مقالات

العسكرة والملشنة وتسييس الدين في التجربةالسودانية: مقاربة نظرية بقلم: محمد الأمين أبو زيد

بقلم: محمد الأمين أبو زيد

العسكرة والملشنة وتسييس الدين في التجربةالسودانية: مقاربة نظرية
بقلم: محمد الأمين أبو زيد
#الهدف_أراء_حرة
يحاول هذا المقال التأسيس النظري لمفهوم عسكرة الدولة والمجتمع، ومفهوم تسييس الدين وعلاقتهما معا من خلال مقاربة فكرية تفكيكية، ومقارنة لفهم الارتباط بين المفهومين في تفكير الحركة الإسلامية وسياق تجاربها فى العمل السياسي التي اعتمدت الربط بين المفهومين.
* عسكرة الدولة والمجتمع:
العسكرة هى تدابير احترازية تلجأ إليها الدول في حالة الطوارئ أو لمواجهة عدوان خارجي، وترتبط في السياق الدستوري والقانوني بفرض حالة الطوارئ والأحكام العرفية عندما يتعلق الأمر بتهديد الأمن القومي والسيادة الوطنية.
العسكرة أو الملشنة تعني تحول فئات المجتمع إلى وحدات عسكرية أو مليشيات شبه عسكرية يطغى عليها الصراع والعنف.
عندما انحرفت المؤسسة العسكرية عن مهمتها الأصلية وأصبحت أداة بيد الأنظمة الديكتاتورية لقمع الشعب ومصادرة الحريات، صارت طرفاً في الصراع السياسي حول السلطة، واستغلت من الحركات السياسية ومن نتائج ذلك:
1- استخدامها في السيطرة على الحكم والانقلاب على الدستور بدلا من حمايته.
2- بروز الخطاب المتشدد والمعزز بالقوة المفرطة.
3- صدارة الجوانب الأمنية والعسكرية في أولوية السياسات.
4- عدم محاسبة القيادات المتجاوزة للقانون والانتهاكات التي يرتكبها قادتها.
5- منح الرتب العسكرية لغير المؤهلين وتجاوز القانون.
6- الصمت عن تأسيس المليشيات والتكوينات العسكرية الموازية.
وبما إنه لا توجد ضمانة مسبقة لصلاحية فكر سياسي معين كوصفة نموذجية لكل البشر، فإن تدخل العسكر في السياسة الناتج عن ضعف وهشاشة المجتمع المدني، وضيق الأفق السياسي لن ينتج إلا نظاما سلطويا دكتاتوريا مهما ادعت مبرراته.
تلتقي نظرية العسكر في التدخل في الشأن السياسي المرتبطة بمنطق القوة، مع منطق الحركات السياسية الإسلامية ذات الطبيعة التنظيمية العسكرية، والولاء المطلق للتنظيم واحتكار الحقيقة، والتي انتجت بالممارسة والتجربة:
– جماعات شاذة متطرفة فكرا وسلوكاً..
– رفص الآخر واحتكار الحق عبر إعطاء صكوك التبريرات وصولاً للتكفير والتخوين والاقصاء..
– الفشل في طرح أجوبة على ابسط الأسئلة المتعلقة بالحكم لأنها لم تفصل بين الدعوي والسياسي والاجتماعي.
– فرض الوصاية الدينية على المجتمع ترغيبا وترهيبا.
– امتطاء ظهر القوات المسلحة لتحقيق أهدافها السياسية.
تبدو المقاربة هنا أكثر وضوحاً عند الوقوف على تجربة الحركة الإسلامية السودانية التي دمرت المؤسسة العسكرية وافسدتها من خلال التجريف الفكري والسياسي، والتدجين الذى حدث لها على مدى ثلاثين عاماً، تبدو نتيجته أكثر وضوحاً في النظر للحرب الكارثية الدائرة الآن بين الجيش وكتائب الحركة الإسلامية من جهة، والدعم السريع من جهة أخرى.
من الواضح إن سياسة الحركة الإسلامية في بناء المليشيات العسكرية الموازية كانت تهدف إلى إحكام التوازن الأمني والعسكري لصالح استمرار النظام. ولكن للأسف لم تسعفها لحظة السقوط وارتدت عليها كما يقول المثل (التسوي كريت فى القرض تلقى فى جلدها).
*تسييس الدين وتديين السياسة كيف؟ ولماذا؟
حين دخل الدين في السياسة صار تاريخ المسلمين حلقات متتالية من الصراع منذ مقتل سيدنا عثمان بن عفان رضي الله عنه، ومن ثم الصراع بين سيدنا علي ومعاوية بن أبي سفيان، وواقعة الجمل التي افضت إلى التقسيم الطائفي خوارج وشيعة، ومن شواهد هذا الصراع الدموي التمثيل بجثة الإمام الحسين بن علي، وصلب جثة زيد بن زين العابدين بن علي، وأكل أبو العباس السفاح على جثث قتلاه من الأمويين، ودك الحجاج للكعبة وإعمال سيفه في رقاب معارضيه، وغيرها من مشاهد الصراع الدموي حول السلطة بين الأمويين والعباسيين.
إن الحركات الإسلامية السياسية هي نتاج هذا الواقع التاريخي كما أشار لذلك د. حسن الترابي في حلقاته التوثيقية في قناة الجزيرة الفضائية.
إن الخطاب الديني السياسي هو شكل من أشكال التعبير التي توظف الدين في الشأن العام السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي بهدف إيصال فكرة ما ومحاولة اقناع المجتمع بها.
تعتبر قضية علاقة الدين بالسياسة قضية إشكالية من أشد القضايا في الفكر العربي المعاصر وهي مرتبطة بفك اشتباكات نظرية حول أسس التمييز بين الدين والسياسة، بين النسبي والمطلق، بين الروحي والمادي… الخ.
إن دعاة الخطاب الديني السياسي يعملون على اضفاء الطابع السياسي وتغليب النزعة السياسية، ويلعبون على وتر العاطفة الدينية لخدمة أهداف سياسية، ويخدعون الناس بالشعارات التي لا تقف على برنامج كالحاكمية لله، والإسلام هو الحل، وإرهاب الناس بالشريعة، متناسين غايتها في تحقيق العدل والرحمة والحرية والكرامة الإنسانية.
إن المقاربة بين العسكرة وتسيس الدين كنهج اختطته الحركات الإسلاموية ينطلق كما يقول تركي الحمد، من تقدير خاطئ لتقديراتها السياسية التي تفترض أنها تتحدث باسم الحقيقة الإلهية الخالدة رافعة راية الشرع والشريعة، لذلك تنحو إلى تسفيه الآخر المختلف وعدم التعايش معه.
أما العسكر فالعالم بالنسبة لهم عبارة عن أوامر صارمة واجبة التنفيذ تعبر عن حقيقة واحدة..
كلا الطرفين يعاندان طبائع الأشياء التي تعتبر العنف هو أفضل طريقة لتحقيق الأهداف، لذا يفشلان مجتمعين كما في تجربة الإسلامويين في السودان، أو منفردين.
________________________
مراجع اعتمد عليها المقال:
– عماد الغزالي مقال.
– تركي الحمد مقال.
– أسامة أبو رشيد مقال.
– ويكبيديا.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب