مقالات

ما الذي تعنيه الصفقة!؟  بقلم سهيل كيوان

 بقلم سهيل كيوان

ما الذي تعنيه الصفقة!؟

 بقلم سهيل كيوان

من المتوقع أن يبدأ الطرفان حماس وإسرائيل برعاية قَطَرية مصرية أمريكية، في تنفيذ صفقة تبادل محتجزين وأسرى ابتداء من اليوم الخميس. يأتي هذا الاتفاق بعد اعتراض حكومة نتنياهو وبتشدُّد على ما كانت قد طلبته حماس منذ بداية الحرب واستعدادها للإفراج عن أجانب وعن محتجزين إسرائيليين من المسنين والأطفال والنساء، من دون مقابل، وقد أفرجت في البداية عن فتاتين وسيِّدتين بلا شروط.
كان المتحدِّث باسم حماس يقول بأنّهم يريدون إطلاق سراح المدنيين، ولكنَّ ظروف الهجوم الجوي لا تسمح، ويجب أن تتوقف لإتاحة الفرصة، إلا أن قيادة إسرائيل السياسية والعسكرية رفضت بحزم، وتواصلت محاولات إقامة هدنة إنسانية فقط لتزويد السُّكان بمتطلّبات أساسية مقابل إطلاق سراح مدنيين، ولكنهم أصرّوا على الرّفض، بل إنّه تمّ إسكات أهالي الرهائن وقمعهم في بداية الحملة العسكرية، واعتدى بعض المتطرفين على بعض من وقفوا في تل أبيب يطالبون بإتاحة الفرصة لإطلاق سراح أبنائهم وذويهم، فقد جرى التحشيد القتالي إلى درجة أنهم لم يتقبلوا سماع أي كلام عن هدنة مؤقتة، وساد شعور لدى أهالي الأسرى والرهائن بأن الحكومة لا يهمها بأن يُقتل أبناؤهم في الغارات، خصوصاً بعد إعلان المتحدّث باسم كتائب القسّام عن مصرع عدد من الرهائن.

الاعترار بالقوّة العسكرية السّاحقة والتفوّق الهائل في العتاد والعديد ونوعيات الأسلحة والدّعم الأمريكي الأوروبي المُطلق، أعمى بصيرة السياسيين والعسكريين، فقد أرادوا تحرير الأسرى والرهائن بالقوّة وبلا مقابل، أرادوا العودة بألبوم من الصّور مع الرهائن من المدنيين والجنود الأسرى بحراسة مقاتلي جيش إسرائيل، بينما حولهم جثث مقاتلي حماس، أو وهم مستسلمون معصوبو الأعين يطلبون الرحمة، وقد منحهم جو بايدن كلَّ الوّقت لتسجيل النّصر العسكري واستعادة الهيبة العسكرية التي ضُربت ضربة قاسية، وهذا ما لم يحصل حتى الآن، ويبدو أنّه بعيدٌ جداً. هناك من يتساءل بمنطق، إذا كانت إسرائيل تطارد السُّجناء الأمنيين وتعيد اعتقالهم، وقد تغتالهم، فلماذا ترفض وقف القتال مؤقتا لتعيد الرهائن، ما دامت قادرة على استعادة اعتقال، أو حتى قتل الأسرى الفلسطينيين الذين سوف تحرِّرهم! كذلك ماذا تستفيد حماس من هذا التبادل! أوّلا، وراء إصرار حماس على إطلاق سراح الأسرى رسالة مهمة للأسرى وذويهم من جميع الفصائل، ولغير المنتمين لأي فصيل، بأنَّ حركة المقاومة لن تتركهم يتعفّنون في الزنازين، وأن هناك من يتابع معاناتهم ويهتم بحرّيتهم ومستعد للقتال والتضحية لأجلهم. في المقابل فالعكس صحيح بالنِّسبة للاحتلال، فهو يريد لكلِّ معتقل وأسير فلسطيني أن يشعر بأنّه آذى نفسه بلا مقابل ولشعب لا يستحق التضحية لأنه نسِيَه. وأن الإجابة الوحيدة لمن يقاوم الاحتلال هي الموت البطيء في السجن، هذا إذا نجا من الموت الفوريّ. ومقابل محاولة إظهار عدم الاهتمام بالأسرى الفلسطينيين من قبل تنظيماتهم، تبث إسرائيل طيلة الوقت شعوراً عن اهتمام المسؤولين فيها بأسراهم، حتى لو كانوا عِظاماً، ففي مقابل استعادة بعض جنودها أطلقت سراح مئات الفلسطينيين، كذلك جنّدت كل إمكانياتها وعلاقاتها مع الرئيس الروسي بوتين وغيره في البحث عن رفات إيلي كوهين، الذي أعدم في سوريا عام 1965 وعن الطّيار رون أراد الذي أسقطت طائرته فوق لبنان عام 1982 وما زالت تسعى لاستعادة رفاتيهما. يزاود على موقف الحكومة مُعظم الصحافيين والمحلِّلين ممن يسمونهم، «مختصين في الشأن العربي أو الإسلامي أو الشَّرق أوسطي أو الإيراني أو الشِّيعي السُّني، أو الإرهابي، فالإعلام منذ بداية الحرب يخوضُ مباراة استعراضية لتسجيل من هو الأكثر تطرّفاً وكراهية وحقداً وتصلّباً وممانعة لأيّة صفقةٍ أو تفاوض مع حركة حماس، أو حماس – داعش، أو حماس النّازي، الذي يجد حاضنة لدى الحيوانات البشرية» إلخ، ويتجاوز بعض «المُحلّلين» عبارات طحن غزة إلى قتل الرُّضّع، مثل «مختصٍ» في الشأن الإيراني الذي بات نجماً ليس لديه من تحليلات سوى قتل وذبح وطحن كل الفلسطينيين، حتى من ما زالوا في أرحام الأمهات يجب قتلهم، ويدَّعي هذا العبقري أن هذه هي الطريقة الوحيدة المتّبعة الناجعة في الشرق الأوسط، لأن العرب أوضَع من الحيوانات ولا يفهمون لغة غيرها.
الصحافيون الذين يتحدّثون بعقلانية إلى حد ما، يكتب أكثرهم في صحيفة «هآرتس» المحسوبة على الوسطية السِّياسية، وبعضهم طلب منذ البداية إجراء صفقة تبادل أسرى ورهائن، وهم قلَّة ويُتّهمون بأنّهم خونة ومضلّلون ومغشيٌ على أبصارهم. كانت حجة القيادة العسكرية بأنّهم لا يريدون هدنة إنسانية، كي لا يعطوا فرصة لحماس لالتقاط أنفاسها وتجميع قواها، وهذا صحيح، فهي فرصة لمن لم يغفُ منهم أياماً كي يستريح، وفرصة للمدنيين للتزوّد باحتياجات ضرورية، وربما للحصول على أدوية وأجهزة تنقذ جرحى، كذلك لاستعادة الذخيرة ذات التصنيع المحليّ، وترميم فتحات أنفاق غمرها الرّدم، أو لفتح ثغرات جديدة. إلا أن الحُجَّة التي كان يسوقها نتنياهو لمعارضة الصّفقة، صار يسوقوها للموافقة عليها، وهي ترميم قوات جيش إسرائيل واستعادة الأنفاس، وربما لمراجعة بعض الخُطط الحربية.
كذلك يبدو أنّهم يأملون في التّخفيف من هول الصورة الوحشية القاتمة التي بدأ العالم يرى فيها إسرائيل، وتفاقم المظاهرات في مدن كثيرة، بعدما كان معظمها إلى جانب إسرائيل في بداية الحرب، لدرجة جعلت بعض الحكومات الأجنبية تعيد نظرها في علاقاتها وتطالب بمحاكمة مُجرمي الحرب. كذلك ضغط أهالي الرهائن، خصوصاً المدنيين منهم، والالتفاف الذي بدأ يتّسع من حولهم، وقد شكّل مقتل بعض الرهائن نتيجة الغارات ضغطاً وشعوراً بأنّهم في سباق مع الوقت لإنقاذ أحبائهم، وزاد هذا الشعور بالخطر، إعلان الناطق باسم كتائب القسّام، عن فقدان التواصل مع بعض الرَّهائن وحرّاسهم نتيجة القصف، وأجَّج القلق عدم ردِّ المفاوض الفلسطيني ليومين متتالين على الوسطاء، لشعوره بأنّهم في إسرائيل يسعون إلى كسب الوقت، لعلّهم ينجحون في تحرير الرهائن في عملية عسكرية لتحقيق الصورة المشتهاة للنّصر من غير ثمن.
كل هذه الأسباب مهمة، إلا أن شراسة المقاومة والهجمات المنظّمة والمؤلمة جداً لقوات الاحتلال، وعدم وجود إشارات انكسار من جانبها في الأفق المنظور، وتصاعد الخسائر المرشّح للارتفاع في جيش الاحتلال، كلما ازداد التوغل أكثر هو أساس قبول الهدنة! كذلك فإن تسخين حزب الله للجبهة الشّمالية، له أثره السلبي على المعنويات في الجبهة الداخلية، حيث أنَّ أعداداً كبيرة من سكان مستوطنات الشّمال أعلنوا رفضهم للعودة إلى بيوتهم قبل التخّلص من تهديدات حزب الله، وهذا يزيد من شعور نتنياهو وحكومته والقيادة العسكرية بالارتباك، ويريدون إنهاء ملف الرهائن المدنيين بالذات، حرصاً على سلامة الجبهة الداخلية وتزويدها بحقنة من المناعة، بعد شعور الناس بعدم مبالاتها بأرواح الرهائن حتى هذه اللحظة. كذلك فإن تهديد اليَّمن بإغلاق باب المندب أمام الملاحة الإسرائيلية المنذر بتعقيد الصراع وتوسعته وإطالة أمده، إضافة إلى الضغط الأمريكي والعربي الذي أدرك أنّ المقاومة ليست لقمة سائغة، وبأنّه من الأفضل شقّ طريقٍ للتفاوض وعقد صفقة تبادل أوّلية، ربما تفضي إلى إقناع القيادة الإسرائيلية، بالهبوط التدريجي عن وهم إبادة حماس وتحرير الأسرى بلا شروط، ومن ثم عقد صفقات لاحقة ربما تفضي إلى وقف إطلاق دائم، قبل احتراق الحقل كلّه.
كاتب فلسطيني

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب