السودان والسقوط في الهاوية: الحرب والانهيار الاقتصادي وسط الاضطرابات السياسية والأزمة الإنسانية 2-2
المسارات إلى الأمام: الحلول والاستجابات الدولية لأزمة السودان
#الهدف_أراء_حرة
بقلم : إسماعيل هجانة-السودان –
بينما نتعمق في السرد المعقد للحالة الراهنة للسودان، والمبين في التحليل السابق، نجد بلدًا عند مفترق طرق، يتصارع مع تحديات اقتصادية وسياسية واجتماعية عميقة الجذور. كشف الجزء الأول من مناقشتنا عن الأزمة المتعددة الأوجه التي يواجهها السودان، والتي تتميز بالانهيار الاقتصادي، وعدم الاستقرار السياسي، والمأزق الإنساني الذي يهدد النسيج الاجتماعي للشعب السوداني .إن الوضع، كما تم تصويره، ليس مجرد انعكاس للاضطرابات المباشرة، بل هو تتويج لسنوات من الحروب المتصلة والمظمة، وسوء الإدارة والعزلة الدولية، والتي زادت تعقيدًا بسبب الصراعات الداخلية على السلطة وتأثير الديناميكيات الجيوسياسية العالمية.
للمضي قدمًا، يهدف الجزء التالي من مقالتنا إلى الانتقال من التصوير الفاضح للتحديات إلى بحث استكشاف السبل المحتملة للتدخل والتعافي والتنمية المستدامة. بناءً على هذه الأسس، سوف نتنقل عبر المشهد المعقد للاستجابة الدولية، وجهود بناء السلام، واستراتيجيات الإصلاح الاقتصادي التي يمكن أن تقود السودان بعيدًا عن حافة الكارثة. الهدف هو تجميع رواية لا تعترف بعمق الأزمات في السودان فحسب، بل تنير أيضًا الطريق نحو مستقبل يكون فيه الاستقرار والازدهار والكرامة في متناول شعبه. هذه المقدمة بمثابة جسر يربط بين حقائق الحاضر المروعة وإمكانيات الغد المفعمة بالأمل، مما يمهد الطريق لرحلة المعرفة الاستكشافية الشاملة للحلول ودور التضامن العالمي في تشكيل نهضة السودان.
ومع ذلك فإن من المؤكد أنه سيكون هناك إحجام من معظم المؤسسات الدولية الكبرى عن التعاون مع السودان في ضمن عزلة جيوسياسية أوسع نطاقا. بسبب سيطرة تجار الحرب على القرار السياسي والاقتصادي في البلاد وهي حقيقة ليست بالمخفية، بل بات يتباهى بها دعاة الحرب أنفسهم، مما أدى إلى تضاءل وتعقيد فرص الدعم الخارجي إلى درجة الانعدام، إلا الدعم الإيراني الخجول والظاهر في تمويلها العسكري، أصبحت قدرة السودان على اجتياز أزمته الاقتصادية معوقة بشكل كبير، مما يحد من سبل التعافي قريبا.
الحرب المستمرة في السودان منذ 15 أبريل تعتبر عاملاً مهمًا في زيادة حدة الانهيار الاقتصادي للبلاد. وقد ارتفعت النفقات العسكرية بشكل كبير في الوقت الذي تكافح فيه حكومة بورتسودان لتمويل عملياتها ضد قوات الدعم السريع، وتمويل مختلف حركات المسلحة الموالية لها، بالإضافة إلى كتائب الإسلاميين مثل البراء وغيرها، حيث كانت التقديرات الأولية لمخططي ومشعلي الحروب أنها لن تدوم لأكثر من ستة ساعات سيكون قد انتهى الدعم السريع بلا أثر. وقد أدى هذا التركيز على الإنفاق العسكري إلى تحويل الموارد الحيوية بعيدا عن برامج التنمية والرعاية الاجتماعية، مما أدى إلى تفاقم الأزمة الاقتصادية. لم تستنزف الحرب الخزانة الوطنية فحسب، بل أعاقت أيضًا الاستثمارات والمساعدات الأجنبية، مما زاد من عزلة السودان عن المصادر المحتملة للإغاثة الاقتصادية.
لقد أضاف تأثير التحالف بين الجماعات المتطرفة والمسيطرة تاريخيا داخل القوات المسلحة السودانية والأمن والشرطة بالإضافة إلى مقاليد الاقتصاد طبقة من التعقيد إلى التحديات التي تواجهها البلاد. وقد أدّت هيمنة الجماعة على المؤسسة العسكرية إلى توجيه الأولويات الوطنية نحو أجندتها، ويتم ذلك على حساب الاستقرار الاقتصادي والأمني والتنموي. وقد أدى تسييس الجيش واستغلاله عبر عقود من الزمان لصالح فئات محدودة الأفق والبصيرة إلى إعاقة الجهود الرامية إلى تحقيق عملية سلام ومصالحة متكاملة، وهو أمر ضروري لتحقيق الانتعاش الاقتصادي والنمو. وقد أدت حاجة الحكومة إلى استرضاء الفصائل القوية داخل الجيش إلى تخصيص الموارد بشكل غير مستدام للإنفاق الدفاعي، وإهمال القطاعات الحيوية مثل الصحة والتعليم والبنية التحتية ومساعدة النازحين وضحايا الحروب.
المجاعة والأزمة الإنسانية
ومما يزيد من تفاقم المشاكل الاقتصادية نتيجة للأزمة السياسية المزمنة وافقها الاجتماعي والثقافي في السودان التهديد الخطير الذي يلوح في الأفق بحدوث مجاعة، وهي نتيجة مباشرة لسياسات فاشلة ظلت تمارس على مدى عقود، وكذلك الصراعات الطويلة التي أفرزت عدم الاستقرار الاقتصادي . ولم يترك تحويل الموارد نحو الجيش والأمن الذي يستحوذ على أكثر من 80٪ من ميزانية، سوى القليل لتلبية الاحتياجات العاجلة لملايين السودانيين الذين يواجهون انعدام الأمن الغذائي. وقد أدى انخفاض قيمة العملة والتضخم إلى جعل الغذاء غير متاح للكثيرين، في حين أدى الصراع إلى تعطيل الأنشطة الزراعية، مما أدى إلى انخفاض توافر الغذاء. إن المجاعة المحتملة في السودان ليست مجرد أزمة إنسانية ولكنها تمثل أيضاً تحدياً اقتصادياً كبيراً، حيث أن تكلفة معالجتها ستؤدي إلى مزيد من الضغط على الموارد الوطنية المستنزفة والمنهوبة بالفعل.
الطريق نحو المستقبل
إن التقييم الصريح والواقعي للمحنة الاقتصادية التي يعيشها السودان الآن وبعيدا عن المزايدات، بمثابة نداء تنبيه لكل من الزعماء الوطنيين والمجتمع الدولي. إن التحديات المتمثلة في وقف الحرب وتحقيق مصالحة وطنية، العجز في موازنة النفقات العسكرية مع الاستقرار الاقتصادي، وحماية قيمة العملة الوطنية، وضمان رفاهية الشعب السوداني، هي تحديات هائلة. يجب النظر إليها بعين الاعتبار بل يجب أن تكون من الأولويات الملحة.
تتطلب معالجة الأزمة الاقتصادية في السودان اتباع نهج شامل يأخذ في الاعتبار التفاعل بين الحرب المستمرة، ودور الفصائل العسكرية والسياسية داخلها، والاحتياجات الإنسانية الملحة للسكان. إن وقف إطلاق النار الآن دون قيد أو شرط، والشروع المباشر في الحل السياسي للصراع، تعتبر أمور ضرورية لا تحتمل التأخير، لوقف شبح المجاعة أولا، وتحقيق الاستقرار في البلاد وإعادة توجيه تركيزها نحو إعادة الإعمار والتنمية الاقتصادية. وسيكون الدعم والتعاون الدوليين حاسمين في توفير المساعدات الإنسانية اللازمة لمواجهة التهديد المباشر المتمثل في المجاعة ومساعدة السودان في إعادة بناء اقتصاده.
علاوة على ذلك، يحتاج السودان بعد الوصول إلى سلام، إلى الشروع الفوري في مسار الإصلاح الاقتصادي الذي يتضمن خفض النفقات العسكرية، ومكافحة الفساد، وتفكيك مؤسسات الامتيازات الاحتكارية وتنفيذ السياسات التي تشجع الاستثمار والتنمية. ومن خلال معالجة الأسباب الجذرية لتدهوره الاقتصادي وأهمها الحروب، حتى تكون هذه آخر الحروب السودانية، وتعزيز بيئة سلمية ومستقرة، يمكن للسودان أن يأمل في التعافي من وضعه الحالي ووضع الأساس لمستقبل مزدهر.
وبينما يقف السودان عند هذا المنعطف الحرج، فإن الاختيارات التي تم اتخاذها اليوم ستشكل بلا شك المشهد السياسي والاقتصادي للبلاد لعقود قادمة. ولا يمكن بالحرب الحالية، ولا الاستهانة بدور المجتمع الدولي في تقديم الدعم وتعزيز الحوار، في الوقت الذي يسعى فيه السودان إلى اجتياز إعصاره السياسي والاقتصادي والاجتماعي والعسكري والأمني والثقافي الأكثر تحديا.
فعلينا التواضع والاقتناع أن ما بعد “15” أبريل لكن يكون كما سابقها على الإطلاق، مما يتطلب نهجا مختلفة في التفكير والذهنية والعقلية، والقبول بسودان جديد يقوم على أسس العدالة والمساواة، سودان تسوده قيم المواطنة في نظام ديمقراطي حقيقي حقيقي، يتيح للجميع المشاركة، والنضال السلمي الديمقراطي من أجل انتزاع الحقوق