رئيسيالافتتاحيه

تفاعلات الطبيعة أم غضب السماء.. ما حصل في ليبيا والمغرب

تفاعلات الطبيعة أم غضب السماء.. ما حصل في ليبيا والمغرب

كانت سنة 597 للهجرة سنة كارثة لا حد لسقفها، هلك فيها مئات الآلاف من الأرواح والأنعام، وانتقضت فيها راسيات المدن وشامخات القصور، واقتات الجوع من الناس حتى أكل بعضهم بعضا، وغرق فيها قلم التاريخ في تسويد فظائع لا يمكن أن تنحصر.

ومن أحداثها المرعبة، التي أوردها المؤرخ ابن كثير في كتابه البداية والنهاية، حادثة الزلزال العظيم الذي عصف بأجزاء كبيرة من العراق وتركيا الحالية وبلاد الشام.

ففي هذا العام كما يقول ابن كثير “كانت زلزلة عظيمة ابتدأت من بلاد الشام إلى الجزيرة وبلاد الروم والعراق، وكان جمهورها وعظمها بالشام تهدمت منها دور كثيرة، وتخربت محال كثيرة، وخسف بقرية من أرض بصرى، وأما سواحل الشام وغيرها فهلك فيها شيء كثير، وأخربت محال كثيرة من طرابلس وصور وعكا ونابلس.

ولم يبق بنابلس سوى حارة السامرة، ومات بها وبقراها 30 ألفا تحت الردم، وسقط طائفة كثيرة من المنارة الشرقية بدمشق بجامعها، و14 شرافة منه، وغالب الكلاسة والمارستان النوري.

وخرج الناس إلى الميادين يستغيثون وسقط غالب قلعة بعلبك مع وثاقه بنيانها، وانفرق البحر إلى قبرص وقد حذف بالمراكب منه إلى ساحله، وتعدى إلى ناحية الشرق فسقط بسبب ذلك دور كثيرة، ومات أمم لا يحصون ولا يعدون حتى قال صاحب “مرآة الزمان” إنه مات في هذه السنة بسبب الزلزلة نحو ألف ألف ومائة ألف (أي 1.1 مليون) إنسان قتلا تحتها، وقيل إن أحدا لم يحص من مات فيها والله سبحانه أعلم”.

كارثة ليبيا  بكل تصنيفاتها أحداث مأساويه تتطلب التفكير جيدا في تداعياتها واستخلاص الدروس والعبر ، وحيث تتواصل عمليات الإنقاذ والإغاثة لمواجهة الآثار المدمرة  للبشرية والعمرانية التي نجمت عن زلازل جبال الأطلس الكبير في المغرب، تعاني المنطقة الشرقية في ليبيا من عواقب لا تقل تدميراً بسبب إعصار دانيال والسيول العارمة، وفي البلدين الجارين أسفرت هذه الكوارث الطبيعية عن سقوط آلاف الضحايا وخلّفت أعداداً أكبر من المفقودين والمشردين والنازحين.

والتضامن الإنساني والأخوي غير المشروط مع الضحايا والمناطق المنكوبة  يجب أن لا يطمس سلسلة حقائق أخرى على صلة وثيقة بمنطق عام معقد يحكم وقوع هذه الكوارث وأمثالها، ويتجاوز الظواهر المناخية أو الجيولوجية والزلازل هي نوع من الكوارث. و” الكوارث هي اضطرابات خطيرة في عمل المجتمع تتجاوز قدرته على التكيّف باستخدام موارده الخاصة. يمكن أن تحدث الكوارث بسبب الأخطار الطبيعية، والتكنولوجية، وتلك التي من صنع الإنسان، فضلاً عن العوامل المختلفة التي تؤثر على ضعف المجتمع وتعرّضه للخطر”.

ومن المؤكد والثابت أن الارتباط وثيق وعضوي بين التغيرات المناخية العارمة، وبين الاستغلال العشوائي للموارد الطبيعية وظواهر الاحتباس الحراري والارتفاع غير المسبوق لدرجة الحرارة والزيادة المضطردة في استخدام الوقود الأحفوري وتبدل التيارات في المحيطات، وسواها من عوامل باعثة على انقلابات جذرية في توازنات الطبيعة.

وإلى جانب كونها ضحية مباشرة لحال الارتباط هذه، على غرار عشرات البلدان في الجنوب والمناطق النامية تحديداً، فإن ليبيا  المنكوبة بكوارث السيول تمثل حالة خاصة  فهي باتت مقسمه  ومجزأة و يرزح شعبها  تحت وطأة انقسام إلى حكومتين، وبالتالي فإن الإشكاليات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والأمنية والعسكرية والخدماتية المقترنة بذلك الانشطار تضيف المزيد من العناصر إلى مأزق تقصير مؤسسات الدولة أو عجزها أو شللها أو فشلها.

فليس إعصار دانيال هو المسؤول الأول عن انهيار اثنين من السدود المائية وما أعقبه من غرق شبه تام لمدينة درنة، بل سوء الإنشاء في الأصل وإهمال أعمال الصيانة الضرورية وعدم التحسب لعوامل طبيعية مثل الأمطار الغزيرة والفيضانات والسيول التي تظل واردة دائماً. كذلك فإن سقوط الأعداد الكبيرة للضحايا ممن قضوا غرقاً أو جراء انهيار عشرات المباني السكنية، والخراب المادي والتدميري الهائل الذي لحق بمدن أخرى مثل البيضاء وشحات وسوسة، لا يستقيم علمياً وأخلاقياً إذا عُزي إلى غضب الطبيعه .

وإذا كانت حكومة الوحدة الوطنية والمجلس الرئاسي الليبي قد توافقا على الحداد الوطني واعتبار مواقع السيول مناطق منكوبة بصرف النظر عن الجهة السياسية المسيطرة عليها، فإن أوساط خليفة حفتر دأبت على تكريس حال الانقسام ولم تتردد في التفاخر بأن رئيس دولة الإمارات اتصل بالمشير شخصياً وعرض المساعدة، كذلك فإن بعض ممثلي الحكومة المعينة من البرلمان انتهجوا خطاب التذرع بصعوبة الوصول إلى الأماكن المنكوبة.

وهذه الكوارث لا بد وأن تكون جرس إنذار للحاكم والمحكوم وضرورة تحقيق العدل بين الجميع وتوفير كل مستلزمات السلامة العامة وتفعيل أجهزة الإنذار المبكر لاستباق الكوارث، وتحصين البنى التحتية وتجهيزها بما يكفل امتصاص الصدمة الأولى والتخفيف من الإضرار، وإقرار خطط ملموسة وفعالة لإخلاء السكان في المناطق المنكوبة وتجهيز مساكن الإقامة المؤقتة واللجوء. وإذ تقول التنبؤات المناخية بأن إعصار دانيال يتجه إلى تونس ومصر بعد ليبيا، فإن غياب معظم أو جميع هذه الاحتياطات في هذه البلدان  تدفع تلقائياً إلى وضع اليد على القلب والأمل بسلامة  أبناء العروبة هناك.

ولما كانت الزلازل والكوارث  الطبيعية من الابتلاءات، فإنه يجري عليها حكمة الله تعالى في الابتلاء، إما بتكفير السيئات أو بدفع الدرجات؛ فليس بلازم أن يكون الزلزال عقابا من الله للعصاةة، فالله تعالى يمهل العباد جميعا، ولو كان يعاقبهم بأعمالهم في الدنيا؛ لهلك كل من على الأرض جميعا، كما قال تعالى: ﴿‌وَلَوْ ‌يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ مَا تَرَكَ عَلَيْهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ﴾ [النحل: 61]. كما أن في هذا الابتلاء دعوة إلى العودة إلى الله تعالى، وهو أنفع لدين العبد، كما أن في الابتلاء يشتد الناس في التمسك بالدين ويكثرون الدعاء لله، وفيه دعوة إلى التضامن الاجتماعي ومد يد العون للمنكوبين، وفيه تحقيق وحدة  الامة ، وفيه إيقاظ لفكرة التسليم لأمر الله تعالى وضعف الجنس البشري، وأنه مهما أوتى من علم؛ فهو عاجز أمام قدرة الله تعالى.

عن زينب رضي الله عنها، قالت: «قلت لرسول الله، أنهلك وفينا الصالحين، قال نعم، إذا كثر الخبث»، و‏حدث زلزال في عهد الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، فجمع الناس وقال لهم: ( والله ما اهتزَّت إلا لأمرٍ أحدثته، أو أحدثتموه، والله لأن عادت، لا أساكنكم فيها أبداً)، خاف سيدنا عمر من غضب الله وهو فاروق الأمة و أمير المؤمنين ، وأكثر الناس اليوم يستقبل مثل هذا الموقف بالضحك والمزاح ، دون أن يعطي نفسه أدنى فرصه للتفكير.

وأمام هذا الحدث الجلل بسقوط آلاف الضحايا لا يسعنا الا أن نبتهل لله تعالى أن يلطف في حال الامه ويخفف من كربها وماساتها وأن يرفع عنا هذا البلاء وأن نتقدم بتعازين لاسر الضحايا ونتمنى الشفاء العاجل للجرحى وأن نشد من أزر بعضنا بعضا لكي يتم التغلب على تداعيات هذه الكارثة الطبيعية في كلا من المغرب وليبيا

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب