الصحافه

صحيفة إسرائيلية: السيسي في حرب غزة… بين شعار “كلنا” ودولة تغرق وحسابات إقليمية جديدة

صحيفة إسرائيلية: السيسي في حرب غزة… بين شعار “كلنا” ودولة تغرق وحسابات إقليمية جديدة

“جميعنا معك”، يقول الشعار في أسفل اللافتات الدعائية التي علقت على أعمدة الإنارة في أرجاء القاهرة. “معك”، أي مع الرئيس عبد الفتاح السيسي الذي وقف أمس للمرة الثالثة لانتخابه لفترة ولاية للمرة الثالثة حتى 2030، مع فرصة للتمديد. “كلنا”، هذه قضية أخرى، لأنه حتى الآن من غير المعروف ما هو عدد المواطنين من بين الـ 67 مليون من أصحاب حق الاقتراع الذين سيكلفون أنفسهم عناء التوجه إلى صناديق الاقتراع، وما هو العدد من بينهم الذين سينتخبون الرئيس الحالي.
لتجنب كثرة التفكير، فإنه في هذه الانتخابات، التي تستمر ثلاثة أيام، يتنافس فيها ثلاثة من السياسيين الذين لا مكانة حقيقية أو دعم مدني جارف لهم. النتيجة، مثلما في جولات الانتخابات السابقة في 2014 و2018، معروفة مسبقاً، حيث حصل فيها الرئيس على 90 في المئة من الأصوات. المرشح الجدي الوحيد الذي يريد التنافس مع السيسي يخفق في جذب كثير من المؤيدين، 14 ألف شخص فقط، لأن القانون يشترط توقيع 25 ألف شخص، وهذا بعد سلسلة تنكيل تقودها أجهزة الدولة، لذا قرر الانسحاب من الترشح.
الانتخابات الحالية التي كان مخططاً لها في آذار 2024 تم تبكيرها للسماح للسيسي بتسريع إجراء عدة إصلاحات حيوية، التي ملأها صندوق النقد الدولي، كي تتمكن مصر من الحصول على الدفعات القادمة للقرض الذي يبلغ 3 مليارات دولار، الذي صادق عليه صندوق النقد، وجمده بعد الدفعة الأولى بسبب مماطلة النظام في مصر في إجراء الإصلاحات.
يطلب الصندوق تعويم سعر الجنيه المصري وخصخصة شركات حكومية وتقليص نصيب الجيش في اقتصاد مصر (حسب التقديرات الجيش يسيطر على نصف الاقتصاد في الدولة). في مصر، الغارقة في إحدى الأزمات الاقتصادية الأخطر منذ سنوات، تحتاج إلى الأموال فوراً. وعليها في هذه السنة تسديد نحو 29 مليار دولار من دينها الخارجي الإجمالي الذي يبلغ 165 مليار دولار، في وقت بلغ فيه فائض العملة الصعبة 35 مليار دولار.
هذه ليست الأزمة الوحيدة؛ فنسبة البطالة في مصر هي 17 في المئة، والتضخم تقريباً 40 في المئة، و60 في المئة من السكان الذين عددهم الإجمالي هو 105 ملايين نسمة، يعيشون حول خط الفقر، والاستثمارات الجديدة لا بطيئة، والسياحة التي تشكل مداخيلها 10 في المئة من الناتج الإجمالي، بدأت تستيقظ بعد كورونا، لكن يبدو أن الحرب في غزة الآن ستضربها مرة أخرى وستحطم التنبؤات حول مداخيل الدولة.
في العام 2016 قرر الرئيس تعويم سعر الجنيه المصري الذي فقد منذ ذلك الحين نصف قيمته تقريباً. وأي تعويم آخر للجنيه سيقلل قيمته الرسمية، 30 جنيهاً للدولار، وسعره في السوق السوداء 45 جنيهاً للدولار. هذه خطوة ستؤدي بالضرورة إلى قفزة أخرى كبيرة في أسعار السلع الاستهلاكية المرتفعة أصلاً. الخطوة الأخرى وهي خصخصة الشركات الحكومية وتقليص نصيب الجيش على الاقتصاد، ربما تقود الرئيس إلى مسار تصادم مع الجيش الذي أوضح مراراً بأنه لن يسمح بالمس بمكانته. السوق المدنية أحد مصادر دخل الجيش الأساسية غير الخاضعة للرقابة، وتشمل السيطرة على مئات مشاريع الإنتاج والبناء الحكومية وامتيازات في استيراد المواد الاستهلاكية وملكية وسائل الاتصال ومستشفيات ومدارس. باختصار، كل فرع أو شركة تدخل الأموال إلى صندوقه.

الجيش الذي يحصل على إعفاء من دفع الضرائب والرسوم وضريبة الدخل، لا يسمح بمنافسة نزيهة، واضطرت شركات خاصة كثيرة إلى التعاون معه كي تتحول إلى مقاول متخفّ، إذا أرادت البقاء اقتصادياً. في الحقيقة، تعهد السيسي مرات كثيرة بخصخصة شركات حكومية، لكن مبادرين ورجال أعمال، محليين وأجانب، وجدوا أنفسهم من جديد يغرقون في مستنقع بيروقراطي لا يسمح لهم بشراء ممتلكات حكومية.
مصر تحصل على الثناء بسبب وساطتها أمام حماس
يضاف إلى هذه الأزمة الاقتصادية الآن حرب غزة التي يبدو أنها تساعد السيسي في هذه الأثناء على ترسيخ مكانته السياسية والاقتصادية. مثلاً، وافق صندوق النقد الدولي على مناقشة زيادة مبلغ القرض الذي سيعطيه لمصر، من 3 مليارات دولار إلى 5 مليارات دولار. ومد الاتحاد الأوروبي يده أيضاً وهو يتحدث عن مساعدات تبلغ 8 – 9 مليارات دولار على شكل إعفاء جزئي أو تمديد أجل دين مصر، إضافة إلى خطة طموحة للاستثمار في الدولة.
مصر كدولة تتوسط من أجل إطلاق سراح المخطوفين، حصلت على ثناء الإدارة الأمريكية. اللهجة الحادة والانتقاد الشديد الذي وجه للرئيس بسبب المس بحقوق الإنسان في مصر، صمتت كلياً تقريباً. والآن بقي أن نرى إذا كانت الإدارة الأمريكية ستحرر الـ 85 مليون دولار التي تم تجميدها في إطار العقوبات التي فرضتها واشنطن على القاهرة بسبب سياسة القمع التي استخدمها السيسي. “لن نسمح بأي شيكات مفتوحة أخرى للدكتاتور المحبب لدى ترامب”، تعهد بايدن في الحملة الانتخابية.
الحرب في غزة حولت السيسي إلى “دكتاتور محبب” لدى بايدن أيضاً. فبالإضافة إلى التوسط في صفقة تبادل المخطوفين وعلاقته الوثيقة مع قيادة حماس في غزة، فإن أجهزة السيسي هي المسؤولة عن استيعاب وإدخال المساعدات الإنسانية إلى القطاع. طائرات المساعدات تهبط في مطار العريش، ومن هناك إلى فحصها في معبر “نتسانا”، ومنه تعود إلى معبر رفح قبل إدخالها إلى القطاع. هذه عملية تم تنسيقها بين مصر وإسرائيل بشكل مباشر. وحسب مصادر إسرائيلية، هذا التنسيق يجري بنحو جيد.
في المقابل، وجد السيسي نفسه في معركة شديدة مع نوايا إسرائيل محاولة دفع مئات آلاف الغزيين نحو الأراضي المصرية. لا تعتقد إسرائيل بأنه حل جيد، على الأقل بشكل مؤقت. جرت محادثات حول ذلك بين السيسي وبايدن ووزير الخارجية الأمريكي وجهات أمريكية رفيعة أخرى، التي حاولت جس نبض هذا الحل. السيسي رد عليهم جميعاً بالرفض. فبالنسبة له، هي ليست قضية قومية – عربية يمكن أن يتم تفسيرها كإسهام لمصر في إنهاء القضية الفلسطينية بشكل عام. وأوضحت مصر أيضاً بشكل حازم بأن المشكلة ليست اقتصادية، حيث إنها تستضيف نحو 9 ملايين لاجئ من أرجاء الشرق الأوسط وإفريقيا، بل يدور الحديث عن تهديد لأمن مصر القومي.
وزير الخارجية المصري الذي زار واشنطن في نهاية الأسبوع كجزء من وفد وزراء الخارجية العرب الذين يريدون تطبيق وقف إطلاق النار في القطاع، قال إن مصر فقدت في السابق نحو 3500 جندي في النضال ضد الإرهاب في سيناء. الأمر الأخير الذي تريده مصر هو إقامة “حماس لاند” على أراضيها.
الصمود
يدرك السيسي جيداً أنها خطوة لن تكون مؤقتة. فلا مكان لهؤلاء اللاجئين يعودون إليه حتى بعد انتهاء الحرب. مئات آلاف المباني والبيوت التي دمرها القصف، وتدمير البنى التحتية، ستحتاج إلى سنوات من إعادة الإعمار قبل أن يفكر اللاجئون في العودة إلى بيوتهم. الرئيس المصري يرى ملايين اللاجئين السوريين ومئات آلاف اللاجئين العراقيين الذين ما زالوا خارج بلادهم رغم وجود لمكان معظمهم يعودون إليه.
“صمود” السيسي أمام الضغوط الإسرائيلية والأمريكية يحظى بدعم واسع من الجمهور المصري، حتى في الوقت الذي يظهر فيه معظم المصريين التضامن مع السكان في غزة. هذا الجمهور يميز بين الكارثة الإنسانية التي تطورت في غزة، والغضب من حماس، التي ما زالت تعتبر في مصر جزءاً من حركة الإخوان المسلمين المصنفة منظمة إرهابية. وسيكون مثيراً للاهتمام رؤية كيف ستؤثر الحرب على نسبة المشاركة في الانتخابات بعد يومين. وتشير هذه النسبة أكثر من أي استطلاع إلى أحاسيس مصر تجاه السياسة التي يتبعها السيسي في الحرب.
على السيسي أيضاً أن يشكل سياسته لقضية “اليوم التالي”، التي ستكون مصر مشاركة نشطة فيها. حتى الآن، لم يطرح إلا اقتراحاً واحداً يقول إن الدولة الفلسطينية التي ستُشكل يجب أن تكون منزوعة السلاح، ولكنها تتملص بشكل منهجي من تحديد من الذي سيقود غزة وكيف ستقاد.
في مقابلة مع “المجلس الأطلنطي” الجمعة، سئل وزير الخارجية المصري عن “اليوم التالي”، فأجاب: “بقدر ما يتعلق الأمر بنا، فليس هذا هو الوقت المناسب لمناقشة مسألة اليوم التالي. الأمر الأهم الآن هو التركيز على اليوم، وليس ما سيحدث. لا نعرف كيف سيكون الوضع في غزة أو في المنطقة بعد انتهاء المواجهات. لذلك، من المهم إنهاء المواجهات، ومن ثم سنذهب إلى مسألة الاستراتيجية التي يجب تطويرها بين كل الأطراف لتوفير أساس لوضع أفضل”.
لا يمكن لفتاة من المطاط أن تنفذ انثناءة مدهشة كما فعل وزير الخارجية المصري. ولكن لا يمكن لومه على ذلك؛ فمن جهة، ستكون مصر ملزمة بالاندماج بالنسيج السياسي – العسكري الذي ستقرره الولايات المتحدة وإسرائيل من أجل الحفاظ على مصالحها الأمنية والتأكد من أن قطاع غزة لا يشكل تهديداً عليها. ومن جهة أخرى، أوضحت مصر خلال عقود، وخلال الحرب، أنها لا تنوي تولي المسؤولية عن إدارة القطاع ولا حتى في إطار قوة متعددة الجنسيات. وهي بالطبع تريد المشاركة في إعادة الإعمار. لا شك أن مصر ستعرض استضافة مؤتمر دولي لبحث الحل السياسي، لكنها لا تحبس أنفاسها الآن حول ذلك.

في الوقت الحالي، للسيسي دولة يديرها، دولة تغرق في مشاكل كثيرة خاصة بها. غزة تحت حكم حماس منحت السيسي مزايا اقتصادية وسياسية، والآن تحولت إلى تهديد ترتبط إزالته بإسرائيل والولايات المتحدة أكثر مما هي مرتبطة بمصر. هذا وضع جديد للرئيس المصري، ولا يمكنه البدء في حساب خطواته الآن.
تسفي برئيل
هآرتس 11/12/2023

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب