الصحافه
هل ستكون الحرب على غزة بوابة دخول اليهود المتطرفين إلى المجتمع الإسرائيلي؟
هل ستكون الحرب على غزة بوابة دخول اليهود المتطرفين إلى المجتمع الإسرائيلي؟
ترجمة واعداد: جمانة أبو حليمة
لم يتم بعد حل الخلاف الاجتماعي المحيط بمسألة «المساواة في حمل الأعباء» في هذه الحرب المشتعلة حالياً على غزة، ولكن هناك علامات على حدوث تغيرات في الشارع الأرثوذكسي المتطرف، بأن تساعد المنظمات الحريدية(المتدينة) المقاتلين والقتلى قدر الإمكان، وقد تلقى الجيش الإسرائيلي آلاف الطلبات من الحريديم لتجنيدهم، كما تقوم المواقع الإخبارية الحريدية بتغيير المصطلحات تجاه الجيش الإسرائيلي والقتال، حتى أن إحداها أشارت إلى الجنود القتلى بأنهم «خيرة أبنائنا».
ومن بين مئات منظمات المجتمع المدني، من اليمين واليسار، التي تم تأسيسها على وجه السرعة بعد مذبحة «سيمحات توراة» في كل ساحة ممكنة، برزت أيضًا منظمات مدنية متطرفة. عشرات الحملات تم القيام بها من قبل فتيات وفتيان هذا الوسط والتي قدمت المساعدة لعائلات القتلى، وعملت على نقل الجنود الجرحى تحت رعاية منظمة «عيزر ماتسيون»، وتوزيع المواد الغذائية والحلويات على المقاتلين، وأيضاً حملات جماعية للتبرع بالدم، وحتى إرسال العشرات من المتطوعين للمساعدة في الأمور الزراعية في الجنوب.
لكن هذه المنظمات، على أهميتها، لا تحل محل الخدمة العسكرية، وبالتأكيد ليس المعنى هنا الخدمة التي تنطوي على «التضحية بالحياة»، كما أن الانقسام الاجتماعي حول مسألة «المساواة في حمل الأعباء» لم يتم حسمه في هذه الحرب أيضاً. ولا شك أنه، إلى جانب هذه المبادرات المدنية الجميلة، من المتوقع في الوقت نفسه سماع أصوات تحرض الشباب المتطرفين على الالتحاق بالجيش والتجند. دعا مؤثرون وأصحاب معتقدات وناشطون اجتماعيون الشباب إلى التجنيد لتقديم المساعدات الحربية، وتم الرد على دعوتهم باجابة جزئية: حيث أفاد المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي عن تلقي حوالي 2000 طلب من اليهود المتطرفين، وتم تجنيد حوالي 120 شابًا منهم للمسار المسمى المرحلة الثانية.
ما هي السيرة الذاتية لهؤلاء المجندين؟ وهل بالفعل يبدو أمامنا تغيير في الاتجاه ؟ كيف تعامل كبار الحاخامات الأرثوذكس المتطرفون مع مسألة تجنيد المدارس الدينية في هذه الأيام؟ وماذا يحدث داخل الوسط، وفي محادثات الصالونات، وفي المعابد اليهودية، وفي مجموعات الواتساب الأرثوذكسية؟ وقد نشرت في معهد القدس للدراسات السياسية ورقة موقف للإجابة عن هذه الأسئلة الى جانب توصيات لليوم الذي يلي الحرب.
لماذا لا يتم تجنيد الحريديم؟
هناك أربعة عوامل مركزية تكمن وراء قاعدة عدم تعبئة اليهود المتشددين: أ. اعتراف كبار الحاخامات وكذلك رؤساء الدولة في الخمسينيات بأن عالم التوراة قد تم تدميره في المحرقة ويجب تجديده وتطويره.
ب. الاعتقاد بأن دراسة التوراة تحمي الشعب وأهميتها لا تقل عن الخدمة العسكرية.
ج. وجهة النظر بأنه دون دراسة التوراة في المدرسة الدينية لا يمكن للمرء أن يبقى يهوديًا ملتزمًا.
د. رؤية اجتماعية مفادها أن توجيه الشباب إلى المدارس الدينية والجلوس هناك بعزلة في هذه الظروف والأجواء المشتعلة، حيث يتم انغلاق الطلاب ثقافيا عندما ينقطعون عن البيئة العلمانية، يحفظ «الهوية الأرثوذكسية» تحت السيطرة السياسية والحاخامية، ولا يسمح بالهوية الأرثوذكسية. خلق تيارات أرثوذكسية متطرفة جديدة قد تتحدى هذه الهوية المتجانسة أو تلحق الضرر بها.
في السنوات الأخيرة، استثمرت الدولة قدرًا كبيرًا من الموارد لتشجيع التجنيد في جيش الدفاع الإسرائيلي، إلى جانب محاولات خفض سن التقاعد في ظل ظروف معينة. هذه المحاولات لم تلب التوقعات. العوامل الأربعة المذكورة أعلاه خلقت معيارا اجتماعيا صارما ويدقق بالتفاصيل، وخلقت من ناحية الاستبعاد والتحريض ضد أي شخص ينحرف عن هذا المعيار ويتجه نحو النواحي الاجتماعية والدينية للمجتمع الحريدي، ولكن أيضًا الجيش، كما اتضح من المحادثات مع عناصر رفيعة المستوى عملت على دمج اليهود المتشددين في الخدمة العسكرية، لم «يبحث» حقًا عن الجنود المتدينين.
رسالة الحاخام لانادو: على «الحريديم» عدم ممارسة أي نشاط غير دراسة التوراة
في هذه الأيام التي يتجه فيها قلب كل يهودي نحو الجنوب، وتغمر التقارير وأصوات وصور الجنود القتلى كل مواقع الإنترنت – هل من الممكن القول إنه حدث تغيير في المجتمع الحريدي فيما يتعلق بمسألة التجنيد؟
إن رصد ردود أفعال العناصر الحاخامية ذات السيادة في الجمهور الأرثوذكسي المتطرف يجعل من الممكن رؤية أنه لا يوجد تغيير جوهري أمامنا فيما يتعلق بالتجنيد العسكري، وفيما يتعلق بموضوع «المساواة في حمل الأعباء». علاوة على ذلك، فإن دعوات التبرعات المدنية بين أعضاء المدرسة الدينية لا تلقى استحسانًا من قبل كبار الحاخامات.
وقال زعيم الطائفة الأرثوذكسية الليتوانية، والذي يعتبر «الأكبر جيلاً» بعد وفاة الحاخام الراحل غيرشون إدلشتاين، هو الحاخام دوف لانداو، في رسالة نشرها الأسبوع الرابع من الحرب، «أنه يتحفظ علانية على الأفعال الأخرى التي تجذب القلوب الضعيفة والتي يُخيل بأننا نتخلص بها من كل المشاكل والمخاطر المحيطة بنا.» وعلاوة على ذلك أكد لانداو»على أهمية دراسة التوراة باعتبارها القادرة على إنقاذنا من كل الأذى والضرر والعار الذي يصيبنا.» لقد تمت المبالغة في أهمية رسالة الحاخام الكبير؛ اذ لم يتم نشره فقط في صحيفة «ياتاد نئمان» الحريدية، بل تم تكبيرها وطباعتها بجانب صورة الحاخام وتوزيعها على جميع لوحات النشرات الخاصة بالتجمعات الأرثوذكسية المتطرفة.
وجهة النظر الحريدية المتطرفة، كما أوضحها لنا حاخام أرثوذكسي متطرف معروف يدعى يعقوب بوشكوفسكي، ترى أولاً أنه لا توجد شرعية للعيش كيهودي لا يحافظ على التوراة والوصايا الدينية باخلاص. إن هذه العقائدية الخطيرة تضر بأمن إسرائيل، وقد أثرت وما زالت تؤثر على ما يحدث من امور جسام، وعلى ما يحدث على أرض المعركة.
وترى ثانيًا أنه يُطلب من اليهودي الملتزم أن يحمي الناس ليس فقط في دراسة التوراة، ولكن أيضًا في مسار الحياة المطلق الذي يتضمن مراعاة لتعاليم الشريعة وكل ما يتعلق بها – حتى في الأمور الأكثر صعوبة، مثل حفاظ المرء على بصره بعيدًا عن المشاهد المحرمة، والحفاظ على الصلوات بإخلاص، ومراقبة جداول الصلاة اليومية، والى آخره من التعليمات. وأخيرا، فإن العالم يسير في السياق الطبيعي له، وبالتالي فإن دولة إسرائيل بحاجة إلى جيش، وهنا نحن ملزمون بـ «الامتنان» للجنود الذين يحموننا. لكن، في خضم ذلك، لا شك في أن أعظم امتنان مطلوب منا أن نوجهه هو إلى تلك المجموعة الروحية التي اختارت تكريس حياتها لحماية الوطن من الشر، الا وهي المدرسة الدينية والأبراخس.
من هم المجندون الجدد؟
هل تشكل التقارير حول آلاف الحريديم المهتمين بالخدمة العسكرية، «النظرة المتطرفة» كما هي معروضة هنا؟ لا شك بأن التقرير عن الآلاف من الشباب الأرثوذكسي المتطرف مثير للاهتمام، ولكن من المهم التمييز بين عدة مكونات تتضمنها هذه الظاهرة المهمة.
أولا: المجندون المتدينون الجدد هم بأغلبية ساحقة تقريبا من الشباب المتزوجين في أواخر العشرينيات أو أوائل الثلاثينيات من أعمارهم. حيث فتح النظام العسكري أيضًا مسارات للتجنيد السريع فقط للشباب الذين تبلغ أعمارهم 26 عامًا فما فوق، ولم يتطرق إلى فئة الشباب في سن التجنيد على الإطلاق، وذلك على ما يبدو بسبب الخوف من انتفاضة الحاخامات والقادة الأرثوذكس المتطرفين التي قد تغلق الباب أمام هذا التطور الجديد. ومعنى هذا اللغزهو أنه لا يوجد تجنيد لهم على القتال على الإطلاق، فالمجندون الحريديم، كما ذكرنا، لا يتم توجيههم إلى الجبهة وإلى قلب المعركة، بل يتم توجيههم إلى مواقع الخطوط الأمامية حسب مؤهلاتهم.
ثانيا، يعلن جميع المجندين، أو على الأقل الغالبية العظمى منهم، أن من يدرسون التوراة بصورة رئيسية، فانهم -من وجهة نظرهم- يحمون البلاد بدرجة لا تقل عن الجنود المرابطين على الجبهة. ومعنى ذلك أنهم لن يشجعوا أصدقاءهم أو إخوتهم أو أطفالهم على التجنيد طالما أنهم يتفانون في دراسة التوراة في المدارس الدينية. وفي مقابلات عديدة أجرتها معهم وسائل الإعلام المختلفة، ظهرت هذه الأفكار بوضوح في كلماتهم.
الموقف من التجنيد في الشارع الحريدي وعمليات «الأسرلة»
لم يحدث أي تغيير حاخامي جوهري فيما يتعلق بالتجنيد الإجباري، ولكن هل النظرة الأرثوذكسية المتطرفة للخدمة العسكرية انقلبت وأصبحت «أكثر ليونة» و»أكثر شمولا»؟ ربما يجوز التقدير بشيء من الحذر بأن الإجابة عن هذا السؤال سيتم تقسيمها بين شريحتين من السكان الذين يشكلون تقريبًا المجموعة الأرثوذكسية المتطرفة: تلك التي تتابع مباشرة وتطلع على صور الحرب بنفسها، مقابل تلك التي تغذيها وسائل الإعلام الأرثوذكسية المتطرفة فقط وتستقيها منها فقط.
تنشر الصحف الأرثوذكسية االرئيسية الصادرة بانتظام تقارير عما يحدث في ساحة المعركة، لكنها تحافظ على مسافة معينة من المصطلحات. فعلى سبيل المثال، التقارير الواردة في «ياد نيمان» حول تقدم القوات الإسرائيلية ستحمل عبارات مثل: «وصلت القوات العسكرية بالأمس على بعد مئات الأمتار فقط من مستشفى الشفاء».
وفي وقت لاحق، أفادت الأخبار عن عملية اغتيال من الجو كما يلي: «قامت طائرة مقاتلة من سلاح الجو بتوجيه استخباراتي من «الشاباك» و»أمان»، وبنعمة السماء، بتصفية وائل ابوعسفة». وجاء في عنوان آخر أن «مجموعة إرهابية كانت في طريقها لتنفيذ عملية تم إحباطها بنعمة السماء في طولكرم». «ياتاد»، مثل الصحف الأرثوذكسية الأخرى، تريد التأكيد باستمرار على أنه حتى نجاحات الجيش لا يمكن تحقيقها إلا بمساعدة خط المواجهة الروحي.
ومع ذلك، إلى جانب وسائل الإعلام الرئيسية، هناك أيضًا عدد لا بأس به من المواقع الإخبارية الأرثوذكسية المتطرفة التي تختلف مصطلحاتها الصحفية تمامًا والتي تقدم باستمرار»أسرلة» وعمليات تعريف وتضامن مع الجنود في الجبهة. على سبيل المثال، في موقع «با هداري الحريديم» يتحدث أحد المراسلين عن سقوط جنود من جيش الدفاع الإسرائيلي عندما يطلق عليهم لقب «أبناؤنا الجيّدون» في العنوان – وهو مصطلح لن يظهر أبدًا في صحيفة مثل «ياتاد نئمان» أو «هموديّع».
في موقع «الحريديم 10»، يتم استخدام مستمر لكلمات: «قوتنا»، «بسالة المقاتلين»، «البطولات»، وهي مصطلحات تظهر بشكل أقل في صحافة المؤسسة الأرثوذكسية المتطرفة، الى جانب منشورات عن شيوخ التوراة الذين تواصلوا مع أهالي الجنود الثكالى لتعزيتهم. ويعرض موقع «ساحة السبت» عنوانًا رئيسيًا يقول: «الآلاف من اليهود المتشددين يتجمعون لمساعدة ودعم الجنود والجبهة الداخلية – وأنت؟» وأيضا «يفتح المتدينون قلوبهم ومحافظهم ويدعمون جنديا آخر وعائلة أخرى».
وعلى شبكات التواصل الاجتماعي، مجموعات الواتساب والفيسبوك وإكس (تويتر سابقًا)، تكون العلاقة الإسرائيلية الأرثوذكسية أعلى من ذلك. فالتكنولوجيا التي تنقل الأحداث إلى شاشة الكمبيوتر أو الهاتف مباشرة تخلق لدى مستخدميها الإعجاب، والرغبة في التعرف، والتطلع إلى الشعور بالارتباط مع المحاربين الذين يحمون الفرد الأرثوذكسي المتطرف. تجري في هذه المجموعات مناقشات حية ومشحونة ومتفجّرة بشكل خاص حول مساهمة أو عدم مساهمة اليهود المتشددين في المجهود الحربي.
ومعنى هذا كله يعلمنا، أولا وقبل كل شيء، عن الشعور بالنقص أو الانزعاج الموجود لدى عدد غير قليل من الشباب، كما و يقدم رؤية أخرى، والتي بموجبها يتبين أنه حتى الأرثوذكس المتطرفون أنفسهم يدركون وأن دراسة التوراة لا تكفي لحماية الشعب والدولة. وفي النهاية نحن أيضاً بحاجة إلى جيش وجهاز أمني حديث ومنظم إلى جانب دراسة التوراة، وباتوا يشعرون بالارتباط به وبجنوده.
لقد توصلنا مؤخراً إلى عدد من التوصيات الممكن تنفيذها: توسيع الخطط لتوجيه اليهود المتشددين إلى المساقات العسكرية التي تشتمل على قدرات تكنولوجية عالية، وتكثيف انخراط «العمال الأرثوذكس المتطرفين» في مساقات المرحلة الثانية، وهذه توصيات أولية ويجب الاعتراف بها وسهلة التنفيذ: وكلاهما يعود الى الرغبة المتأصلة لدى هذه الجماهير، أو بسبب حقيقة أن المؤسسة الحاخامية الأرثوذكسية المتطرفة والاجتماعية تقبل ضمنيًا هذه الاتفاقية. ومن ناحية أخرى، مسموح الاعتراف بأنها لا تخلو من النقد. فهؤلاء الشباب يتم توجيههم إلى مسارات لا يخاطرون فيها بحياتهم، بل ويتمتعون بخدمة مجزية توفر لهم تدريبًا مفيدًا أيضًا للنزول الى سوق العمل في نهاية الخدمة. وعلى الرغم من هذه الانتقاداتفإن هذه التوصية في ظل الظروف الحالية ستفيد الاقتصاد الإسرائيلي، وتزيد من التضامن الإسرائيلي بين المجندين الأرثوذكس المتطرفين وتقلل من العداء بين المجموعات المختلفة.
وفي الخلاصة، إن وجود كتلة مهمة مكونة من الآلاف من اليهود المتشددين – ربما من 1000 الى 2000 شخص فقط – ولكنهم سيقودون بشكل ثابت كل عام الشارع الأرثوذكسي المتطرف إلى شعور قوي بالارتباط بما يحدث بالمنطقة والى التضامن المنشود.
عن «القناة السابعة» العبرية