
الشراكة الجزائرية التركية.. تعاون تجاري وتوافق سياسي
أكدت الجزائر وتركيا مواصلة العمل من جديد لرفع مبادلاتهما التجارية في أقرب وقت إلى عتبة 10 مليارات دولار، لتعكس الشراكة العميقة التي تربطهما في هذا المجال، وينتظر أن تتعزز أكثر خلال الزيارة المقبلة للرئيس رجب طيب أردوغان إلى الجزائر المنتظر أن تكون شهر أكتوبر/تشرين الأول القادم.
يعمل البلدان في السنوات الأخيرة على تعزيز تعاونهما في مختلف المجالات الاقتصادية، وهو التعاون المدعوم بتوافق سياسي في عدة قضايا دولية وإقليمية، مع احترام وجهات النظر بشأن بعض الملفات الخلافية.
أول مستثمر
احتضنت العاصمة التركية أنقرة يوم الخميس الماضي أشغال الدورة الثانية للجنة المشتركة الجزائرية التركية للتخطيط، المعنية بمتابعة الاتفاقات الموقعة بين البلدين في اجتماع مجلس التعاون التركي-الجزائري رفيع المستوى الذي عُقد في مايو/أيار الماضي بأنقرة، خلال الزيارة التي قام بها الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون إلى البلاد.
ترأس الدورة وزير الخارجية التركي هاكان فيدان ونظيره الجزائري أحمد عطاف الذي بدأ الأربعاء زيارة إلى أنقرة استقبله خلالها الرئيس أردوغان، وقال عطاف في ندوة صحفية جمعته ونظيره التركي إن البلدين يقتربان من رفع حجم التبادل التجاري بينهما إلى 10 مليارات دولار، تجسيدًا للأهداف المسطّرة من رئيسي البلدين عبد المجيد تبون ورجب طيب أردوغان، مضيفًا “الجزائر أصبحت ثاني شريك تجاري لتركيا، بحجم تجارة بينية يفوق 5 مليارات دولار”.
وبين عطاف أن الجزائر هي “الوجهة الأولى للاستثمارات التركية المباشرة بقيمة تفوق 6 مليارات دولار حاليًّا”، مشيرًا إلى أن هذا الرقم يضع تركيا في مرتبة أول مستثمر أجنبي بالجزائر خارج قطاع المحروقات.
وعرفت الاستثمارات التركية في الجزائر تسارعًا لافتًا، فالجزائر لم تكن تحصي إلا 7 شركات تركية مع بداية الألفية، وهو الرقم الذي وصل اليوم إلى 1500 شركة، حسب الوزير عطاف.
يعطي هذا التسارع الكبير في الاستثمارات التركية تفاؤلًا للمسؤولين في البلدين ببلوغ عتبة 10 مليارات دولار من الاستثمارات ومن المبادلات التجارية في السنوات القادمة، وهو الهدف المسطر من الجانبين.
تتنوع الاستثمارات التركية في الجزائر التي أنشأت 30 ألف منصب عمل بين قطاعات الحديد والصلب والنسيج والمواد الكيماوية والمنتجات الصيدلانية والصناعات الغذائية والبناء والأشغال العمومية والصناعة والفلاحة والتوزيع وتكنولوجيات الاتصال والنقل البحري والجوي.
وتشير إحصاءات رسمية إلى أن القيمة الإجمالية للمشاريع التي يشرف عليها مقاولون أتراك في الجزائر تقدر بنحو 20 مليار دولار، يتقدمها مصنع الحديد والصلب ببلدية بطيوة بولاية وهران غرب البلاد، الذي أنجزته شركة “توسيالي آيرون أند ستيل”، وهو أكبر استثمار لتركيا خارج أراضيها، إذ بلغ إنتاجه في 2020 نحو 2.23 مليون طن من مختلف المنتجات الحديدية، ويوظِّف اليوم 3800 عامل، وحقق في 2022 عائدات للجزائر من العملة الصعبة بلغت 900 مليون دولار.
أعلن وزير الطاقة والموارد الطبيعية التركي فاتح دونماز السابق أن تركيا والجزائر تعتزمان تأسيس شركة مشتركة للتنقيب عن النفط والغاز الطبيعي
أما الاستثمار الثاني التركي المهم في الجزائر، فهو مصنع تيال للنسيج، وهو نتاج شراكة بين البلدين بقيمة 714 مليون دولار، وهو الأكبر على المستوى الإفريقي، دخل الإنتاج في مارس/آذار 2018، ويشغل اليوم 3 آلاف عامل، وينتج أكثر من 3.5 مليون متر خطي من القماش شهريًا، ويمد مختلف ولايات الجزائر بالقماش، كما سيعمل على تصدير الملابس الجاهزة إلى الخارج والشروع في زراعة القطن محليًا لتخفيض التكاليف.
وفيما يتعلق بالاستثمار الجزائري في تركيا، فيتمثل حتى الآن في قطاع الطاقة، فقد وقع البلدان في أكتوبر/تشرين الأول 2021 ثلاثة عقود متعلّقة بتطوير المشروع البتروكيمياوي لإنتاج البوليبروبيلان بمدينة جيهان التركية التي تمثّل فيه الجزائر شركة سوناطراك النفطية الحكومية، بقيمة مالية بلغت 1.4 مليارات دولار.
وتتكون الصادرات الجزائرية نحو أنقرة من المنتجات الطاقوية بنسبة 90% مثل الغاز الطبيعي المميع والبترول الخام والغاز الطبيعي، فقد جدد البلدان سنة 2020 العقد الذي يسمح للجزائر بتزويد تركيا بالغاز الطبيعي المميع حتى 2024، ما يجعل الجزائر الممون الأول لتركيا بالغاز الطبيعي المميع والممون الرابع بغاز البترول المميع.
في المقابل تتمثل واردات الجزائر من أنقرة في مركبات النقل وقطع الغيار ومنتجات الحديد والفولاذ والقطع الخاصة بالآلات والمنتجات النسيجية والملابس غير المنسوجة وأجهزة التليفزيون والاتصال والمعادن غير الحديدية والحبوب ومشتقاتها ومواد التغليف من الورق والورق المقوى والبلاستيك.
يعمل البلدان على توسيع شراكتهما إلى قطاعات متعددة، ففي تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، أعلن وزير الطاقة والموارد الطبيعية التركي فاتح دونماز السابق أن تركيا والجزائر تعتزمان تأسيس شركة مشتركة للتنقيب عن النفط والغاز الطبيعي.
وقال وزير الخارجية التركي هاكان فيدان: “لدينا جهود كبيرة وإرادة لزيادة الاستثمارات التركية (في الجزائر)، كما تبدي السلطات الجزائرية كل أنواع التعاون في هذا الصدد، حيث إننا نعمل على افتتاح فرع لمصرف الزراعة التركي (Ziraat Bankası) في الجزائر لتجاوز المشاكل المالية”.
زيارة رئاسية
لتوسيع هذه الشراكة، يرتقب أن يزور الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الجزائر شهر أكتوبر/تشرين الأول القادم، لترؤس أشغال اجتماع مجلس التعاون التركي الجزائري رفيع المستوى مع نظيره عبد المجيد تبون، الذي يعقد كل عام في أحد البلدين بالتناوب.
وقال فيدان إن العلاقات التركية الجزائرية ارتقت إلى المستوى الإستراتيجي، لذلك سيزور أردوغان الجزائر شهر أكتوبر/تشرين الأول القادم لزيادة الاستثمارات التركية في الجزائر، خاصة أن السلطات الجزائرية أبدت كل أشكال التعاون في هذا الإطار.
تعد زيارة أردوغان المرتقبة إلى الجزائر الثالثة من نوعها في عهد الرئيس تبون، وزياراته إلى الجزائر عندما كان رئيسًا للحكومة أو رئيسًا، فهي كثيرة، أما الرئيس تبون فزار أنقرة في مناسبتين، آخرها كانت في يوليو/تموز الماضي.
تحضيرًا لزيارة أردوغان، عرفت الدورة الثانية للجنة المشتركة الجزائرية التركية للتخطيط مشاركة ممثلين عن 12 قطاعًا وزاريًا من الجانب الجزائري ونظرائهم من الجانب التركي، ينتمون إلى قطاعات الصناعة والإنتاج الصيدلاني والطاقة والمناجم والنقل والصيد البحري والمنتجات الصيدية والفلاحة والتنمية الريفية والعدل والتربية الوطنية والتجارة وترقية الصادرات والمالية والأشغال العمومية والمنشآت القاعدية والثقافة والفنون والتعليم العالي والبحث العلمي، كما جاء في البيان.
وينبئ حجم القطاعات التي تم بحثها بأن الاتفاقات ومذكرات التفاهم التي سيتم التوقيع عليها خلال زيارة أردوغان ستبلغ 12 اتفاقية على الأقل، وهو الأمر المعتاد خلال اجتماعات اللجنة رفيعة المستوى.
تطمح الجزائر إلى أن تتوسع الشراكة مع تركيا إلى قطاعات جديدة كالصناعة الدفاعية وصناعة السفن وقطع الغيار والمناجم والسياحة والخدمات
شهدت زيارة تبون التي أداها إلى أنقرة في مايو/أيار 2022 التوقيع على 15 اتفاقية تعاون في مجالات مختلفة، منها اتفاق بشأن فتح مدرسة دولية تركية في الجزائر، ومذكرات تفاهم بشأن التعاون في مجالات الخدمات الاجتماعية والبيئة والتعدين، ومكافحة الجريمة المنظمة العابرة للحدود، واتفاقية بشأن افتتاح مراكز ثقافية في تركيا والجزائر، ومذكرات تفاهم للتعاون في مجال التربية والتعليم، والأعمال التجارية الصغيرة والتكنولوجيا والابتكار والصيد البحري والاستزراع المائي، واعتماد الحلال بين البلدين، والأشغال العامة، إضافة إلى بروتوكول تعاون في مجال الإعلام بين البلدين، ومذكرة تفاهم لإنشاء منتدى غرفة التجارة والصناعة التركية الجزائرية.
وتطمح الجزائر إلى أن تتوسع الشراكة مع تركيا إلى قطاعات جديدة كالصناعة الدفاعية وصناعة السفن وقطع الغيار والمناجم والسياحة والخدمات.
وقال أردوغان خلال الدورة السابقة للاجتماع رفيع المستوى بين البلدين في حضور تبون: “تركيا والجزائر اللتان تلعبان دورًا مهمًا في ضمان السلام والاستقرار بالقارة الإفريقية عازمتان على تعزيز تعاونهما في مجال الصناعات الدفاعية“.
وأوضح أردوغان حينها أن البلدين قررا إنشاء مجلس تعاون رفيع المستوى لنقل العلاقات بين البلدين إلى مستوى جديد، مشيرًا إلى أن العلاقات الاقتصادية والتجارية بين البلدين تتطور يومًا بعد يوم.
ووعد الرئيس التركي حينها باتخاذ البلدين خطوات في المستقبل لتنويع إنتاج الجزائر التي تعد واحدة من بوابات إفريقيا، فضلًا عن السير بخطوات واثقة نحو المستقبل في المجالات السياسية والعسكرية والاقتصادية والتجارية والثقافية والسياحية، وهي الخطوات التي يرتقب أن تعرف تقدمًا جديدًا خلال زيارة أردوغان المقبلة إلى الجزائر.
توافق سياسي
لا يتردد المسؤولون في تركيا والجزائر على تأكيد توافقهما السياسي بشأن العديد من القضايا الدولية، فقد أكد وزير الخارجية التركي هاكان فيدان أنه بحث مع نظيره الجزائري أحمد عطاف الكثير من الملفات ذات الاهتمام المشترك، إضافةً إلى التطورات الإقليمية، وعلى رأسها التطورات في قارة إفريقيا، مبينًا أن الرؤية السياسية التركية نحو الدول الإفريقية إستراتيجية ومهمة، وأن العلاقات التركية الإفريقية قائمة على التعاون المشترك وإنعاش الاقتصاد في تلك الدول.
وأكد رئيس البرلمان التركي نعمان قورتولموش لدى استقباله الخميس وزير الخارجية الجزائري أحمد عطاف المنظور المشترك بين أنقرة والجزائر لنهضة إفريقيا وتحقيق الاستقرار والرخاء فيها.
ولفت قورتولموش إلى وجود مخططات ترمي إلى زعزعة استقرار إفريقيا وجعلها مسرحًا لحروب بالوكالة من خلال عدد من التنظيمات الإرهابية، واستغلال ثروتها، مبينًا أن رؤية الجزائر وتركيا هدفها تعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين اللذين تربطهما علاقات عميقة في المجالات السياسية والتجارية والثقافية.
وحسب وزير الخارجية الجزائر، فإن التوافق السياسي بين بلاده وأنقرة يخص أبرز الملفات الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك.
تراهن الجزائر على حصد دعم دولي لتنفيذ مبادرتها لحل الأزمة في النيجر، وصوت تركيا العضو في مجموعة العشرين مهم لتعزيز المواقف الدولية المتفقة مع النظرة الجزائرية لحل مشكلة نيامي
قال عطاف إنه تقاسم مع الرئيس رجب طيب أردوغان والوزير فيدان “النظرة الجزائرية التحليلية بشأن التطورات الخطيرة التي تشهدها منطقة الساحل الصحراوي والانشغال العميق بشأن تردي الأوضاع بشكل متسارع في هذا الفضاء الإقليمي الذي أضحى موطنًا لأكبر عدد من بؤر التوتر والنزاع والصراع على وجه المعمورة”.
وتابع أنه أطلع “الأشقاء في تركيا على المساعي التي بادر بها الرئيس تبون لضمان التكفل السلمي بالأزمة التي خلفها التغيير غير الدستوري في النيجر، وعلى جهوده الرامية لتعزيز مكانة المقاربة التنموية الشاملة في معالجة التحديات متعددة الأبعاد التي تفرض نفسها على دول وشعوب هذه المنطقة، وهي الجهود التي لاقت ترحيبًا كبيرًا ودعمًا قويًا من الشقيقة تركيا”.
طرح الرئيس تبون مبادرة من ستة بنود لحل الأزمة في النيجر لتفادي التدخل العسكري الذي تنادي به فرنسا ودول في مجموعة إيكواس، حيث تنص المبادرة الجزائرية على تنظيم انتخابات في نيامي في غضون 6 أشهر للعودة إلى النظام الدستوري، عقب الانقلاب الذي حدث في 26 يوليو/ تموز الماضي ضد الرئيس محمد بازوم.
وتراهن الجزائر على حصد دعم دولي لتنفيذ مبادرتها لحل الأزمة في النيجر، وصوت تركيا العضو في مجموعة العشرين مهم لتعزيز المواقف الدولية المتفقة مع النظرة الجزائرية لحل مشكلة نيامي.
من المؤكد أن عجلة الشراكة الجزائرية التركية انطلقت في السنوات الماضية، وما زالت مصرة على مواصلة سرعتها بالوتيرة نفسها، وذلك لبلوغ الهدف المشترك وهو 10 مليارات دولار من المبادلات التجارية والاستثمارات الذي يقول الخبراء إنه ممكن التحقيق بالنظر لوزني البلدين في الساحة الدولية والإقليمية.