لماذا يلتزم نظام السيسي الصمت إزاء ما يجري في سوريا؟
لماذا يلتزم نظام السيسي الصمت إزاء ما يجري في سوريا؟
صمت مصر الصاخب في ضوء ثورة سوريا يشهد كألف شاهد على خوف نظام السيسي من أثر دومينو ثوري يضرب مصر، خصوصاً من قوة اردوغان الصاعدة ومن تدخل تركيا الإقليمي والديني.
في ضوء الأحداث الدراماتيكية في سوريا، حافظت مصر على موقف فاتر جداً، واكتفت بتصريحات فارغة بشأن التزامها بوحدة سوريا الإقليمية. تشاركت مصر وسوريا على مدى السنين برعاية السوفيات، وجمعت بينهما وحدة مشتركة قصيرة لم تنجح، أدارتا معارك هائلة ضد العدو الإسرائيلي المشترك، وتنازعتا بسبب توجه مصر إلى مسار السلام مع إسرائيل. وبعد سنوات طويلة من القطيعة، بما في ذلك بسبب نظام الأسد القمعي تجاه شعبه، استعادتا علاقاتهما من جديد. فكيف ترك المصريون سوريا لمصيرها؟
حل اللغز يكمن في فهم علاقات مصر مع تركيا. فقد ساهمت مصر كثيراً في صياغة الفكر الإسلامي. وفي العهد العثماني أيضاً، حين كانت مصر تابعة إدارياً للباب العالي في إسطنبول، رأى المصريون في تركيا جهة أدنى منهم ثقافياً ودينياً. تركيا الحديثة، التي قامت على خرائب الإمبراطورية العثمانية، بدأت مسيرة علمانية قسرية وتأكيد القومية التركية في ظل تصميم إسلام خاضع للدولة.
لقد خلق صعود حزب العدالة والتنمة وزعيمه اردوغان وتطلعهما للنفوذ في العالم العربي مجالات للتعاون بين الدولتين، بخاصة تحت الرئاسة القصيرة لرجل الإخوان المسلمين محمد مرسي. لكن سقوط مرسي السريع وصعود السيسي إلى الحكم في 2013 خلقا توتراً أعلى بين الدولتين وصل حد قطيعة العلاقات على مدى عقد. وتصارعت مصر وتركيا سواء على الصدارة في العالم الإسلامي أم على المستويات العسكرية والاقتصادية في الشرق الأوسط، في حوض البحر المتوسط بل وفي إفريقيا.
لتركيا ومصر جملة مصالح متضاربة ربما تؤدي إلى أزمات متجددة. لمصر وإسرائيل واليونان وقبرص آبار غاز كبيرة قرب شواطئها، وهي تتمتع بالملكية عليها بحكم ميثاق قانون البحار EEZ، الحقيقة التي لا تقبلها تركيا. خلافات الرأي قائمة أيضاً في المسألة الليبية: مصر تدعم الجنرال خليفة حفتر في شرق ليبيا، بينما تركيا تدعم حكومة الوحدة الوطنية برئاسة الدبيبة غربي الدولة. كما توسطت تركيا مؤخراً في تحقيق اتفاق تهدئة بين إثيوبيا والصومال بشكل قد يؤثر سلباً على مصر، وفي النزاع بينها وبين إثيوبيا حول سد النهضة الذي استكمل رغم أنف مصر.
إن نجاح تركيا في إسقاط نظام الأسد، ومحاولاتها السيطرة على سوريا عسكرياً واقتصادياً في ظل التعاون مع قطر الغنية إلى جانب الخوف من رفع رأس “الإخوان” في مصر في ضوء الأزمة الاقتصادية العميقة في الدولة، لا يسمح لمصر للانتباه في سوريا. أما إسرائيل، التي استخلصت المنفعة من معارك الاستقطاب في المنطقة، فلا أرى أن في هذا بشرى طيبة.
غولوبونتسييس
معاريف 6/1/2025