعلان من عرفات حول وقف الإرهاب” (في إشارة إلى المقاومة الفلسطينية المسلحة للاحتلال).
وأشار بيرس إلى أن العاهل الأردني حينها، الملك حسين بن طلال، “تغلب على حماس”، فيما توقع بنيامين بن إليعيزر أن “تتفوق منظمة التحرير الفلسطينية على حماس أيضا”، الأمر الذي أيده بيرس.
بيرس: “أعتقد ذلك أيضًا. لذا أعطوه الأسلحة، أعطوه الشرطة (في إشارة إلى الزعيم الفلسطيني، ياسر عرفات)”.
وتابع “انظروا يا له من موقف عبثي – تأخذون الشرطة من منظمة التحرير الفلسطينية، وتتركون بعض الأسلحة لحماس… لنفترض أن المنظمة اختفت، مع من سنتحدث؟ وعلى ماذا سنتفاوض؟ ومع من سنتفاوض؟”.
المكاسب الإسرائيلية
في المقابل، شدد بيرس على ضرورة رفض إخلاء المستوطنات، وادعى أنه “وافقوا (في إشارة إلى الجانب الفلسطيني) على بقاء المستوطنات كما هي، وفي قطاع غزة كذلك، لا يوجد تقليص بالاستيطان”.
علما بأن المنظمة اقترحت تحويل المستوطنات في الضفة إلى منطقة تجارة حرة يسكنها العرب واليهود.
وتابع بيرس: “لم نتنازل عن أي أرض، ولم نزيل أي مستوطنات، وحافظنا على وحدة القدس، واهتممنا بأمن إسرائيل. وفيما يتعلق بالتقاضي، في الظروف القائمة بعد كامب ديفيد، هناك تحسن وليس تراجعا في وضعنا بالتأكيد”.
وشدد على أن “أهمية الفرصة” التي اعتبرها جيدة، وقال: “يجب إقرارها”.
مشاكل أمنية
باراك: “من قراءتي الأولى للاتفاقية، ألاحظ وجود مشاكل خطيرة جدًا في تطبيق العنصر الأمني، سواء في مرحلة غزة أو أريحا أو في المرحلة الأبعد”؛ في إشارة إلى خروج إسرائيل من غزة وبقاء المستوطنات، الأمر الذي يعني استمرار حركة المستوطنين في قطاع غزة وما يترتب على ذلك من نشر قوات الاحتلال لتأمينهم في المنطقة.
وتابع: “نفترض حسن نوايا وكفاءة الشرطة الفلسطينية”. وفي ما يتعلق بإنشاء جهاز استخبارات فلسطيني، توقع باراك تعاونا محدودا للغاية معه. كما توقع باراك صعود “عناصر متطرفة” في الجانب الفلسطيني تحاول إفشال الاتفاقية.
رابين: وفي المجتمع الإسرائيلي كذلك، لكن هذا ليس من شأنك.
“نازحو 1967”
وناقشت الحكومة الإسرائيلية، ملف اللاجئين الفلسطينيين الذين هجروا من مدينة القدس المحتلة خلال حرب حزيران/ يونيو 1967، وطالب بعض الحاضرين في اجتماع الحكومة الإسرائيلية بـ”بمنعهم من المشاركة في الانتخابات، مقابل عدم مصادرة أملاكهم”.
وقدّر المستشار القضائي للحكومة الإسرائيلية حينها، إلياكيم روبنشتاين، عدد اللاجئين الذي نزحوا من القدس خلال احتلال شقها الشرقي في حزيران/ يونيو 1967 بـ”حوالي 300 ألف” لاجئ.
من جانبه، لمّح بيرس إلى إماكنية خفض هذا العدد إلى 60 ألفا عبر وضع تعريف قانوني آخر لـ”نازحي 1967″، فيما شدد رابين على ضرورة منع عودة أي لاجئ للقدس المحتلة، وقال: “لا أريد أحدًا”.
توقعات بارتفاع مستوى الجريمة
من جانبه، أشار وزير الشرطة، موشيه شاحال، إلى إمكانية ارتفاع مستوى الجريمة بسبب تعاون محتمل بين منظمات الإجرام الإسرائيلية والفلسطينية، وتحدث عن ضرورة التوصل إلى اتفاق تعاون بين جهاز الشرطة الإسرائيلية والشرطة الفلسطينية.
وعلّق رابين على كلام شاحال بالقول: هناك 300 مشكلة معقدة من هذا القبيل.
كما تطرق شاحال إلى “توترات متوقعة في صفوف الجمهور الإسرائيلي وردود أفعال عنيفة من قبل معارضي الاتفاقية، وأشار إلى واقعة إلقاء قنبلة صوت على منزل الوزير أرييه درعي.
وقال شاحال: “هناك لهجة يمكن تفسيرها على أنها هدر للدماء”.
وعن المعركة على الرأي العام الإسرائيلي مقابل خطاب اليمين، قال رابين: هذه معركة ‘تكون أو لا تكون‘ بالنسبة للحكومة؛ وزير جودة البيئة، يوسي ساريد: بل وأكثر من ذلك بكثير، هي معركة مصيرية للحكومة.
سورية وإيران
وحذّر ساريد من أن تكون اتفاقية أوسلو بديلاً عن الاتفاق مع سورية، التي أجرت في ذلك الحين مفاوضات سرية مع إسرائيل، عبّر عن مخاوفه من أن “تدفع” إسرائيل سورية إلى “أحضان إيران”.
وأضاف: “يمكن للسوريين أن يبدأوا بإثارة جنوننا بمشاركة حزب الله حتى لا نعرف من أين يأتينا ذلك”.
وفي وقت لاحق، أعرب وزير “استيعاب المهاجرين” (اليهود)، عن قلقه إزاء الاستفزازات التي تقوم بها بعض المستوطنين بمساعدة جهات سياسية متطرفة، ويضرب كمثال على ذلك احتمال دخولهم إلى قرية فلسطينية وإيذاء المواطنين الفلسطينيين.
الاستيطان في الضفة
وعن المشروع الاستيطاني، قال رابين: “الاستيطان اليهودي، خاصة في المناطق المكتظة بالسكان، أدى إلى تعقيد الحياة – هذا كان الهدف السياسي المرجو منها. لقد كان الاستيطان سياسيا وليس أمنيا، لم يكن له أي مساهمة أمنية”.
وعن “تعقيد الوضع الجديد” الذي ستخلقه الاتفاقية، قال رابين: “أيها الرفاق، المشروع معقد للغاية. حوادث السيارات، أي محاكم ستنظر بها؛ مخالفات السرعة، جرائم سرقة السيارات”.
وأضاف “هناك أشياء في مثل هذا الواقع ليس لها حلول جزئية؛ لأن فكرة الحكم الذاتي بأكملها، الاتفاقات المؤقتة، هي فكرة معقدة. طرحت عندما لم يكن هناك أي استيطان يهودي تقريبا في المناطق (المحتلة عام 1967)، عندما كان الأمر برمته أبسط بكثير”.
وتطرق رابين أيضًا إلى مسؤولية إسرائيل عن أمن مستوطنيها الذين يعيشون في الضفة الغربية المحتلة، وقال متحدثا عن المستوطنين: “إنهم يأتون إلى هنا للتظاهر، لكن الجيش الإسرائيلي وجنود الاحتياط يحرسون مستوطناتهم، وليس هم”.
وشدد رابين على مسؤولية الحكومة عن “عدم الإضرار” – على حد تعبيره – بالمستوطنين في الضفة الغربية المحتلة، لكنه تحفظ على كلامه وأضاف: “هذا تفسير سيتعين علينا تحديده على الأرض”.
في المقابل، قال بيرس إن “أصدقائي الأعزاء، يهودا والسامرة (التسمية التوراتية للضفة) ليست ياميت، وعام 1993 ليس عام 1982″، في إشارة إلى إخلاء مستوطنات من شبه جزيرة سيناء بعد اتفاق السلام مع مصر.
وأضاف أن “البدء في إخلاء عشرات الآلاف من المستوطنين، في رأيي، سيوصلنا إلى وضع مستحيل، معنويا وجسديا”، وعن إمكانية المستوطنات في الضفة قال: “كانت هذه إحدى الخلافات التي ينبغي في رأيي -وهكذا أجرينا المفاوضات- تجنبها”.
إشراك الجيش في المفاوضات
وعن عدم إشراكه للجيش المؤسسة العسكرية في جميع مراحل المفاوضات مع الجانب الفلسطيني، الأمر الذي طرحه رئيس الأركان، باراك، خلال الجلسة، قال رابين إنه قرر ذلك لـ”سبب بسيط”، وهو أن “المشكلة سياسية والقرار سياسي”.
وأضاف “الجيش الإسرائيلي برأيي قادر على تقديم الإجابات في مختلف المواقف، وطبعا هذا الوضع (الذي تفرضه الاتفاقية) مريح أقل من الوضع الحالي من الناحية الأمنية، لأنه في الوضع الحالي هناك حرية كاملة في الدخول إلى أي مكان وفعل أي شيء”.