مقالات

وليد عبد الحي يكتب /سيناريوهات الحرب في غزة

سيناريوهات الحرب في غزة
وليد عبد الحي
من العسير قراءة مشهد متحرك لاستشراف مآلاته المستقبلية المباشرة، وفي ظل ان المشهد التفصيلي في ميدان المعركة يحوطه الغموض رغم هدير المدافع والطائرات والصورايخ، الا ان المتداول حول نهاية هذه المعركة التي ستكون اطول مما يعتقد البعض، لن يخرج في تقديرنا الاولى والعاجل عن الاحتمالات التالية( دون ترتيب حسب قوة الاحتمال):
أولا: السيناريو الأول : إذا تمكنت اسرائيل من السيطرة على غزة ستعمل على:
1- تحويلها لسلطة التنسيق الامني ، وهناك مؤشرات على ان السلطة طرحت مسبقا الامر على اسرائيل.
2- العودة لاحتلال غزة على غرار ما كان من 1967 الى 2005
3- تسليم غزة لطرف ثالث :مصر(ضمن شروط معينة واغراءات معينة) او قوات دولية من الامم المتحدة
ولكل من السيناريوهات السابقة محاذيرة على النحو التالي:
أ‌- مصر :لن تقبل لا مهاجرين ولا حكم غزة لانها لا تريد العودة بأي شكل من الاشكال كطرف مباشر او حتى غير مباشر في الصراع العربي الاسرائيلي في ظل حكم السيسي ، ونظرا لتردي اوضاعها الاقتصادية والاجتماعية ، فان النظام السياسي فيها ليس مؤهلا لا للعودة للصراع ولا لقبول التهجير.
ب‌- الامم المتحدة ، حتى لو تم اقرار ذلك ، فان الامر سيكون مؤقتا ،ولن تدير الامم المتحدة كيانا سياسيا لمدة طويلة ،وهو ما يعني احتمال اعادة الامور الى سابق الوضع ،اي تحت سلطة فلسطينية أيا كانت هذه السلطة.
ت‌- سلطة التنسيق الامني :هو الاحتمال الاقوى والذي تسعى له سلطة التنسيق الامني بلهفة تامة ، بل ولديها نشاطات في هذا الاتجاه قبل اشتعال المواجهة الحالية، لكن اطرافا اسرائيلية ترى ان هناك مخاطرة لهذا الحل:
1- ان سلطة التنسيق الامني ليس لها قاعدة شعبية في الضفة الغربية ومكروهة ،وقاعدتها في غزة اضيق كثيرا من الضفة الغربية، مما يعني ان تعود الامر للوضع السابق بشك عام وليس تفصيليا.
2- كشف الواقع الامني في الضفة الغربية منذ سنتين تقريبا عن قصور شديد لسلطة التنسيق الامني في ضبط الوضع في الضفة الغربية، وهو ما قد يتكرر في قطاع غزة وبحدة أكبر كثيرا .
3- ان هذه السلطة طبقا لتقارير الشفافية هي من أكثر الادارات فسادا في العالم، وهو ما يجعلها مصدرا للاضطراب بدلا ان تكون ضابطا له.
ث‌- ادارة مؤقتة تجمع بين الامم المتحدة ودول عربية والاتحاد الاوروبي وسلطة التنسيق الامني ، وبعد ضمان استقرار الاوضاع ، تجري انتخابات تحت اشراف دولي ليتم تحديد الإدارة(وليس السلطة) الحاكمة في كل من الضفة الغربية وقطاع غزة.
ثانيا: السيناريو الثاني: ان لا تتمكن اسرائيل من السيطرة على القطاع وتستبدل سيناريو السيطرة بسيناريو الحصار الطويل الأمد ، مع استمرار الهجمات بين فترة واخرى ،اي حصار + استنزاف متواصل لقوات المقاومة + حرب نفسية واسعة على المقاتلين والمواطنين. ويبقى ذلك قائما الى ان تقبل المقاومة بشروط اسرائيل بخاصة :
أ‌- اعادة الرهائن جميعا من عسكريين ومدنيين
ب‌- وجود قوات دولية لمراقبة الاوضاع داخل غزة بعد تسليم المقاومة لاسلحتها مع تعاون تدريجي مع سلطة التنسيق الامني.
ت‌- ايجاد منطقة عازلة في شمال غزة بين 2 الى 3 كيلومتر عرضا بشكل يفصل الشمال عن الغلاف .
ثالثا: السيناريو الثالث : انفجار الوضع الاقليمي من خلال:
أ‌- تدخل محور المقاومة او بعض أطرافه ولكن بشكل اوسع كثيرا مما هو عليه الحال، وقد يكون حزب الله وانصار الله هم الاكثر احتمالا ،يليهم الحشد الشعبي ، واخيرا ايران.
ب‌- حدوث تغير سياسي مفاجئ في دولة عربية من دول المواجهة سواء بانقلاب عسكري او اضطرابات شعبية واسعة تدفع نحو التغير.(سيناريو البجعة السوداء)
وسيترتب على اي من الاحتمالين أن تصبح غزة واحدة من جبهات عدة ، وهو السيناريو الأسوأ من المنظور الامريكي والاوروبي والاسرائيلي، لكنه المفضل لروسيا أولا وللصين ولو بدرجة تفضيل أقل من روسيا بسبب اسعار البترول والغاز وحجم المصالح التجارية والاستثمارات الصينية في المنطقة. من ناحية أخرى فان هذا السيناريو قد يتحقق بسبب خطأ في الحسابات من احد الاطراف، فضرب اهداف مدنية في لبنان او في مدن ومستوطنات اسرائيل قد يدفع لرد فعل يتصاعد معه الموقف الى حد المواجهة المباشرة والشاملة.
رابعا: السيناريو الرابع: ضغوط داخلية وخارجية على الحكومة الاسرائيلية لقبول وقف اطلاق نار (مع استمرار الحصار في حدود معينة تراها اسرائيل)، وقد ياتي الضغط عليها من خلال:
أ‌- داخليا:
1- الضغط الشعبي الاسرائيلي بخاصة إذا تزايد عدد خسائر الجيش بشكل مؤلم في المواجهة البرية لا سيما ان أداء المقاومة العسكري حتى هذه اللحظة يدل على أداء منقطع النظير من حيث القدرة على المناورة والاستهداف والاقتصاد العسكري لا يقل عن أداء السابع من تشرين أول ، وهو ماتظهره تلكؤات الجيش الاسرائيلي في حركته.
2- اذا تزايد اعلان المقاومة عن موت اعداد من الرهائن والاسرى الاسرائيليين لديها بسبب ضرب اماكن تواجدهم من قبل القوات الاسرائيلية
3- تنامي خلافات بين المستويات العسكرية والمدنية او داخل كل مستوى من هذين المستويين الاسرائيليين.
4- ضغوط عشرات الآلاف من سكان المستوطنات الذين غادروها من غلاف غزة وصولا لعسقلان ومن المستوطنات المحاذية للبنان واصبح سكانها خارج منطقة فاصلة عرضها خمسة كيلومترات، مع تخوفهم من أن القدرة التدميرية لحزب الله اعلى كثيرا من المقاومة في غزة ،وهو ما يجعل المخاطرة اعلى.
5- الضغوط الاقتصادية ، فاسرائيل تنفق قرابة ربع مليار دولار يوميا ،ناهيك عن شل اكثر القطاعات الاقتصادية في اسرائيل بسبب الخوف الامني وبسبب سحب نسبة عالية من الموظفين والعاملين لطوابير قوات الاحتياط، ناهيك عن تأثر القطاع المصرفي واسعار الشيكل واسعار الاسهم وتزايد القلق باتجاه تراجع الهجرة اليهودية القادمة وزيادة الهجرة للخارج مستقبلا ..الخ.
ب‌- خارجيا: من خلال:
1- ضغط امريكي اوروبي دولي خوفا من انتقال الصراع لمستواه الاقليمي
2- ضغوط من جهات اقتصادية بسبب احتمال ارتفاع اسعار الوقود وانتقال ذلك للسلع الاخرى بخاصة ان الاقتصاد العالمي يعاني من تداعيات الكورونا وبعدها الحرب الاوكرانية ومعهما التوتر حول تايوان.
3- ضغوط الراي العام الدولي والمنظمات غير الحكومية بخاصة بعد انتشار صور آلاف المدنيين الضحايا من الفلسطينيين وضرب المساكن والمستشفيات والمدارس وتوثيق ذلك من جهات قانونية واعلامية وسياسية دولية حكومية وغير حكومية، ناهيك عن تزايد المظاهرات وتزايد عدد النخب الفكرية الناقدة لاسرائيل.
ما هو الارجح؟
1- إذا لم تتدخل قوى محور المقاومة بشكل يتجاوز “اللسع” الحالي فان غزة ستواجه موقفا في غاية الصعوبة والتعقيد، ولعل خطاب نصر الله المرتقب(أو ربما قبله بقليل) ان يحدد هذا الامر, مع الأخذ في الاعتبار أن الموقف الإنساني الدولي والعربي الشعبي اصبح اكثر قابلية لقبول فكرة مناصرة الفلسطينيين من قبل محور المقاومة بخاصة بعد تجاوز العنف الإسرائيلي ضد المدنيين كل الحدود.
2- كل الدول العربية التي لها خصومة مع الاخوان المسلمين ستعمل على التنسيق الخلفي مع اسرائيل والولايات المتحدة للتخلص من المقاومة في غزة
3- ستواصل قطر “وربما تركيا من وراء حجاب ” الاقناع التدريجي للمقاومة لتبادل الاسرى بشروط اقل مما تطلبه المقاومة ، مع توظيف قطري “لذهب المُعز”
4- بعد ان تضمن اسرائيل وصولها لغاياتها –إذا تمكنت- قد يجري طرح مشروع ” فلسطينستان” بادارة سلطة التنسيق الامني كإدارة محلية ضمن الجسد الإداري والسياسي الاسرائيلي .
ذلك يعني أن النتيجة المباشرة للمعركة الحالية هي بيد محور المقاومة الآن وبنسبة لا تقل عن 80%…فإما ان توقف اسرائيل هجومها أو تتسع المواجهة اقليميا،وهو احتمال تزايد قليلا دون الوصول لنقطة القرار الحاسم حتى الآن ، غير ذلك فان شايلوك الجديد لن يقبل بأقل من لحم المقاومة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب