كتب

رواية “الأشجار الأولى”.. عن الذاكرة الفلسطينية المُستعصية على الموت! تاليف عمر أبو سمرة

عرض بديعة زيدان -منصة فلسطين الثقافية

“الأشجار الأولى”.. عن الذاكرة الفلسطينية المُستعصية على الموت!

 2023-06-12  

بديعة زيدان:

يقدّم الفلسطيني عمر أبو سمرة في باكورة أعماله الروائية “الأشجار الأولى”، الصادرة حديثاً عن “نوفل” (دمغة الناشر هاشيت أنطوان) في بيروت، السردية الفلسطينية بتقنية خاصة في أكثر من اتجاه.

ويمزج أبو سمرة المولود في حيفا، والمقيم في إسطنبول، بين أكثر من لغة مع طغيان العربية، فعنوان الفصول (Canto) كانت بالإنكليزية، كما تخلل المتن عبارات بذات اللغة، وعبارة وحيدة بالعبرية، عبر حكاية الجدّة “ناديا” التي تتزامن مع “النكبة” الفلسطينية، وتعبّر عنها، مقدماً طرحاً جريئاً على أكثر من مستوى: فكريّاً، ومواقف سياسيّة، وتعبيرات تقتحم “التابو” بلامبالاة واعية، ما يجعل منها رواية مغايرة على لسان سارديها الثلاثة: الحفيد، والجدّة، وزوجها الجدّ.

“وترون حكاياتي مفككة، مهلهلة، لا طعم لها.. تشعرون بناديا وجسدها الناعم الخالي من الشعر.. يطفو عليكم الإحساس بالشفقة تجاه عائلتي، وتجاه ناديا الميّتة.. إنها حيّة، ناديا حيّة، ناديا لا تموت.. لا تستطيع أن تموت، لا.. لم تُقتل في مجزرة دير ياسين أو مجد الكروم، ولم يقتلها اليهود وحدهم فقط، لم يقتلها ذلك النظام الاستعماري وحده، أو ضجيج الأسواق في وادي النسناس، أو حتى صوت الأبواق.. كلّهم قد قتلوها، وباعوها، حتى بنطال جدّي الأصفر”.

ومن خلال حكايا “ناديا” الجدّة، يروي أبو سمرة قصة فلسطين المحتلة منذ خمسة وسبعين عاماً، ولا تزال، فهي التي أخفت عن القتلة وثيقة ملكية بيتها في حي وادي النسناس بحيفا، ليبقى البيت مُلكاً لها، ولورثتها وورثة فلسطين جغرافيا وتاريخ وحكايات ويوميّات من بعدها، وهي التي يبقى مقتلها المفتوح على التأويل يطارد الحفيد، كما تطارده هواجس فلسطين وتحوّلاتها، خاصة بعد “أوسلو”، التي يمقتها كلاجئ لا يزال يصارع على البيت كجزء من صراع بين الحق والواقع المفروض بقوّة السلاح والدم، وهو ما يعبّر عنه بمصطلحات قد تبدو صعبة وقاسية، بما قد يتوافق والمعاناة المتفاقمة للفلسطيني داخل الوطن وفي الشتات، ومع حدّة موقفه من المرحلة برمّتها، وما آلت إليه القضية الفلسطينية، بعد أكثر من عشرين عامأً على الألفية الثالثة، وثلاثين عاماً على الاتفاقية.

ولا يمكن تجاوز تلك المجادلات الطويلة بين الحفيد والجندي الإسرائيلي، أثناء التحقيق معه عقب اعتقاله من حيفا، وهي التي تتخذ مساحة ليست بقليلة في سردية “الأشجار الأولى”، وتعكس مجادلة صاحب الحق لسارق الأرض وما عليها.

“يقاطعني: نحن هنا كي نستعيد الهيكل الضائع، قد نحقق مجد أورشليم من جديد (…) آه، لا يزال يقول لي أورشليم، ما هي أورشليم؟.. أتعلم ما المحاصيل التي نزرعها كل سنة في فلسطين؟ ما الأشجار التي تستقيظ هنا؟ كم مليمتراً من المطر يهطل كلّ شتاء؟ كم طول ساحل فلسطين؟ خطّا عرضها؟ خطّا طولها، عن بانياس؟ الحاصباني؟ المجرسة؟.. أنت لا تعلم شيئاً عن فلسطين، لا تعلم شيئاً عن أرض تسكن بها منذ سبعين عاماً فقط!”.

يقول له الجندي مستهجناً كيف تصف كواحد من “عرب إسرائيل” دولتنا الوحيدة بدولة أبارتهايد، فيجيب الحفيد الفلسطيني “أنت تعلم أنها دولة أبارتهايد منذ نشأتها”، ليعاوده الجندي: نحن لا نمارس أي عنصرية، التوارة تقول بأن أورشليم لنا، فيرد الفلسطيني بأنكم لا تريدون الصلاة، بل تريدون التخريب والاستيلاء، وتستعملون “الدين حجّة”، وحين يسأله الجندي: لماذا لا تذهب إلى سوريا أو غزة؟، يجبه: أنا من حيفا، وهي بلدي، رافضاً مصطلح “عرب إسرائيل”، باعتباره تعبير عن رغبة في محو هويّته كفلسطيني، وأنه لا يمكن للعربي أن يكون إسرائيلياً، مؤكداً أيضاً أنه غير معني بماهية الحلول السياسيّة بقدر ما هو معني بإنهاء الاحتلال، رافضاً الحديث عن وثائق ناديا الخاصة بملكية البيت، بيتهم، حتى وهو على مقربة من الموت تحت وطأة التعذيب، لكونه على قناعة بأن “ذاكرتنا عابرة للزمن، ومستعصية على الموت”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب