الأردن أقوى من مخطط نتنياهو وإسرائيل الكبرى: قراءة استراتيجية في الجغرافيا والسياسة والأمن

الأردن أقوى من مخطط نتنياهو وإسرائيل الكبرى: قراءة استراتيجية في الجغرافيا والسياسة والأمن
بقلم:رئيس التحرير
مقدمة
منذ عقود، تحلم التيارات الصهيونية المتطرفة، وعلى رأسها بنيامين نتنياهو وبعض أركان اليمين الإسرائيلي، بإحياء مشروع “إسرائيل الكبرى”، الذي يتجاوز حدود 1967 ويتطلع للهيمنة الجغرافية والسياسية على مساحات واسعة من فلسطين التاريخية وأجزاء من دول الجوار، وعلى رأسها الأردن. هذا المشروع، الذي يجد جذوره في أدبيات الحركة الصهيونية الأولى، يواجه اليوم عقبات استراتيجية تجعل تنفيذه شبه مستحيل، وفي مقدمة هذه العقبات تأتي المملكة الأردنية الهاشمية، بما تملكه من موقع جيوسياسي فريد، وشرعية تاريخية، وحاضنة شعبية رافضة لأي مخطط يستهدف سيادتها.
أولًا: الجغرافيا السياسية للأردن – خط الدفاع الشرقي لفلسطين
يحتل الأردن موقعًا فاصلًا وحيويًا في قلب المشرق العربي، يشكل حاجزًا جغرافيًا بين إسرائيل والعمق العربي. يمتد حدوده الغربية على طول نهر الأردن والبحر الميت، ما يجعله نقطة التوازن في أي ترتيبات أمنية أو سياسية تخص الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي.
أي محاولة لضم الضفة الغربية أو فرض “الوطن البديل” ستصطدم مباشرة بالسيادة الأردنية، وهذا ما يدركه صانع القرار الإسرائيلي، إذ أن الأردن يمثل عقدة مواصلات بين الشام والجزيرة العربية، والسيطرة عليه أو زعزعة استقراره تهدد المصالح الإقليمية والدولية على السواء.
ثانيًا: الشرعية الدولية ودور الوصاية الهاشمية
يحظى الأردن باعتراف دولي بدوره التاريخي في رعاية المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس، بموجب اتفاقيات معترف بها دوليًا، أبرزها اتفاقية وادي عربة (1994) واتفاقية عمان – القدس مع منظمة التحرير الفلسطينية (2013).
هذا الدور يمنح الأردن ثقلًا سياسيًا في أي مفاوضات، ويجعله صاحب كلمة في قضايا الحل النهائي، خاصة أن ملف القدس لا يمكن تجاوزه أو حسمه دون موافقة المملكة.
ثالثًا: التحالفات الإقليمية والدولية
الأردن عضو فاعل في المنظومة الدولية، ويحتفظ بعلاقات استراتيجية مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي ودول عربية مركزية. هذه العلاقات تمثل شبكة أمان سياسية وأمنية في مواجهة أي تهديد وجودي.
إضافة لذلك، فإن أي مساس باستقرار الأردن سيشكل خطرًا مباشرًا على أمن إسرائيل نفسها، ما يجعل القوى الغربية حريصة على الحفاظ على سيادته ووحدته.
رابعًا: الموقف الشعبي ورفض الوطن البديل
المجتمع الأردني – بمكوناته كافة – يدرك خطورة مشاريع التوطين والوطن البديل، ويرفضها رفضًا قاطعًا. هذا الرفض ليس عاطفيًا فحسب، بل هو موقف وطني راسخ مدعوم بوعي تاريخي بأن زعزعة الكيان الأردني ستفتح الباب لفوضى إقليمية شاملة.
لقد أظهرت مواقف الشعب الأردني خلال الأزمات الفلسطينية، من انتفاضات إلى الحروب على غزة، أن القضية الفلسطينية قضية وطنية أردنية أيضًا، وليست ملفًا خارجيًا.
خامسًا: المعطيات الاقتصادية والأمنية
رغم التحديات الاقتصادية، فإن الأردن تمكن من الحفاظ على مستوى معقول من الأمن الداخلي مقارنة بدول الجوار التي عصفت بها الحروب. هذا الاستقرار الأمني جعل منه قاعدة خلفية آمنة في الإقليم، وعامل ردع لأي محاولة لفرض وقائع على حسابه.
سادسًا: قراءة في مشروع “إسرائيل الكبرى”
مشروع “إسرائيل الكبرى” كما يطرحه نتنياهو وأقرانه، يقوم على ضم الأراضي الفلسطينية وتوسيع النفوذ الإسرائيلي إقليميًا. لكن هذا المشروع يصطدم بعوائق جوهرية:
رفض فلسطيني وأردني قاطع.
رفض عربي رسمي في إطار مبادرة السلام العربية (2002).
معارضة دولية لأي تغيير قسري للحدود المعترف بها.
الكلفة الأمنية الباهظة على إسرائيل إذا ما حاولت فرضه بالقوة.
خاتمة
الأردن ليس دولة هامشية يمكن تجاوزها في خرائط الأحلام الصهيونية. إنه دولة ذات ثقل جغرافي وتاريخي وسياسي، وصاحب دور محوري في معادلة الأمن الإقليمي.
مخطط “إسرائيل الكبرى” قد يظل ورقة ضغط في يد نتنياهو للابتزاز السياسي، لكنه في ميزان الواقع الإقليمي والدولي، يظل مشروعًا بلا أفق حقيقي أمام صلابة الأردن ورفض شعبه وحكمة قيادته، إضافة إلى شبكة تحالفاته التي تحصنه من أي محاولة لإضعافه أو المساس بسيادته.
📌 هوامش قانونية ومراجع:
- اتفاقية السلام الأردنية – الإسرائيلية (وادي عربة)، 26 أكتوبر 1994.
- اتفاقية الوصاية الهاشمية على المقدسات في القدس بين الأردن وفلسطين، 31 مارس 2013.
- مبادرة السلام العربية، قمة بيروت، مارس 2002.
- قرارات مجلس الأمن رقم 242 و338، التي تؤكد على عدم جواز الاستيلاء على الأراضي بالقوة.