سَنّ الوعي.. فالأخطر ما هو قادم
كتب: أبو بكر ضياء الدين
#الهدف_آراء_حرة
إذا ما وضعنا خارطة أفريقيا أمامنا، وبدأنا نقرأ الأحداث السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتاريخية، وحاولنا أن نقرأ اتجاهات المستقبل لدولها المتاخمة لشمال الصحراء، ودولها المتاخمة لجنوب الصحراء، سنجد الدهشة هي أول ما يستوقفنا، وهذا أمر جيد، فالدهشة بداية المعرفة. ففي ظل التحولات الدولية والإقليمية، وما يسود العالم من صراعات دولية، فيها المعلن والأكثر مخبأ في رحم اللاعبين المحليين، إذا نظرنا لهذه الخريطة واستحضرنا بشئ من التركيز والتفصيل ما حاولت تكثيف لغته واختصاره في أعلاه، نجد:

بعض المحللين السياسيين وأنصاف المثقفين ممن تعجبهم (الجمل جديدة التداول، وتوليد العناوين من المصطلحات)، قد قاموا بتسمية العرب البدو المتواجدين في تلك الصحراء الشاسعة وبحكم (طبيعة تلك البيئة وما تفرضه من حياة اجتماعية واقتصادية وحركة مجتمعية)، أطلقوا عليهم اسم ( عرب الشتات )، هذه التسمية تلتقي مع الوعي الراسخ أن العولمة ما هي إلا (أمركة للعالم وتهويد لسياساته).
حيث توزعهم (عرب الصحراء) على كل تلك الدول التي أشرت إليها من دون احساس انتماء، فالانتماء لديهم بحكم الواقع الاقتصادي والاجتماعي لهم، في ظل غياب التنمية البشرية والاقتصادية وغياب دور الدولة، انتماء قبلي تسوده قيم مجتمعية وأخلاقية هي خلاصة (لقساوة الصحراء) وإرث العروبة الغارقة في عزلتها بحكم طبيعة جغرافية التواجد، لا خيارها بالانعزال.

هذه المجموعات البشرية تتنقل في تلك الصحراء في حرية وفي اتجاهاتها الأربعة بلا قيود دولة أو أوراق ثبوتية، لذا لا توجد فيهم روابط الدولة (الوطنية).
وبحكم إفرازات العالم الحديث ووسائطه المتاحة للجميع، أصبح العالم يغزو وعيهم ويشاهدوا متغيراته، بدأت هذه المجموعات الصحراوية تبحث لها عن كينونة وكيان وعنوان وجود، تشعر فيه ومن خلاله بالانتماء… !!!!

تظل هذه الجماعات الصحراوية، وبرغم وصفها، هي جسر التواصل التاريخي والثقافي والاجتماعي بين العروبة شمال الصحراء ودول جنوبها، هذا الأمر له خطورته في الصراع الدولي المعاصر، إذ أن دول شمال الصحراء كانت سباقة في الانعتاق من المستعمر (الفرنسي) قبل تحرر دول (جنوب الصحراء)، بالتالي امتلكت إرث نضالي مؤثر، وتطورت (نسبياً)، مما حدا بمواطني دول جنوب الصحراء بالنظر إليها بعين التطلع والحذو لخطاها في التحرر الفعلي (سيادة واستقلال قرار) وليس سياسة ورفع أعلام…!!

من خلال الوقوف على الناتج من (حوادث) خروج العالم وإنسانه من (سياسة القطبين إلى تفرد القطب الواحد)، إلى ما يعتمل اليوم من تململ يسير في اتجاه عالم (متعدد الاقطاب)، جاءت كل المخابرات الدولية للعمل في هذا (الفراغ) لتصنع وتحمي مصالحها، حيث يتم ذلك بصناعة سور عازل يمنع دول (الصراع) العالمي من إيجاد موطئ قدم لمصالحها فيه.

ويظهر هنا في هذا (الفراغ) أوروبا المريضة كمستعمر قديم له المعرفة بواقع هذه الدول ومجتمعاتها، ولهم فيها (علاقات)، وتظهر الولايات المتحدة ك(وارث) للمستعمرات الأوربية القديمة وكلاهما (أوروبا + الولايات المتحدة) هم الرأسمالية المتوحشة والامبريالية العالمية. وكما تظهر روسيا الناقمة على ما أحدثته هذه (الإمبريالية) في (إرثها الكوني) وسطوتها (القيصرية أو الماركسية)، ومحاولتها لإعادة التموضع في أفريقيا ومد نفوذها، لنقل صراعها مع (الإمبريالية) من تخوم حدودها إلى (أفريقيا/النقعة)، ومستقبل العالم حيث من يسيطر على هذه القارة يسيطر على هذا الكون الرحيب/ الضيق.

تظهر أيضا (الصين) تلك التي تعمل بطريقة (نفاذية العطر)، لتلج وتنفذ في القارة الأفريقية بهدؤ سلس عبر (استثمارات) ضخمة ومتنوعة متجاوزة لشيوعية (ماوتسي تونق) مُتخذة ما هو (خطة) كونتها نتيجة (الدروس المستنبطة) من الأدوار التي لعبتها عالميا كل من (أوروبا والاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة) فشقت طريقها الخاص للوصول لأدغال أفريقيا.

وفي ظل كل هذه التدخلات المخابراتية حافظ (الكيان الصهيوني) على تمدده في القارة وفي السودان تحديدا، وأوجد له موطئ قدم ثابت داخل أطراف الحرب سبقت قيامها، (إذ تواصل مع قيادات من العناصر المتأسلمة: والي القضارف في حكومة الإنقاذ وغيره + زيارات عبد الرحيم دقلو وآخرين من الدعم السريع للكيان الصهيوني + لقاء قائد الجيش ورئيس مجلس السياده البرهان لنتنياهو + تواجد العناصر المرتبطة بالموساد في داخل القصر الجمهوري بعلم عمر البشير ورضا الحركة المتأسلمة + تواجد الموساد القديم وامتداداته منذ حرب الجنوب أو الصلات مع الحركات المسلحة في دارفور وغيرها).

هنا وجب التوقف عند (شعوب القارة الأفريقية)، شعوب هذه القارة وإلى حد كبير، تم إدخالهم (إعادة تصنيع)، عبر سياسات المستعمر (فرق تسد/ الفرنسية) والنتيجة لذلك، قارة مجزأة ودول قابلة للتفتيت والتشظي، أو دول تم اللعب في (جيناتها الثقافية) فتغبش وعي الهوية فيها.

وأنتج كل ما سبق في القارة (ساسة وأحزاب) مرتبطة بهذا الإرث أو وارثة لما تم بذره من قبل المستعمر، أو أحزاب ليست بنت الواقع ولكنها تمتلك بريق الشعارات (دينية أو ماركسية).

هذا (الفراغ) السياسي وصراعاته أقعد شعوب القارة دون طموحاتها، مما أفرز نوعا جديدا من (الساسة) الجدد يفتقرون إلى الثقة في النفس والشعب، وبالتالي ظل بحثهم عن معالجة (أمراض واقع دولهم) عبر بحثهم عن (وصفات علاج) من الخارج، للشفاء من أمراض (داخل أقطارهم)، فتظل عافية أوطانهم رهينة عند غيرهم…!!!

كل هذا أفرز أوضاع شائهة ومتخلفة ومعقدة للغاية، فهو صراع تحرري فعلي، وسياسي بامتياز، واقتصادي اجتماعي من الدرجة الأولى، وصراع وحدوي إنساني، وتطلع استحقاق لمواطن خارج دائرة التأثير.

كل ما تناولته في النقاط أعلاه، مع طبيعة الصراع المعقد الشامل يحتاج لافق وعي إستراتيجي مع العمل بتمرحْل يضع ما هو هدف مبدئي نصب العين، مع السعي ضمن المرحلة مدركا لتفاعلاتها والفاعلين فيها، ملتحما بالشعب ومستحضراً إرادته بالتواجد وسط الجماهير صاحبة المصلحة الحقيقية في بناء دولة مدنية ذات موروث حضاري وتطلع إنساني.

اذا استصحبنا معنا كل ما تناولناه، للواقع الوطني (السوداني)، نجد أن (الحرب العبثية)!! الدائرة الآن ليست بعيدة عن كل ما تطرقنا له، ولكن غبارها قد يحجب الرؤية السوية عن (العقول) السياسية فتفسره بصراع (دعم سريع وكيزان وجيش مختطف)، نعم هؤلاء هم من يحمل السلاح ويقتل حلم الشعب قبل قتله لخصمه، وهم بوعيهم أو بدونه، باختيارهم أو بدونه، قد تم تشكيل المسرح (السودان) وتوزعت عليهم الأدوار، وهم يخوضون فيما هم فيه الآن، فيُقتل حلم المواطن، وتشنق رغبة الانعتاق والغد الأفضل على فوهات البنادق والإعلام. ويرتد مدى البصر والبصيرة عبر حرائق ودخان المعارك، لتحل محلها تبريرات (الإسلام السياسي) أو تنظيرات (دولة 1956م)، ليُساق المواطن البسيط جاهلا بأصل المخطط الذي سينتهي بحتف الدولة وإرثها .
الخلاصة:
من كل ما تعرضت له بالكتابة وما يتعرض له السودان بالمؤامرة والحرب، يبقى الوعي الملتزم، المؤمن المتفائل، مع الاستعداد للتضحية، هو القادر على إعادة الوطن لأهله معافى، مع إدراك وفهم ان الشعب صاحب السلطة الحقيقية، وان الإسلام ثورة قيم وحدانية وأخلاقية إنسانية، وليست تسلط وعبودية. وأن فساد الحكم والحكام ليس مرتبطاً بجهة أو إثنية؛ إنما يرتبط بقناعات خاطئة فكرية أو شخصية، لذا علينا سَنّ الوعي فينا قبل الخروج لمواجهة من يعتلي مسرح الجريمة وينوب بشعاراته للتغطية عن الدوافع الحقيقية للحرب التي لا تمثل خيار الشعب ولن تتحقق من خلالها إرادته ولا طموحه.
أعتذر للاختصار الذي أتمنى ألا يكون قد أخل بالمعنى المقصود من الكتابة.. ف”للوسائط أحكام”.
11 سبتمبر 2023م
Post Views: 9
زر الذهاب إلى الأعلى
Thumbnails managed by ThumbPress
جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب